متفرقات

سجل أيها التاريخ! 

خطيئة العرب بحق سورية لا تسقط بالتقادم ولا بعودتهم إليها

بقلم وزير الخارجية الاسبق د. عدنان منصور

عندما اتخذت الجامعة العربية بدولها _باستثناء لبنان_ قرارها رقم 7438 تاريخ 12 تشرين الثاني نوفمبر 2012 بتعليق مشاركة وفود سورية في اجتماعات الجامعة، والمنظمات والأجهزة التابعة لها، حذرنا على الفور بمداخلة عن تداعيات هذا القرار الخطير، وتساءلنا داخل قاعة المؤتمر امام وفود الدول العربية وعرابي قرارها: ” ما الذي نريده هنا من سورية؟ وهل نريد فعلا مساعدتها على الخروج من ازمتها، والمحافظة على وحدتها، وسيادتها، وأمنها، واستقرارها، وأمن واستقرار وسيادة المنطقة؟ ام أننا نريد جرها الى ما يريده الٱخرون، وإلى من يريد ان يجعل نفسه حصان طروادة، ليمهد الطريق امام التدخل الاجنبي الذي يروج له منذ بداية الاحداث في سورية لتدويل الأزمة، وهو التدويل الذي رفضناه بكل قوة في اجتماعاتنا السابقة”؟ …”إننا مسؤولون امام الله وامام شعوبنا، فحذار حذار السماح بتأجيج النار التي لن توفر أحدا، والتي ستلتهم الجميع، وحذار ترك سورية من دون الوقوف بحزم حيال ما يحضر لها في الداخل والخارج، من مؤامرات مكشوفة وتحريضات مغرضة، وحملات اعلامية شرسة هدامة”….” لا تدعوا سورية تضيع امام أعيننا ويتلاشى دورها، ومكانتها، وبريقها، ووحدتها كما تلاشت أمام أعين جامعتنا العربية أكثر من قضية جوهرية منذ تأسيسها وحتى اليوم…”

” منذ الاجتماع الاول كنا نشتم رائحة تعليق مشاركة سورية في اجتماعات الجامعة، وكنا نغالط أنفسنا المرة تلو المرة، لكن ما يطرح اليوم لهو الدليل القاطع على حقيقة وصحة ما كنا نتوقعه… إن ما نريده اليوم هو أن نعي حقيقة وحجم ما يجري في سوريا وما يترتب علينا، وأن يكون قرارنا انقاذ سورية وشعبها من المجهول الذي لن يخدم سوى قوى التسلط وعدو الأمة الاول. وبناء على ما تقدم فإننا نعترض ونرفض تعليق عضوية سورية، لأن ذلك لن يخرجها من أزمتها، وإنما سيعقد الامور أكثر فأكثر، ولن يؤدي الى الحل الذي نتطلع اليه جميعا، ألا وهو الأمن والاستقرار وعودة الحياة الى طبيعتها ووحدة وسلامة سورية… ”

بعد سنة ونصف من قرار العرب الخطيئة، وعجز دولهم وفشلهم في تحقيق السلام والحل السياسي، وانغماسهم المباشر في الحرب القذرة على سورية، وإغراقها في الدماء والدمار، كان لا بد من اطلاق الصيحة اثناء دورتها العادية وتسليم لبنان رئاسة المجلس الوزاري العربي لمصر يوم 6 آذار 2013، قائلا:”إن الازمة السورية تقلقنا جميعا، حيث نقف أمامها عاجزين عن تحقيق الحل السياسي… إذ نثبت للعالم اننا فشلنا في ذلك. وكل ما نجحنا فيه، هو تعليق مشاركة سورية في اجتماعات الجامعة العربية… فلنعد سورية الى حضن جامعتها، ولنرفع تعليق مشاركتها. فالتواصل معها لانقاذها واحتضانها من جديد ضرورة من اجل الحل السياسي. فلهيب الحرب الذي يطال سورية اليوم، وكذلك الحركات التكفيرية التي تضرب في كل مكان، إن لم نخمدها ونضع حدا لها، سيمتد لهيبها غدا الى ديارنا جميعا.”

اليوم وقد مضى اثنا عشرة عاما على غياب سورية عن الجامعة، لا يصح الا الصحيح. ما أراده البعض لسورية من خلال تقديم مختلف وسائل الدعم المادي والعسكري، المالي، اللوجستي، والبشري، بغية الاطاحة بالنظام واسقاطه، تحطم على ابواب دمشق، نتيجة الصمود الأسطوري للقيادة السياسية والجيش والشعب السوري الذين واجهوا ببسالة قل نظيرها في العالم كله، أبشع حرب مدمرة حركتها قوى إقليمية، ما كانت الا في خدمة قوى الهيمنة الدولية، ليأتي بعد ذلك من يقر بجريمته ليقول: “طلب منا ذلك”!

لا تكفي اليوم عودة العرب الى سورية، والتاريخ لن يمحو حقبة سوداء، وخطيئة كبرى ارتكبها بعض العرب متعمدين او مكرهين بحق دولة عربية، ما كانت الا قلب الأمة ونبضها وبوصلتها، وحاملة قضايها القومية، والمدافعة عن حقوق شعوبها.

بعد هذه الحرب القذرة وتداعياتها الكارثية على سورية، يتساءل كل مواطن عربي حر بمرارة ما بعدها مرارة، من يعيد الشهداء الى ذويهم، والذين سقطوا على يد فصائل الارهاب المدعومة من قبل الذين ادعوا انه “طلب منهم ذلك”؟! من يعيد ملايين النازحين الذين دمرت بيوتهم الى بلادهم؟! من يعيد بناء عشرات الٱلاف من المصانع، والمدارس، والمؤسسات والبنى التحتية المدمرة؟!

من يعيد عشرات الاماكن الآثرية التي تشكل ثروة إنسانية نادرة، تحكي تاريخ وحضارة سوريةالى وضعها السابق بعد ان هدمتها عمدا أيادي الارهابيين؟! من الذي سيوفر الحياة الكريمة لغشرات الٱلاف من ابناء شعبها الذين شوهتهم ٱلة الحرب؟! من الذي سيعيد بناء سورية من جديد، ويوفر لها الاموال اللازمة للانطلاق مجددا في تنميتها المستدامة، التي كانت تسير بها بخطى متقدمة قبل ان تلتهمها نيران الحرب التي اشعلتها وانفقت عليها الخزائن المالية للمقامرين والمغامرين بسورية وشعبها دون حدود؟! ومن ومن ومن؟! فيما المطالب كثيرة والاستحقاقات والضغوط كبيرة !

لا يكفي مطلقا عودة العرب الى سورية. ما يهم في الوقت الحاضر، هو مراجعة ما حققوه من “إنجازات عظيمة” وما فعلوه ظلما وعدوانا بحقها وحق شعبها وأمتها.

ان مسؤولية إعادة بناء سورية تقع على عاتق كل الذين اشعلوا الحرب، حرضوا ومولوا، دعموا، خططوا، سلحوا واحتضنوا القوى المسلحة المتطرفة والارهابية للنيل منها. فالذين انفقوا_ وباعترافهم العلني_ مئات المليارات من الدولارات على اشعال الحرب وتأجيجوها، و”تهاوشوا على الطريدة” عليهم أن يدفعوا اليوم لسورية تعويضا كاملا عما إرتكبوه بحقها.

يوم طالبنا الجامعة العربية في اجتماع دورتها العادية يوم 6 آذار عام 2013، باعادة سورية الى حضن جامعتها، خرجت على الفور، وكالعادة في لبنان، الدبابير والثعابين، من اوكارها، مأجورين، ومنافقين، ووصوليين، وعملاء، ومرتزقة، من الذين اعتبروا طلبنا جريمة وخيانة، وهم الذين ما كانوا يوما الا المتسكعين والمنبطحين على ابواب دمشق، يمطرونها ويمطروا رئيسها بالمديح والكلام المنافق، مستجدين موقعا ومنصبا، بركة ونعمة ورعاية، حتى اذا ما جرحت سورية وقت الشدة، انقضوا عليها كالذئٱب المسعورة بحقدهم الدفين، وبصيرتهم العمياء وسهامهم المسمومة.

لقد ساءهم مطالبتي حينذاك بإعادة سوريا الى الجامعة، فصبوا جام غضبهم وحقدهم عليه، منهم عمي البصيرة حين وصفوني “بوزير خارجية سورية” و”ايران”، و”بالوديعة السورية”، ومنهم من طالب باقالتي ومنهم من وصفني “بالناطق الرسمي باسم النظام السوري بتفويض وتكليف من إيران وحزب الله”. وغاب عنهم أن عروبتي استمدها من أمتي ولا استمدها من موقع “فيلكا”.

بعد كل التحولات والمتغيرات في المنطقة، ما الذي سيقوله المنافقون، المنبطحون، المرتزقون في لبنان، وقد عاد العرب اليوم الى سورية، وبقيت الشٱم وبقي الاسد في عرينه؟! وما الذي سيتقيأ به بعد ذلك تجار وفجار السياسة ومقاولوها في لبنان،ومعهم الخدم المتسكعون على ابواب السفارات، من انتهازيين، ومرتزقة، ومأجورين وعملاء؟!

عودوا الى سجل تصريحاتهم حيال سورية وقيادتها قبل وبعد 2005، وعودوا الى وثائق ويكليكس وسيعلم القاصي والداني اي مستوى من انحطاط الاخلاق وعدم الوفاء، والتكاذب والتذبذب في المواقف الذي يتحلى به هؤلاء المنافقون!

سورية التي قاومت، صمدت وانتصرت، قدرها أن تبقى وستبقى. هذا هو تاريخها الحافل بالنضال، وما الاعداء، الحاقدون، والعملاء، الذين ارادوا منها مقتلا، ما كانوا إلا الغبار الذي يتبدد دائما على سفوح قاسيون.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى