الحريرية بين الاعتكاف المثمر والمقاطعة المرتبكة
كتب المحامي الدكتور وليد حدرج عن الحريرية السياسية ما يلي:
شهدت الساحة السياسية البيروتية عامة والسنية خصوصاً حالات مد وجزر طوال العقود الثلاثة الماضية تجلت ببروز ما بات يعرف بالحريرية السياسية اوائل التسعينيات.
لعب الرئيس الشهيد رفيق الحريري ادواراً سياسية هامة ومركزية على المستويات كافة وذلك منذ ابرازه كقطب سني ورث الزعامات المنكفئة او المتلاشية على امتداد الشارع السني اللبناني.
كان الحريري الاب مؤسساً وفاعلاً في حلبة سياسية تصارع فيها كبار المؤسسين لمرحلة ما بعد الطائف، فكان الداعم والمنشئ والمتحكم بكثير من الصور السياسية وغير السياسية حتى العام 2005.
لم يترك وسيلة سياسية إلا ولعب بأوراقها طوال عهود ما بعد الطائف المتفِق معها او حتى المتخاصم واياها ، وقد كان من اوراقه في مرحلة من المراحل ما عُرف بالاعتكاف، حيث مارسه كوسيلة للضغط والتعبير عن الامتعاض من موقف او توزيع او رؤية سياسية او اقتصادية لا تتناسب وآرائه او مشروعاته.
خرج الحريري الاب في كل مرة من استراحة “اعتكافه” أقوى من ذي قبل او بالحد الادنى دون خسائر استراتيجية، متكئاً على ما يملك من رصيد دولي داعم ومحلي مؤيد واقليمي مؤثر الى ان جاءت فاجعة اغتياله التي زلزلت كل قواعد اللعبة اللبنانية.
ورث الرئيس سعد الحريري والده سياسياً بقرار اقليمي وتوافق عائلي وخاض غمار اللعبة متسلحاً بصورة الوالد ومشروعه ومكتسباً لخبرات كان يجهلها بالكامل صبيحة الرابع عشر من شباط 2005.
لعب على تماس منطقة اعتكاف والده مرات عدة من خلال استقالات منها المريب ومنها غير المحسوب ومنها المدروس، الى ان جاءت مرحلة العام 2022 وبات خروجه من المشهد السياسي مقصوداً لذاته بحسب ما بات ظاهراً ، فقرر الانسحاب من المشهد “الانتخابي” ترشحاً واقتراعاً كما قال.
ان خروج الرئيس سعد الحريري من مشهد برلمان 2022 ومحاولات وراثته من الأقربين والأبعدين تطرح اليوم جملة تساؤلات ليس آخرها عن الجدوى من هذا القرار ومدى ولادته من رحم الحريرية المؤَسَّسة اواخر القرن الماضي.
لا ندعي معرفة بخبايا الامور ولا ضرباً برمال الشارع السني، ولكن هل يلبي قرار الرئيس الحريري اليوم طموحات الحريريين (إن صح التعبير) قبل غيرهم؟ وهل قرأ الحريريون جيداً في كتاب اعتكافات الرئيس الشهيد وجدواها قبل السير بركب الهجرة من المشهد الانتخابي؟
اسئلة متروكة للايام المتبقية من العام الحالي، ومشهدية موزاييكية تنتظر الساحة الباحثة دوماً عن مُنقذ، فهل تجري الانتخابات بهذا التشابك؟