شؤون فنية

دراما رمضان 2023 أعمال الممكن…والممكن لا ضوابط أخلاقية فيه! ( 1 )

بقلم الاعلامي والناقد الادبي جهاد أيوب

 

تطرح الدراما العربية لهذا العام 2023 الكثير من الإشكاليات الاجتماعية في وجودها وفي واقع الحال ضمن بيئة تقدمها على إنها انفصامية، وتعيش واقعاً مربكاً يصل إلى واقع مخيف لكثرة ما تعرضه من صور إرهابية عن مجتمعها، وهذا يطرح اسئلة عديدة، خاصة أننا عشنا مرحلة الاغتصاب الطائفي من خلال التطرف الديني عبر “داعش” حيث زرع تشويشاً في عقول المجتمع المنتمي إلى إعلام مرتزق، يسوق الإرهاب كما لو كان دفاعاً عن النفس وعن معتقدات دينية اجتماعية مطلوبة، ويسعى إلى استغلال رسائله سياسية مفبركة، وجامحة إجتماعياً عبر الدراما التلفزيونية، أو ينغمس بالهروب إلى المخدرات والحقد والثأر، والانتقام والقتل دون تبرير، فقط لاعتقاد الجهات المنتجة أن الإكثار من الجريمة يعني إثارة وتشويق، وبذلك يزرعون في الشباب حب الانتقام والقتل على أتفه الأسباب. وفعلاً هذا ما يعانيه شبابنا ومجتمعنا، ولا عجب إن انتشرت الجريمة في كل مكان خاصة في صفوف الجامعات وما شابه.

عدد الأعمال

وصل عدد الأعمال إلى أكثر من 117 عملاً عربياً، منها 39 مصرياً، 30 خليجياً، 20 عراقياً وبعض المتابعين احصى 35 عملاً،  14 سورياً، 7 مشتركة سورية لبنانية، 3 لبنانية،  2 مشتركة عربية، 2 فلسطينية، ولم نذكر الأردني، المغربي والتونسي…

وما قدم في شهر رمضان لهذا العام من المفروض أن يصب في خانة “أن الفن صورة عن بيئته” فهل ما عرض كان كذلك؟

وهل ما طرح من قصص وشخصيات معقدة حادة ودموية وغير سوية، ولا تنتمي إلى مكان ولا إلى زمان ومن غير هوية هي بعض حقائق الواقع، أو هي فبركات استغلالية لتشويه ما تبقى من مجتمع يبحث عن ذاته؟

صحيح أن الاتفاق الإيراني السعودي خفف من برامج الحقد الطائفي، ولم يعرض بعض ما صور من أعمال تعتمد على نعرات دينية واجتماعية عنصرية، وأبعد بعض برامج التزوير الديني، ولكنه اكتفى بعرض بعض الأعمال المسيسة تاريخياً ضد مرحلة الاستعمار العثماني لبلادنا، ولو صورياً، لكنها مرحلة قدمت دون معالجة في كثير من العروض، ونذكر ” مربى العز”، و” سفر برلك”، و” الزند ذئب العاصي”، وغيرها أنتجت خليجياً، منها انتج منذ سنوات وعرض هذا العام بالتأكيد حسب المزاج السياسي، ولكنها عرضت بكثافة. ونميز عنها ” سفر برلك” عن غيره.

الحالة

اجتماعياً، قدمت بعض الأعمال على إنها معاصرة، وبعضها من دون زمان ومكان، وأخرى بيئة، ولكنها اعتمدت على قلة الأدب بحجة الجرأة، ومقحمة بالعنف المنتشر بطريقة مخيفة، أي الجرأة عند العرب أصبحت قلة أدب، والعنف الاعتيادي مفعول به خارج البيئة الدرامية خاصة في الأعمال المشتركة منها ” للموت 3 “، وأيضاً تلك التي تكذب على الحارة الشعبية مثل ” جعفر العمدة”، ” سوق الكانتو”، ” زقاق الجن”، ” الاجهر”، و” وأخيراً”…

حتى الأعمال الخليجية أخذت العنف والحقد، وهجرة بيئتها عنواناً لها مثل ” مجاريح”، و ” دفعة لندن” وهذا فيه من تزوير للتاريخ لا يصدق، و” النكران”.

ما قدم فيه كم من الحقد والبغض والبيئة المريضة، والاغتصاب، والعصابات، ومافيات المخدرات لا تصدق في العرب خاصة في المصري والمشترك السوري اللبناني. هي أعمال فبركات بعد مشاهدات للأفلام الأميركية، ولكنها على الطريقة العربية، لذلك لم تعالج قضية إنسانية، بل مرضية لإنسان متوحش يعيش في غابة.

صحيح أن الدراما تصنع جدلية توضيحية مع متعة، وهذا مطلوب بشرط أن لا تكون سياسية اجتماعية تعتمد على التزوير، وفبركات مفروضة مع إنها غير متاحة وغير موجودة، وإن وجدت قد تكون فردية وليست عامة، لذلك نستطيع القول أن الدراما العربية بشكل عام تصر أن تكون من دون هوية، لا ضوابط أخلاقية فيها، وتنقل الجريمة والعنف والقتل السهل على إنه الواقع، وتصر أن لا تعالج القضايا الاجتماعية الحاصلة، وتهرب من الشباب والأسرة وأهل الاختصاص ومشاكل المتعلم الذي يعيش البطالة إلى عالم العصابات والتجارة بالممنوع وتسويق الجنس.

لا تزال MBC وقنواتها هي الأفضل عربياً في تقديم الأعمال الكبيرة، وتستقطب أسماء نجوم الصف الأولى، ومشروع المنتج المنفذ لها جعلها الأولى، والأهم نجاحها كل عام في البرمجة التي تنطلق من مخاطبة المشاهد الخليجي، ومن ثم مواطن الاغتراب، لا بل تقتحم البث المحلي، وتأخذ المشاهد بسبب تنوع برامجها.

كما لا بد أن نشير إلى حالة قد تشكل معضلة في الدراما التلفزيونية، فالشباب لم يعد يكترث للمشاهدات التلفزيونية، ويكتفي بمشاهدة المنصات، وبذلك يتحكم بوقت المتابعة، وهذا يصيب التلفزيونات بالضرر الكبير، والمستقبل للمنصات.

إشكاليات ︎فنية

هذه الدورة زرعت الكثير من الإشكاليات الفنية والفكرية، وكانت سهلة الالتقاط، وفنياً نذكر:

– لا خلاف أن الغالبية إعتمدت جماليات الصورة، والباقي يعيش في زمن سابق، لكنها تغيب الوقت فيها، ولا تعرف النهار من الليل، وتحاول “التحركش ” بالواقع من زاوية استغلاله سطحياً دون معالجة إلا أنها جميلة.

– لم يعد مهماً أن نتعامل مع الدراما من خلال متابعة المسلسل ككل، بل الآن، ونظراً لكتابة الحلقة بحلقة ارتجالياً نتعامل مع كل حلقة منفصلة في حبكة – فكرة واحدة تتشعب من دون قراءة درامية، وتُزرع فيها الأحداث بطريقة اعتباطية.

– أحداث مفاجئة، ولا قيمة لها إن حدثت أو لم تحدث، ولا تستمر كبعداً درامياً بقدر زرعها بالحلقة من أجل تمرير الوقت…

وإن كان النص جيداً كما حال ” النار بالنار” و “العربجي” تغيب الأحداث الضرورية في الحلقة الواحدة، وإن وجدت كما حال غالبية الأعمال تكون مقحمة لا لزوم لها.

– صناعة مشاهد الممكن، وتنفيذ الممكن، ومعالجة المسلسل بحلقة بما أمكن…ونحصل على دراما الممكن، ودراما الممكن استهلاكية لا ضوابط اخلاقية وحتى فنية فيها.

– اقصد غالبية الأعمال لا وجود للنص المكتمل والنهائي لها، وكتبت قبل الذهاب إلى موقع التصوير بلحظات، إنها تعاني من عدم إكتمال النص، والممثل لا يعرف ماذا يدور في العمل لعدم اكتمال النص، وقد يتفاجأ مثلنا حينما يشاهد العمل تلفزيونياً، وهنا يتوه بالشخصية لكونه ضاع في الاختيار، خاصة كما ذكرت أن الحوارات تكتب بلحظتها، وكثيراً حسب طلبات المنتج أو نجم العمل، ومن الطبيعي أن نحصل على نص وسيناريو ركيك جداً، وفيه عباطة درامية إذ تجد المجرم بعد دقائق شخصية رومانسية، وكل الود والطيب فيه، وهذا لا يخدم الدراما ولا يجوز فنياً، فنحن في عالم تمثيلي ليس أكثر، وإخراج ضعيف يعتمد على تركيب مشاهد.

– موقع التصوير يعاني الوحدة الانفصامية، إضافة الى ان زوايا التصوير عشوائية بكاميرات محدودة لتوفير الانتاج.

– غياب التطرق إلى مرحلة حساسة في تاريخنا حصلت ولا تزال، ونحن لا نزال نعاني منها، وهي وجود ” داعش ” والتطرف، ربما لأسباب إنتاجية تسويقية، أو حتى تكتب بتشويه ودجل وتغييب الحقيقة من قبل النظام العربي، فقط العمل العراقي ” ليلة السقوط” الوحيد واجه، وعمل عكس السائد، وتطرق إلى ذلك، رغم تحفظنا على طريقة السرد التاريخي والقصة والإخراج.

– فشل فكرة الورش في كتابة السيناريو، وكان التأليف والإخراج شركاء مع الورشة أو مع المؤلف، وأيضاً بعض الأعمال شراكة في الإخراج، ونذكر ” النار بالنار”، ” كامل العدد”، ” جعفر العمدة”، ” تحت الوصاية”، ” خريف عمر”، ” مقابلة مع السيد أدم 2 ،  ” عين السمس”، “مال القبان”، “وأخيراً”، ” الاجهر” و” العربجي”…

– من أجل الإبتعاد عن تصوير 30 حلقة بحجة إختزال الأحداث والوقت خوفاً من الوقوع بالملل والتطويل الفارغ درامياً، وتخفيفاً على عبء الإنتاج، الغالبية ذهب وسيذهب إلى تصوير 15 حلقة، وسيتبع في السنوات المقبلة، وهذا العام : ” موعد على الغداء “، ” وأخيراً “، ” تغيير جو “، “كامل العدد ” و” الهرشة السابعة”…

– خطف الأطفال، والخروج من السجن براءة بعد السجن أكثر من 30 سنة هو القاسم المشترك، مثل ” مربى العز “، “زقاق الجن”، ” مجاريح”، و” قرة عينك”…

– الهروب من معالجة قضايا الواقع إلى تصوير الحي الشعبي، والعشوائيات دون معالجة، بل الاكتفاء بالتصوير ، وبعصابات القتل والمخدرات، هي سمة غالبية الأعمال خاصة المصري واللبناني السوري المشترك.

– عودة إلى الحارة الشعبية وزكزكة الماضي هروباً من طرح قضايا الواقع خوفاً منه، وعدم إزعاج الشاري الذي سيعرض العمل.

– الخوف من الآخر، عدم الانفتاح على الآخر، حل أي مشكل بالقتل، غياب العائلة، عدم معرفة البطل أو البطلة وفريق المسلسل ماذا يعملون، وما هي الوظيفة، واستسهال الزمان والوقت … إنها قواسم مشتركة عربياً.

– مشاهد حشو العمل لا لزوم لها في غالبية المسلسلات، لذلك نهمس في أذن وفكر المخرج والمنتج فكرة وجب تعلمها والاستفادة منها، وهي أن المشهد لا يصبح مشهداً جيداً ومقنعاً في حالة الإعادة، بل قراءة متأنية وعميقة للشخصية ولطبيعة المشهد وأبعاده من قبل المخرج هو المطلوب .. ونقطة على سطر تنفيذ الدراما.

– الكلام النابي، والاسفاف اللفظي، وقلة الأدب عملة مشتركة بين الجميع بحجة نقل الواقع…

– لا تزال إدارة المنتج التابع لمشروع سياسي تتحكم بالأعمال التاريخية والدينية، وأيضاً رؤية المخرج المدعي في الفهم حتى لو كانت عشوائية موضة لم تتغير عند العرب، وحدث ذلك في “سر الباتع” مما سبب المستوى الفني المتواضع، والوقوع بأخطاء وفبركات تاريخية في السرد وفي طبيعة حياة تلك الحقبة شكلاً (ملابس ومنازل) وكلاماً (اللغة اللهجة التي نطقت)، إضافة إلى سوء اختيار الممثلين…هذه مسطرة من علة عربية تتكرر دائماً في الأعمال التاريخية.

المشترك

توسعت مساحة الأعمال المشتركة لتصل إلى الخليج والعراق ومصر، ومنها ” ليلة السقوط”، ” شامبليون”، ” بلاغ نهائي”، ” النكران “، ” دفعة لندن”، ” منزل ١٢”، ” حياتي المثالية”، “للموت3″، و” سكة سفر2″…

وللحق تفوقت شركة صباح إخوان اللبنانية للإنتاج الدرامي على الجميع في تقديم هذه النوعية، ومنها: “الاجهر”، ” مال الدنيا”، “سلمان أبو البنات5″، “النار بالنار”، “تغيير جو”، ” المداح”، “وأخيراً” و” الزند ذئب العاصي”… هي الشركة العربية الوحيدة التي غامرت، وأقدمت على إنتاج أكثر من ثمانية أعمال، وبذلك تكون قد تفوقت على إنتاج بعض مؤسسات تابعة للدولة، إنتاجها لهذا العام تفاوت في النجاح وكان منافساً.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى