ماذا حققت روسيا بعمليتها العسكرية في اوكرانيا؟
كتب شارل ابي نادر في العهد الاخباري “هل نجحت روسيا في تحقيق اهدافها في اوكرانيا حتى الآن؟”
تتضارب التحليلات المعنية بالعملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، بين من يعتبر انها فشلت وبين من يعتبر انها نجحت، وبين من يقول انه من المبكر الآن الحكم عليها نجاحا ام فشلا. وحيث يمكن أن نقيّم نجاح او فشل اي عملية عسكرية استنادا إلى معيار تحقيق اهدافها، لا بد من الاضاءة على هذه النقطة لكي نكون اقرب الى التقييم الأصح لهذه العملية.
بالعودة إلى أهداف العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، كيف يمكن تقييم درجة تحقيق كل من هذه الأهداف حتى الآن، او تقييم مسار العمل لكل هدف، اذا كان يوحي (هذا المسار) انه بالاتجاه الصحيح او العكس؟
اولا: لناحية إقليم دونباس او جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وحيث الهدف الروسي كان بعد الاعتراف باستقلالهما، تحرير كامل جغرافية الإقليم التاريخية، فإن هذا الهدف على الطريق النهائي للتحقق، بعد أن سيطرت قوات جمهورية لوغانسك على حوالي ٩٠ بالمئة من اراضيها التاريخية، وبعد أن قاربت سيطرة قوات دونتيسك على نسبة مماثلة تقريبا، ولم يتبق الا قلب مدينة ماريوبل، والتي تخوض فيها كتيبة قوات ازوف المتشددة معركة حياة او موت، متخذين من المدنيين دروعا بشرية لتأخير اكتمال تلك السيطرة.
ثانيا: لناحية تحييد قدرات اوكرانيا النوعية ونزع اسلحتها التي زودها بها الغرب، لاستهداف روسيا لاحقا، فإن هذا الهدف على الطريق النهائي للتحقق ايضا، وما يعلنه المتحدث العسكري باسم وزارة الدفاع الروسية يوميا، عن اعداد وانواع الاسلحة والقدرات والتجهيزات والمنشآت العسكرية الأوكرانية التي يتم تدميرها، يؤشر الى ان تلك القدرات تتناقص يوما بعد يوم، وانها، استنادا إلى ما كانت تملكه الوحدات العسكرية الأوكرانية، سوف تختفي قريبا باغلبها.
يبقى في هذا الإطار، ولناحية ما تم تجهيزه في اوكرانيا وبرعاية واشنطن، بعض المختبرات البيولوجية، والتي كانت غطاء لأسلحة دمار شامل (أسلحة بيولوجية) تحتاج بعض الوقت لإكمال معالجتها بالطريقة الآمنة، من قبل الوحدات الروسية المتخصصة بهذه الاسلحة والمختبرات.
ثالثا: لناحية التزام اوكرانيا رسميا وتشريعيا بعدم الانخراط في الناتو، واتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لتكون دولة محايدة، بعيدة عن اية اصطفافات دولية، وغير جاهزة لان تكون دولة لمواجهة او لمعاداة روسيا، على عكس ما كان يخطط الغرب والاميركيون، انطلاقا من دعمهم الانقلاب عام ٢٠١٤ ، وخلال كامل المسار من ذلك العام وحتى ما قبل العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، فإن هذا الهدف هو المادة الاساس في المفاوضات التي تجري حاليا بين وفدي الروس والاوكران في بيلاروسيا.
هذا الهدف المزدوج: حياد أوكرانيا والتزامها بعدم الانخراط في الناتو، يشكل اليوم، احد أكثر عناصر المواجهة بين الروس والناتو، او بالتحديد بين الروس والاميركيين، وصحيح ان التفاوض يتم بين وفدي الروس والاوكران، ولكن عمليا، يتم التفاوض بين الروس والاميركيين، وبالترافق مع اشتباك ميداني عسكري استراتيجي، ينخرط به الروس من جهة، والناتو بأغلب دوله وعلى رأسها دول الاتحاد السوفياتي سابقا المنخرطة حاليا في الناتو، مثل بولندا وسلوفاكيا وهنغاريا ودول البلطيق الثلاث، استونيا وليتوانيا ولاتفيا.
هذا الاشتباك العسكري الميداني الاستراتيجي، والذي يجري على أرض اوكرانيا، هو الذي سيحدد عمليا، مستقبل اوكرانيا كدولة محايدة كما تريد روسيا، او كدولة مواجهة شرسة ضد الاخيرة كما يريد الناتو. وانطلاقا من أهميته ومن حساسيته، يمكن تحديد عناصره كالتالي:
الدخول الروسي إلى المناطق الاوكرانية، غير إقليم دونباس، وصل إلى مستوى من التقدم، قادر ان يشكل عدة نقاط ارتكاز، مناسبة للتوسع السريع داخل شرق او وسط اوكرانيا، وذلك انطلاقا من جنوب غرب كييف العاصمة او من جنوب وشمال خاركوف، أو من شمال ميكولايف وخيرسون أو من جنوب دنيبرو، بمجرد اتخاذ القرار بذلك، واستنادا لتطورات العملية التفاوضية.
لقد برهنت الوحدات الروسية، ومن خلال وصولها إلى تلك النقاط، دون الاشتباك العنيف مع الوحدات الاوكرانية، ودون أن تنفذ اي عملية اقتحام لأية مدينة اساسية، أنها تملك المبادرة والقدرة على توسيع سيطرتها متى أرادت.
بالمقابل، وحيث حاذرت حتى الآن دول الناتو الاشتباك المباشر مع الوحدات الروسية في اوكرانيا، لاسباب كثيرة، فإن هذه الدول، تنفذ مواجهة غير مباشرة مع تلك الوحدات (الروسية)، وذلك من خلال مناورة دعم الوحدات الأوكرانية بمروحة واسعة من الاسلحة الفعالة والفتاكة، والتي يزداد عددها بشكل كبير ويرتفع مستواها المتطور والفعال يوما بعد يوم. وحيث تبقى المواجهة المباشرة بين الروس والناتو فقط من خلال استهداف الوحدات الجوية والصاروخية الروسية أماكن استلام وتوزيع تلك الأسلحة، وخاصة في اغلب القواعد الجوية غرب اوكرانيا، مثل منطقة لفوف او يافوريف او ليتسك، (وجميعها في غرب اوكرانيا وعلى مقربة من حدودها مع بولندا وسلوفاكيا وهنغاريا)، فإن تحقق الهدف الأساس من هذه العملية او عدم تحققه والذي هو تحييد اوكرانيا، يبقى المعيار الرئيسي في تقييم نجاح او فشل العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا، والذي حتى الآن، ما زالت امكانية تقييمه غير واضحة.