متفرقات

رياض سلامه: أفرغ ما في صندوقك الأسود 

بقلم وزير الخارجية الاسبق د. عدنان منصور

لا يمكن لأي مراقب تتبع عن كثب في السنوات الأخيرة ما احاط بحاكم المصرف المركزي، أو بالأحرى حاكم “الصندوق الاسود” إلا ويشير اليه بالبنان، نظرا لما يحتفظه ويختزنه الصندوق الاسود في داخله من قرارات، اسرار، ألغاز، فضائح ومفاجٱت، عدد كبير من اسماء السياسيين والشخصيات، الشبكات والمؤسسات على انواعها من مالية، ادارية، مصرفية، قضائية وحكومية، بالإضافة الى اسماء مافيات نخرت جسم السلطة والحكم، ومهربين للمال العام والخاص، واباطرة رأس المال، ومبيضي الاموال ومختلسيها وتحالف اصحاب النفوذ الذين عبثوا بالدستور والقانون، القابضين على مؤسسات ومفاصل الدولة العميقة.

رياض سلامة ملاحق من قبل اكثر من قضاء. والتهم بكل تأكيد، ليست مفبركة، أو متعمدة، او كيدية، أو ظالمة، لا سيما وأن الملاحقة ضد رياض سلامه تتم من جهات اوروبية وغير اوروبية، بعد صدور اكثر من مذكرة اعتقال دولية صادرة عن القضاء الفرنسي والالماني.

أكان رياض سلامة متهما او بريئا او متلبسا، فهذا الأمر متروك للقضاء النزيه للبت فيه لحين أن يصدر الحكم العادل بحقه.

لكن أن يصمت الحاكم “العظيم” حتى هذه اللحظة أمام تسونامي من التهم والادانة الموجهة ضده، وأن يتحمل بصبر عجيب الحملات الإعلامية المركزة عليه، والتشويه بسمعته، وتحميله المسؤولية الكاملة، فهذا ما يثير العجب والغرابة، ويطرح علامات استفهام كثيرة، وهو الذي بإمكانه أن يواجه القضاء أكان لبنانيا أم اوروبيا، بكل شجاعة، وبالحجج القانونية الدامغة التي تبرئه، اذا كان واثقا من نفسه، ومن”نزاهته”، و”صدقيته”، و’شفافية ادائه”.

أن يتهرب حاكم “الصندوق الاسود” من التبليغ، ومن المثول امام العدالة اكثر من مرة، بذرائع وحجج عقيمة تافهة، لا حقيقة ولا منطق لها، مستخفا بالقضاء، فهذا امر غير مقبول، وإن كان قد “صنع في لبنان” حيث لا يحصل مثله في العالم إلا في هذا البلد المترهل، مما يعزز الشك عند الٱخرين، حيال الدور الفعلي للحاكم، وسياساته المالية، وقراراته المشبوهة، ومسؤوليته المباشرة وغير المباشرة عن انهيار العملة الوطنية، وسرقة اموال المودعين، ودور النظام المصرفي اللبناني في هذا المجال، وافتضاحه أمام العالم كله، وتجاوزه لصلاحياته، وتغطيته للنافذين، والمحظوظين، والمستفيدين من القروض الميسرة والتحويلات غير القانونية، وتبييض الاموال، والهندسات المالية، والتحايل على القوانين في الداخل والخارج.

لماذا يؤثر حاكم الصندوق الاسود الصمت، وهو الذي يريد ان يتنصل من أي خطأ، محملا المسؤولية للسياسيين ومنظومة السلطة القائمة؟! لم يتردد رياض سلامة في تصريح له على قناة “الحدث” من توجيه “النصح” للقضاء في البدء بملاحقة السياسيين وليس حاكم مصرف لبنان. وكأن هذا الحاكم يريد أن يثبت للبنانيين انه منفصل تماما عن السياسيين، وبعيدا كل البعد عنهم، ولا علاقة له بهم منذ تعيينه على رأس الحاكمية منذ ثلاثة عقود وحتى اليوم! كما يغمز من قناة السياسيين الذين – على حد قوله- “يستهدفون حاكم المصرف المركزي، لأنهم يخشون استهداف السياسيين”.

رياض سلامة يصر على البقاء في منصبه ولا يستقيل، رغم منعه من السفر، وملاحقة القضاء الاوروبي له. ولو حصل لحاكم مصرف مركزي ما في دولة من دول العالم، وواجه الاتهامات كالتي بواجهها رياض سلامه، للجأ على الفور الى الاستقالة احتراما لنفسه، وللدولة والشعب معا.. لكن في لبنان يهون القانون، ومعه الكرامة، وعزة النفس امام الثروة والمناصب.

رياض سلامة يتهم السياسيين ويتحداهم، وهو العليم بنقطة ضعفهم، ويربك الدولة وحكومتها، ولا تجرؤ على اقالته أو حمله على الاستقالة، بل تساعده على ايجاد المخرج الذي يحول دون ذهابه الى فرنسا ومثوله أمام قضائها، وعرقلة العدالة لحمايته.

كم هو “حريص” رياض سلامه على تطبيق القانون نصا وروحا، وفقا للأصول، الذي منعه من المثول امام القاضي الفرنسي بذريعة عدم تبليغه وفقا لأحكام الاتفاقية الموقعة بين لبنان وفرنسا! ما “أروع” حاكم “الصندوق الاسود” في احترامه للاصول القضائية، والاتفاقيات، والقوانين وتطبيقها بحذافيرها!

رياض سلامة لا يريد ان يتحمل المسؤولية لوحده، وهو يعرف مسبقا نقاط القوة عنده، ونقاط الضعف عند الٱخرين. لذلك يعتبر نفسه بريئا حتى اشعار ٱخر، وإن صدر بحق “افضل”، و”أكفأ” حاكم مصرف مركزي في العالم مذكرة عن الانتربول الدولية لتوقيفه!

الى حاكم المصرف المركزي نقول: أفرغ ما في الصندوق الاسود، من بيانات وحسابات وأدلة ليعرف كل مواطن لبناني مسحوق، حقيقة ما جرى خلال السنوات الأخيرة من جرائم مالية، نقدية، مصرفية، اقتصادية ومعيشية ارتكبت بحق الشعب.

أفرغ يا حاكم المصرف المركزي الصندوق الاسود من محتوياته، ليعرف القاصي والداني، من هم القطط السمان، ناهبي اموال الشعب، قبل أن تضحي بك زمرةالمافيا القابضة على البلاد والعباد.

إن ادانتك او تبرئتك تأتي من القضاء ولا غيره، أكان لبنانيا او أوروبيا. وما دمت اليوم تحت مجهر العدالة، ولا مفر منها، أفرج قبل فوات الاوان عن “كنوز”المعلومات التي يحتفظ بها الصندوق الاسود، وسم “القطط السمان” واحدا واحدا ولا تخف، حتى يعرف اللبنانيون، كل اللبنانيين، مدافعين عنك كانوا ام متهمين، حقيقة ما جرى في لبنان، حتى لا تكون لاحقا في يد أخطبوط السلطة والمال، كبش فداء له، ينحرونك في أول فرصة، على مذبح الصفقات والنهب المنظم، وهم الذين جعلوا الوطن وما فيه كبش فداء لمصالحهم، وثرواتهم، وسرقاتهم.

رياض سلامه، تصرف تصرف الرجال وأفعلها ولو لمرة واحدة قبل ان يجعلوك صيدا ثمينا يضحون بك، ويلفظوك، ويتركوك لمصيرك الاسود وأنت تواجه العدالة لوحدك ، فيما هم يتلذذون في ما قدمته لهم على مدار عقود.

كل مسروق، مغبون، كل لبناني منهوب ومسحوق، كل لبناني مفلس على يديك ومخنوق يريد منك الحقيقة كاملة دون مراوغة او تذاكي، او لف ودوران. لا تخفها عنهم، ولا تخفي اسماء القطط السمان، ولا تغطي الوجوه السوداء البشعة لكل الذين قهروا شعبا، وأذلوه ودمروه، وأفلسوه وجوعوه.

يعرف الجميع انك مسؤول عن قراراتك وصلاحياتك، وإجراءاتك وسياساتك المالية التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه من إنهيار ومٱسي. ولا يمكن لك رمي الحمل على الحكام والسياسيين لوحدهم فقط، لأنك كنت العراب لهم، ومهندس المال والقروض معهم، ومايسترو المنظومة الفاجرة على مدى سنوات، إن لم نقل أكثر من ذلك.

تعلم رياض سلامة، ونعلم جيدا معك أن صلاحياتك واسعة، ومحصنة، ألست انت حاكم بيت المال؟! لكن بكل تأكيد صلاحياتك لا تسمح لك، او تخولك السير عكس القوانين، لتحول بيت المال الى صندوق اسود، وإن اصرت مافيا السلطة على مخالفتها. إذ كان الأجدر بك، والأشرف لك أيها الحاكم ‘النزيه”، أن تستقيل بدلا من أن تكون في خدمة القطط السمان، وتنغمس في لعبتها القذرة.

إذا كان القضاء سيلفظ حكمه بحقك مدانا او بريئا، عاجلا أم ٱجلا، فمن الأهمية الكبيرة بمكان، هي ان تصارح الشعب، وتكشف النقاب عن كل الوجوه التي استفادت واغتنت من الثروات الحرام، وغدرت بالوطن والشعب على السواء.

تجرأ وافعلها يا حاكم “الصندوق الاسود”، ولا تخف، بها تثلج قلوب المواطنين، وبالتالي لن تخسر شيئا غير الذي ستخسره حتما. فأنت الغريق ولا خوف عليك من البلل.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى