متفرقات

جهاد أيوب ل HNN: إعلامنا ثقافة عبيد وحشو بصري كلامي

بين الإعلام والإبهام ثمة مَن يحاور بالشكل وآخر يناور بالمضمون


خاص وكالة حسام الاخبارية HNN، 

رئيسة التحرير وفاء ناصر

 

اجتاحت الشاشات الأرقام العددية بمعزل عن جودة النوعية ورقي المستوى، مغتالة الوعي والتحرر لمصلحة تبعية ثقافية سطحية، ساهمت فيها اللعبة السياسية بفرامانات هامايونية على شاكلة اتفاقيات معلبة تؤجج الخلافات العربية وتزجّ الرأي العام في متاهة الإنخراط بالغباء من جهة ومتاريس الشرذمة والتفرقة من جهة ثانية، مستفيدة من فضاء إلكتروني مأجور وتغييب ممنهج للفكر الناقد عبر رأسمال صاخب.

وما زاد الطين بلة، تخمة المنصات الإلكترونية التي أضحت بمعظمها وظيفة للعاطلين عن العمل. فاختلفت الصور الفنية والإعلامية العربية ودخلنا صومعة الثقافة المسطحة بغياب لافت لدور السلطة الرابعة بعدما أضحت شريكة للسلطة، وأي سلطة!

وللوقوف على هذا الموضوع وحيثياته، توجهت وكالة حسام الاخبارية HNN إلى أهل الاختصاص، وأجرت حوارا مع الاعلامي والناقد الفني جهاد أيوب.

– بداية، بعين الناقد، كيف يصنف جهاد أيوب المحتوى الفني (الاغاني، الافلام، المسلسلات، البرامج السياسية، والكوميديا، والمنوعات، والبرامج الحوارية..) على شاشات الفضاء العربي، وفي الساحة العربية؟

هذا السؤال يحتاج إلى لقاء خاص ومطول، ولكن باختصار؛ استطاع النظام العربي، وتحديداً مخابراته أن تتحكم بفنوننا وثقافتنا على حساب الثقافة التقليدية، أحياناً يفلت منهم نصاً رمزياً مسرحياً أو بضعة صفحات في رواية، ولكن باقي الفنون خضعت للمخابرات بحجة الرقيب أو العمل الوطني!

وللحق، بعد اتفاقية التآمر على العرب والإسلام، اتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر الثقل العربي وإسرائيل الشاذة والمؤقتة، اختلفت كل الصور في الفن والثقافة العربية. في مصر انطلقت البرامج السطحية والأغاني الهابطة، وبحجة الواقعية نقلت وضاعة الشوارع، وأُكثر من الجنس والمشاهد الفاضحة في الأفلام على حساب الجودة!

وعربياً انتشر التنظير في مدح الغباء وتبريره، فزاد الإعلام التخديري رغم كثافته! أما في لبنان، بدأ المال يتحكم بكل فنونه خاصة الإعلام فيه فبهتت الصورة الجميلة على حساب المضمون.

غاب الصوت، وأصبح تشتيت الموهبة موضة، ونقل البشاعة هدف كل عمل فني بحجة الحرية، والأخطر دخول الدراما العربية إلى تصفية حسابات وكي الوعي، ولجم التاريخ بعد تزويره…

اليوم الدراما العربية رسائل سياسية خطيرة! بالطبع لا نعمم، التعميم خطأ، ولكن السواد الأعظم هو السائد!

– وثقافياً؟

المشكلة ذاتها، وما يعانيه الإعلام الاستسهالي الفضائحي هو حال الثقافة المسطحة. نعم الفكر الاستسهالي والشعر المكسور الذي يحتوي على ثرثرات فارغة متكررة انتشر بجنون، وها نحن اليوم نعيش من دون برامج ثقافية، ومن دون شعر حقيقي رغم كثافة الشعراء “من هبّ ودبّ” على صفحات السوشيل ميديا. حتى الفن التشكيلي غيبوه كلياً، ومعارضنا للرفاهية من دون جمهور، ونادراً ما نجد الفنان الرسام المشغول بقلق الوجود. أما النقد فأصبح ميتاً، وهو علاقات عامة، والناقد في خبر كان إلا القلة النادرة تصر أن تعيش وبصعوبة.

حينما نلجم الناقد ونقطع برزقه يموت النقد ويتشتت الإبداع مع الغبار.

– إلى ماذا نحتاج؟

نحتاج إلى تصالح الإبداع مع مفاهيم الفن والثقافة، نحتاج إلى فكر يؤمن بأن الحرية ليست مطلقة بل هي إنسان، وموروث الحرية لا يعني تقديم الغباء بحجة الحرية.

للأسف كل الحضور الفني الثقافي يتطلب إنقلاباً على العفن الحاصل المشغول بتقليد الزعيم والحاكم وأبناء السلطة بعيشته السهلة دون تعب وعرق.

نحتاج أن تبتعد السلطة بمشاريعها السياسية عن الإعلام والفن والثقافة ليحل مكانها الانتماء الوطني والإنساني. ونحتاج إلى صفعات تعيد الصحوة والمسؤولية إلى دور الفنان المثقف، الأديب، الكاتب، الإعلام والإعلامي.

نحن دخلنا غرفة العناية الفائقة لكثافة الإفلاس الداخلي، وإفلاسنا يرتعش من سكرات الموت قبل خروجه إلى عتمة نعتقد بأنها الشهرة التي وضعت في وعاء ضيق، نوره لا يصل عمقه ولا خارجه!

– بما أن لكل مواطن شاشته، هل هناك من أمل في التوصل إلى صيغة إعلامية تجمع كل الميول الفكرية، أم أن التيارات السياسية تحول دون ذلك؟

حال الفن والثقافة ينسحب على حال الإعلام. الطفرة الإعلامية في فترة ما تضخمت_ في العام 2000 وصلت إلى حدود التخمة_ وانتشرت الشاشات الخاصة بكثافة مخيفة. توجّه إليها المشاهد العربي هرباً من شاشات النظام التقليدية ليصدم بأن همّ هذه القنوات في البداية تسويق الجنس، تقديم المنوعات المبتورة، التحكم بذوق الناس، إلغاء الفكر العميق وتقديم ثقافة العبيد، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه من تسطيح متعمد يصنع الخواء ويخدر المشاهد ويعريه مع إنه يبتسم لتعريته لكثرة همومه اليومية. الطفرة هنا إعاقة!

السياسة والحزبية تراكمت في الإعلام إلى إلغاء دوره، وهو اليوم عبارة عن حشو كلامي وبصري مرهق ومخدر يهدر شباب الأجيال المستقبل.

– هل توافق على أن الطفرة ساهمت في إعاقة الإعلام؟

الطفرة الإعلامية إعاقة، أصبحت شريكة في لجم الفكر العربي، وأخذت المواطن إلى الشهوة والرغبة والموروث العنصري الطائفي. وأصبح حلم شبابنا الشهرة الفارغة على حساب الموهبة على كل الأصعدة الكل هو صحافي “على القطعة” وبعلاقات مشبوهة، الكل مقدم برامج، الكل ممثل، الكل مغني، الكل أصبح شاشة، وشاشاتنا أضحت متاريس لخلافاتنا العربية للإيجار، ورسائل ساهمت بتقديم وجبات تحشيشية، فضائح الفنانين، نقل خلافات الناس دون اكتراث للقيم الأخلاقية، تبرير الخيانة والخطأ والبشاعة…

إعلامنا يعيش سياسة انخراط الغباء بصناعة الرأي العام. ومعه انقلبت المعايير؛ الصحيح تحوّل الى الشاذ، والشاذ هو الإعلام الصحيح، والبشاعة في الفن والإعلام أصبحت مدرسة الواقعية الحديثة… وأصبحنا نعيش التشرذم مع ابتسامة فاجرة.

– من المسؤول عن هذا التشرذم الحاصل في الاعلام؟

السلطة بكل أنواعها، وممارسات الممول انتاجياً، وتحكمه بالفن والإعلام، تعهده بقطع الرزق، إلغاء هذا على حساب موهبة ذاك والتحكم بخطابه السياسي المشبوه التابع لمشاريع سياسية إملائية إلغائية.

لو نظرنا إلى الإعلام في لبنان، نكتشف كيّ الوعي الفاجر، الاتهامات العشوائية دون مهنية، والشتائم فيما بينها لا تحدث في العالم. قلة الأدب أمر عادي. هنا يتبدى مرض إشعال الحروب الداخلية، وتُحوّل الكذبة الى حقيقة وشحن المواطن ضد المواطن.

ولو تابعت ما يحدث في الإعلام المصري تصل إلى فراغات دون خيارات رغم كثافة فضائياته “كم على حساب الكيف النادر” تدرك كيف ترسم أدمغة المواطنين، وإشغاله بلقمة الحياة والدنيا على حساب حضوره.

أما الإعلام العربي الباقي فهو رمادي، متطرف، مخدر بنمطية “طال عمرك” وتزوير الحقائق…

نادراً ما ينفلت ما هو ملفت ومسؤول، وإن وُجد يصارعون للتحكم به سياسياً وتشويهه.

– من وجهة نظر إعلامية، إلام يفتقر إعلاميو اليوم؟

في الإعلام اللبناني عجائب كثيرة، لكونه أصبح بسطات للإيجار. بينما في العالم العربي هو بوق للنظام وصناعة للفتنة العربية الإسلامية، يصر أن ينخر في التاريخ المزور طائفياً من أجل مشروع التطبيع، والمسؤول الجيد فيه يلجم فوراً، ويغيب صاحبه.

البرامج اختلفت، وقليل من المنوعات المفيدة لم تعد موجودة، والغالب هو التسطيح، والإكثار من برامج الحوار السياسي والفني المعلب، وتغيير كل ما هو ثقافي.

لبنانياً برامجنا تحت الطلب الخارجي، أو قلة ادب وفضائح، وعربياً برامج معربة لسياسة النظام وتلميعه!

الإعلام اللبناني بغالبيته الغالبة فقد الريادة بكل فصوله، وهو بوق لمن يدفع، ومتاريس عنصرية طائفية، وشريك في افقار الناس اقتصادياً وفكرياً وحياتياً.

باختصار الإعلام العربي بغالبيته ثرثار حاقد يزوّر الحقائق، وجد في هذه المرحلة من أجل كيّ الوعي!

– وماذا عن مقدمي البرامج؟

“مشكلة عويصة”؛ حب الظهور والشكل والمال والشهرة على حساب الموهبة وتطوير الامكانيات، عدم احترام الضيف خلال الحوار/ النقاش، أخذ الكلام إلى حيث الرغبة الحزبية الشخصية، تعمّد إظهار تضخيم المعرفة، “فلتان” المهنية إلى تصديق مجاملات بعضهم على حساب المهنية، والاستخفاف بالعمل دون رهبته… ومِن المذيعين/المذيعات مَن ينطلق جيدا ويتحوّل فجأة إلى ثرثار مزعج.

– أمام هذا الواقع، ما المطلوب؟

الكثير، أهمه أن يوضع المسؤول الفاهم بالإعلام في مكانه المناسب، أن نبتعد عن الواسطة، ويتم الاهتمام باكتشاف المواهب. وكي لا يستمر مرض النجومية والفوقية وكثرة الفهم عند الإعلامي والمذيع، المطلوب ما يلي: التواضع، عدم تصديق كذبة الشهرة، احترام الآخرين واجب، العمل الدائم على تطوير المدارك، معرفة أن المتلقي هو الحكم خاصة أن بعض المسؤولين المراقبين الموجهين في خبر كان، والأهم أن لا تتصور أن المتلقي غبي.

– أين يخطئ الإعلامي أثناء محاورة الضيف؟

يخطئ حينما يبدأ بالثرثرة أكثر من ضيفه، وهذا مرض تعانيه إذاعات وفضائيات كل المحاورين، ووصل إلى كُتابنا لكثرة تنظيراتهم. وحينما يصر أنه أفهم من ضيفه، وغير مقتنع به. وفي حال اعتقد من هو موظف كمذيعة او كمذيع بأنه يحتاج إلى برامج خاصة بثرثراته دون الضيوف “لتضخُّم” ثقافته ومعلوماته، ولم يعد يتقبل الحوار.

من هنا، لا بدّ من احترام رأي الضيف ومعرفة متى الدخول على كلامه لا اقتحامه بوقاحة.

– هل تبشرنا بالسوداوية؟

لا أبداً. المطلوب صفعة قاسية، وهذا دوري الآن. يكفينا مجاملات وتكاذب، الخطأ يعم، والصح تحصيل حاصل.

– برأيك، هل لا يزال الإعلام سلطة رابعة؟

للأسف هو اليوم شريك في التآمر والحروب، تضليل الناس وتشويه الحقائق. ونظراً لشراء الذمم لم يعد الإعلام سلطة رابعة بل أصبح الإعلام مع السلطة الحاكمة.

أما الإعلامي فأصيب بأمراض تجعله يخسر لقب الإعلامي، ومن أمراضه نذكر انه؛ بشكل عام يعتبر نفسه الأفهم ونبي عصره، يفقه بكل الأمور لكونه أصبح مشهوراً، وهذا المرض وصل إلى الممثل والفنان المهرج، وإلى بقايا مثقف هو بوق لسياسة ومشاريع الحاكم.

إن موت الصحافة الورقية أنتج منظرين، والأنا عند الكتاب تضخمت مع عشوائية المنصات الالكترونية.

– وأعيد، وأسأل ما المطلوب للجم أمراض الإعلامي؟

المطلوب أن نجد المراقب الموجه، المسؤول الفاهم بأصول الحوار والنقاش والإعلام، لا الإتيان بموظف إداري لتصفية الحسابات… والسلام.

– في الختام، كيف تنظر إلى ما تقدّمه المواقع الإلكترونية؟ وهل ترقى كلها إلى مستوى الموضوعية؟

للأسف هي بغالبيتها وظيفة العاطلين عن الإعلام، تعمل دون مهنية، ولا تدرك أن العمل والكتابة في الصحافة الورقية والشاشة يختلفان عن العمل في الكتابة الالكترونية. ترغب بالكسب المالي السريع ولا تحترم أخلاقيات الصحافة، وأصحابها حتى البرهة لا يؤمنون بأنهم صحافة وسلطة.

والمؤسف انها تتناقل الأخبار عن بعضها، لا خصوصية فيها، تسرق أخبار بعضها، ونظراً لعدم مهنية غالبية أصحابها تجدها متشابهة وغالبيتها فقيرة إعلامياً… ومع ذلك يوجد قلة قليلة تتمتع بمصداقية، ولكنها تفتقر إلى الاسلوب في الكتابة والطرح، التحرير في الصحافة الالكترونية يختلف عن التحرير الورقي والتلفزيوني والإذاعي.

المواقع الالكترونية تحتاج إلى متخصصين قبل فوات الأوان، فهي تتراكم مع الخطأ، والخشية أن يصبح الخطأ مدرستها. كما تحتاج إلى إكتشاف ذاتها التحريرية ودورها ومهامها وأهميتها. وأيضا تحتاج إلى تنظيم، وميثاق شرف. ونحن مستعدون لذلك!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى