روميو لحود: بصمة رحلت وقطعة من لبنان هَوَت
غيّب الموت المخرج والكاتب اللبناني روميو لحود عن عمر ناهز ال٩٢ عاما وقد نعاه الاعلامي والناقد الفني جهاد أيوب عبر كلمات من القلب حاكت تاريخه الفني المصقول بإنجازات محفورة في الذاكرة. فكتب:
” هو روميو لحود فنان من الطراز الرفيع في لبنان والوطن العربي نعتز به، متعدد المواهب في الفن. هو فعل يسبقه فكر جامع وشامل على كل المستويات، يتجلى في صناعة الجمال عبر مشهدية المسرح العربي وفي السينوغرافيا المسرحية الحاضر بلا منازع لجمال الكلمة وانبهار العين.
هو المثقف ابن الضيعة، وابن البيئة والعائلة السياسية التي تمرد عليها، قرر أن يقدم مغامراته في الفن، فكان الشغف والحلم الذي لا يعرف الأفول…
خلال دراسته للهندسة في فرنسا، شدّه المسرح ليخطفه هذا المربع إلى إختصاص فن الديكور، ومن ثم جال ايطاليا والعالم من أجل عشقه المسرحي… درسه، وعاد إلى لبنان شاباً يافعاً مثقلاً بالعلم ليصنع من حلمه مسرحا يحاكي حياته. رغم صراحته، في آخر حوار معه، أبدى ندما لتركه الهندسة ممزوجا بفخر واعتزاز لما قدمه في عالم الفن.
انطلق من خلال مهرجانات بعلبك ولجنة المهرجان حيث تعرف على الاسطورة صباح، وكرت مسبحة الأعمال والتميز والتألق حيث جالا العالم الغربي معاً. واستمر في العطاء مع اكتشافه الجديد اللؤلؤة سلوى القطريب، وتحقق النجاح إلى حين غفلة الوطن، وسقوط الحلم بحروب عبثية تحت لواء حب الوطن.
قدم روميو لحود عطر شبابه الإبداعي في فن لبناني مسؤول، ولكن الوطن كان قاسيا عليه وجاحدا، لم يقدم له سوى وسام، ولقاءات متلفزة، وحكايات وخبريات، أما الاهتمام والمساندة والمساعدة لديمومة مسرحه وفنه والإهتمام بشيخوخته فتلك من المحرمات في لبنان.
روميو لحود هو عطر الفن اللبناني بكل فصوله، لا يشبه غيره، ومن يقلده يقع فوراً ويسقط دون نهوض، بل نستطيع جميعاً أن نتعلم منه ومن فنه وما قدمه!
روميو لحود شخصية شمولية، تتوزع بين الكتابة والتأليف، السيناريست، الشعر ، التلحين، الإخراج، تصميم الديكور والأزياء، حركة الدبكة والرقص، منفذ الاضاءة،…
هو الواضح، المبتسم، الضاحك من قلبه، المهذب البعيد عن المجاملات والصديق.
روميو قيمة فنية لا تعرف غير العطاء، وصاحبها الصارم الحازم في الفن لا يعرف التنازل، وقد حقق بعض من أحلامه، والبقية في أدراج بيته، كُتبت احلامه المتبقية بحبر عرقه تعبه، وكانت تنتظر الشمس… لم يجلس يراقب، بل في كل لحظة يكتب، يفكر، يحاول أن يبقى مع روميو الفنان المختلف.
هو كاتم الأسرار التي يرفض البوح بها احتراماً للخبز والملح، هو تاريخ من المعرفة النظيفة كمسرحه الكلاس والمعتمد بالدرجة الأولى على الجمال، وهو الناطق بما يعرف. يعرف الكثير، لكنه لا يستفز، لا يجادل ولا يمارس عقد الاستذة على أحد.
آه يا صديقي، كيف ستشرق شمس الوطن من دون محياك، كلامك وأحلامك؟
برحيلك خسرنا واحات تؤمن بها، وقصراً يحمينا كي نتجلى منه وبه، أو غيمة تعطينا من عباءة روميو التي ننتظرها كي تمطر لتروي أرضنا الجافة، أو نحلق بالنجوم لنعد نجمات فنونك الإبداعية…
خبر غياب روميو لحود ليس خبراً عادياً، وليس عابراً…بل هو خبر الصفعة، الوقفة إلى جانب الصدمة على من تبقى في لبنان، الخسارة لكون روميو من آخر عناقيد التميز، وقد يكون آخر البصمة النبيلة والراقية في الفن اللبناني…
روميو في رحيله خسرنا قامة مهمة فكراً وفناً وعملاً ونطقاً وحضوراً…خسرنا خيمة نهرول إليها، ونحتمي تحتها لحظات الشدة، وما أكثرها في بلد أراده روميو أرزة من الجمال المختلف، وأرادوه مشرذما تفوح منه رائحة الهدم والفساد…
روميو لحود صديقي الجسر العابر إلى العقل والقلب، انت المعطاء الذي صرف كل ثرواته على الفن في لبنان، وحصد إعجاب الشعوب اللبنانية به دون الوقوف إلى جانبه، في رحيلك مرحلة من ذهب انطوت لبنانياً من الصعب تعويضها، ومن المستحيل أن تتكرر مع هذا الجنون…وفي رحيلك خسرنا الاخلاق في الفن، والتواضع في الصداقة، والعنفوان في الوطن.
في رحيل الأستاذ روميو لحود…قطعة من لبنان هوت عن عرش الابداع، ورحلت حاملة مواهب عدة، وتميز لا يشبه غير أرز الوطن…
منك نلتمس الاعتذار يا استاذ روميو، فلم نتمكن من تقديم غير الكلام لا في حياتك ولا لحظة رحيلك.