شؤون فنية

دراما رمضان 2023: الخليجية مبالغات في أفكار هجينة لا تشبهها! ( 3 )

بقلم الاعلامي والناقد الفني جهاد أيوب

لا تزال الدراما الخليجية تلعب خارج سربها، وتهرب من التقاط الواقع الذي تعيش فيه إلى أفكار هجينة لا تشبهها، وتبالغ بأي قصة وحكاية وشخصيات تجسد فيها، وهي تعيش اليوم ما وصلت إليه الدراما المصرية في اختيار مواضيع ليست منها، لذلك يعتبر هذا العام الأسوأ في نتاج الدراما الخليجية، لا بل أعمال هذا الموسم أدخلت الدراما الخليجية إلى غرفة الإنعاش.

هي فاقدة الذاكرة حتى الآن إلا القليل القليل، لا تستطيع معالجة قضاياها التاريخية خوفاً من الوقوع بإشكاليات حقيقة التاريخ أو غضب من هو مقصود بتاريخها.

ويسعد بعض نجومها إذا قدم عملاً تراثياً كما لو كان الفتح الكبير، علماً الأعمال التراثية الخليجية لا تعالج تلك المرحلة، وتنفذ من دون الولوج بواقع حال ذاك الزمان بفصوله، فقط الإضاءة على فصل الفقر ومغامرة البحر.

ولا تقتحم مواضيعها المعاصرة حياتها الواقعية، وإن حاولت يكون الطرح عابراً بحجة عدم وجع الرأس، وفقدان روح المغامرة.

وإن غامرت بطرح اليوم تصاب بالمبالغة، وتجعل الشخوص انفصامية من غير ملامح درامية مقنعة داخل الحدوثة، وفي السنوات الخمس الماضية دخل بعضها في مشاريع سياسية، وقد تكون الدراما الكويتية “المنتجة في الكويت” لم تقع في ذلك رغم استغلال بعض نجومها، لذلك الانتاج المسيس صنع اشكالية وعداوة، وهذا لم يصُب في صالح أحد…

مفردات

صحيح ما يعرض هو تمثيل، ولكن هنالك مفردات لا بد منها، منها المنطق في الطرح حتى لو كان خيالياً وافتراضياً، وأيضاً هنالك مفردات في اسلوب الطرح والطريقة وكيفية المعالجة…هذه أمور يتخطاها التمثيل الدرامي حتى يقتنع المتلقي  وللأسف ما عرض هذا العام لا ينتمي إلى ما ذكرته، ومنها:  ” منزل١٢ ” مؤسف هذا العمل، ومؤسف في حق الكبير سعد الفرج،  “مجاريح ” بداية موفقة تاه بالتنظير واقحام الاحداث، “كذبة إبريل” ممل لم يطرح قضية الرجل المزواج بوضوح وقدمت الاسرة مفككة وخارج العائلة والأداء يتطلب إدارة، ” دفعة لندن” فبركات هجينة، تزوير للتاريخ، عباطة في الإدارة، مخرج لم يتمكن من التحكم بالعمل، ” حياتي المثالية ” مبالغات في صورة جميلة، ” سكة سفر” و “من هو ولدنا”صرف الانتاج بغير مكانه، ” قرة عينك” اول خمس حلقات كوميديا جميلة ومن ثم تاه، ” طاش العودة” لم يكن بمستوى الحملة الإعلامية، ” عزيز الروح” نمطية مربكة، و”النكران” غير واقعي ومشاهد تتطلب الإعادة، ….، وكم المبالغات والانفصام وفلتان الشخصيات يضاف إليها الأمور الفنية وجب أن لا تكون ونحن في هذا العصر، علماً ما يصرف على بعض الاعمال انتاجياً قد يكون خيالياً نسبة للإنتاج العربي، ومع ذلك فقر الانتاج كان واضحاً.

الدراما الخليجية سابقاً قطعت اشواطاً مهمة، وفيها كم كبير من النجوم الكبار والمؤسسين وأجيال استلمت، وشباب يدرس الفن، ويعمل وينتظر دوره، فما قدم هذا العام لم يعد لائقاً، ولا يستحق هذا العناء والجهد، والحملة عبر السوشال ميديا من جمهورها كانت مباشرة وقاسية، للأسف انتقادات لاذعة وساخرة.

كنت على الصعيد الشخصي آمل الكثير في أن تصبح هذه الدراما منافسة وذات منهجية تطرح ثقافتها بقوة الحضور، وعلى ما يبدو فكرة الاستهلاك الهجين جاء صفعة للتطور الحزين.

 

حشو الأعمال

أكثر من 30 عملاً خليجياً قدم هذا العام، وكانت الغلبة للإنتاج السعودي والكويتي، وباقي الدول اكتفت بعمل أو عملين دون المستوى، ربما من أجل الإشارة “أننا هنا”، أو إرضاء ولإسكات من عندهم من ممثلين، فنجد مسلسل “قالوا الأولين” الوحيد في قطر، وكان من أضعف الأعمال وخارج بيئته!

والإمارات ” طوق الحرير” عمل يصنف من الأعمال المبالغ في مضمونها، وتحتاج إلى إعادة كتابة وإخراج، وتنفذ بطريقة مغايرة.

وهناك “إسمع وشوف” و”منا وفينا” يمثلان سلطنة عُمان، ينقصهما مواكبة العصر شكلاً ومضموناً.

ولكن، الإنتاج الخليجي سابقاً كان أكثر مما انتج هذا العام، وهذا يعني أن الواقع الاقتصادي انعكس سلبياً، وأثر على فقر الانتاج وجودة التنفيذ.

أعمال لم تتأثر بالتغيير المعاصرة، ولم تقرأ وجودها في مرحلة حرجة محلياً وعربياً وعالمياً إلا من خلال السيارات الحديثة، والمنازل الفاخرة، واستغلال بنات المنصات بعباطة وحشو حضور…وواضح لا رغبة في التغيير، بل جمود في الحضور.

حكايات مغلقة الأحداث، وأحداثها مفتعلة ومركبة في شخوص رسمت من غير ملامح تفتقر إلى الهوية، ففي لحظة الشخصية مجرمة، وابنة سوء، أو حرامية، ولحظة ملتزمة اخلاقياً ودينياً، إنها إشكالية تراجيدية، وأعتقد السبب يعود إما لسرقة أفكار من هنا وهناك واقحامها بلهجة خليجية خارج بيئتها، أو شراء الأفكار الغريبة عنها، أو بسبب الهروب من الواقع فتذهب إلى تأليف افتراضي من كُتابها المتواجدين حتى لا تقع بإشكاليات المجتمع والرقيب.

وهي تتعمد هجرة طرح الواقع والبيئة، لذلك نجدها تعمل على إقحام الخطوط الدرامية الجديدة خلال عرض العمل اقحاماً مباشراً غير مبرراً فقط من أجل حشو النص العمل، ونجد أن هذه الخطوط المقدمة المقحمة لا معالجات فيها، وإن عولجت لا يصلون معها إلى نهايات، لأن المقصود دور البطلة أو الشخصية الرئيسية فقط، وهذا الحشو لو يُمنتج، ويرمى في سلة المهملات لن يؤثر في العمل والقصة الأصلية. والخوف أن المخرج والبطلة وبعض النجوم الذكور يعتقدون أن فرض خط درامي جديد بهذه الطريقة من أجل تكثيف الأحداث… وهنا المشكلة الخطيرة في صناعة دراما عبيطة، هي دراما كأداة لحشو النص وبداية إشغال الوقت.

لا يزال أسلوب تقديم الحكاية كما لو كانوا في الستينيات على صعيد الفكرة والتنفيذ، أما العصر فهو في الملابس والسيارات فقط.

ولا تغيير في تقديم أسلوب العمل والشخوص، ولم تتمكن الدراما الخليجية من صناعة ثقافة عربية أو محلية، لكون المشرفين عليها لا يؤمنون بقصصهم الحقيقية، ومن المستحيل أن لا يوجد قصص في الحياة الخليجية. ولا يؤمنون أن المحلية الواقعية هي التي توصل إلى العالمية، وللأسف، جمود النظرة المستقبلية تعيق الحضور والانتشار، وتتلف ما صنع من تاريخ سابق فيها.

 

الإعتراف بأين ولماذا؟ 

علينا الاعتراف أن التلفزيون يوصل إلى تجربة أخرى بصرف النظر عن مضامين ونوعية البرامج المراقبة، والمشغولة بعقلية جامدة مع أن المشاهد أصبح حراً في متابعاته عبر المنصات العديدة وما هو متاح وبكثرة في التواصل الاجتماعي، ولكن مفهوم المواطن الخليجي في متابعاته لا يزال مؤمناً بمتابعة برامج التلفزيون، لأن التلفزيون ونتاجه في دول الخليج لا يزال حاضراً ومؤثراً، وهذا جعل بعض دولها تقحم القضايا السياسية، وتطرح رسائل سياسية من خلال الدراما التلفزيونية في السنوات الماضية، وربما التوافق السعودي الإيراني خفف من حضورها هذا العام.

نعم، واصل التلفزيون قبضته في التواصل الاجتماعي الخليجي خاصة في شهر رمضان، والانظار تتجه إليه، ولكن العلة في عدم معرفة لخطابه وخطورة متابعته بشغف، وربما يعرفون ويتجاهلون. ولا شك سيزداد التواصل بفضل تطور الوسائل، وتخزين ما لم يحضر الآن، وكثرة المنصات المتاحة بسهولة يجب أن تكون بيت القصيد، وهذا يتطلب رؤية معاصرة في استراتيجية إعلامية خليجية مختلفة عن الحاضر، خاصة في كيفية إنتاج الدراما والإعلام، والتعامل مع الدراما المحلية بمنظار مختلف كلياً عما هو سائد.

من هنا لا بد من اسلوب خليجي جديد ومعاصر ينسجم مع ما وصلت إليه الحياة والعلم والتكنولوجيا في صناعة الدراما التلفزيونية الخليجية، خارج الفقر الذي نشاهده في النوعية والتنفيذ والطرح، وبعيداً عن الخوف من اخطار القلق التلفزيوني.

– وما يصيب بالغرابة أن دول خليجية تُنتج الأعمال الدرامية العربية الضخمة، وانتاجها المحلي فقير جداً، وعروضهم هذا العام لا تحسب مثل دولة الإمارات ” طوق الحرير”، ودولة قطر ” قالوا الأولين “. كما لا تزال غالبية الأعمال حكراً على بطولة المرأة على عكس كل انتاجات الدول العربية، وهذا قزم الإنتاج، وغيب دور الذكر البطل، وحينما يتم إدراك هذا الخلل، ويصبح التوازي لصالح القصة ككل وليس فرداً فيها ستختلف النتيجة على صعيد الكتابة الطرح.

– أين دور المرأة الخليجية عبر الماضي والحاضر، خاصة أن البطولة فيها للمرأة وبغالبية الأعمال، وحضور الرجل النجم معها تكملة لخطوط شخصيتها، ومع ذلك لا وجود للمرأة كقيمة من واقع الحياة؟

– تُقدم المرأة الخليجية على إنها متسلطة، حاكمة، لا زوج ولا عائلة بل حب الذات فيها هو الحكم، وتغييب كلي لحقوقها ولنضالها ولدورها كأم، والإنتقام محورها.

– تُقدم الاسرة الخليجية على أنها تسعى إلى الانتقام من ذاتها وأفرادها، وكم الحقد فيما بينها لايوصف، ويستسهلون فيها تجارة المخدرات كما لو كانت منتشرة في كل أمكنة الخليج.

– حب الذات هو شعار الجميع، ولا اهتمام لمشاعر الغير، والجانب الإنساني والعائلي شبه مفقود.

– أين فكرة تنمية المجتمع والأسرة والطفل والطالب الجامعي وسوق العمل من كل هذا الانتاج الكمي؟

– أين أساليب الأمهات والأداء في تربية الأطفال مع تغيرات الحياة في الخليج؟

– أين الأسرة الخليجية المعاصرة، وكلنا يدرك سرعة النمو، وإيصال التطور التكنولوجي في البيئة الخليجية بسرعة الاستهلاك البرقي؟

– أين نظرة طلاب الجامعات من زاوية رأيهم،حياتهم ومشاعرهم في ادراك أسلوب الحياة العصري في بلادهم وفي حياة غير عادية؟

– أين التعامل مع المشاكل المنتشرة ولم تطرح في دراما فاقدة الشهية ولا تعرف لب المشكلة؟

– أين قضايا الإدمان، وكلنا يدرك أن بعض الدول الخليجية لم تعد محافظة ومتحفظة؟

– أين طرح طرق الانفتاح الاجتماعي عند الشباب خارج ضوابط المجتمع التي كانت، وما هي أساليب المواجهة، وأين يكمن الخلل الواجب طرحه حتى نؤمن بأن المستقبل أفضل؟

– لماذا لا تستفيد الدراما الخليجية من الدراسات والبحوث الجامعية حول آثار المشاكل الاجتماعية، وتقديمها برؤية درامية ذكية غير مباشرة؟

– أين مآزق الحياة اليومية في الخليج، والمعضلات الحديثة، وتنوع الأفكار في مشاغل العمر المستفيضة مع كل الأجيال؟

– أين اقتباسات الكاتب من محيطه، ولماذا الإصرار على المبالغات في أحداث غير منطقية، ومن كوكب آخر، اقتباسات غير منسوبة لهويتها؟

– أين حكايات دور العجز، وكيف تتخلى الأسرة عن الأب، ولماذا الجحود ينتشر عربياً وخليجياً بين أفراد العائلة الواحدة؟

– لماذا غالبية ما يعرض في الدراما الخليجية يشعر المتلقي بأن المجتمع مصاب بأمراض نفسية، ولا معالجات لها من قبل المختص بعلم النفس؟

– لماذا الطبقة الوسطى غائبة دائماً، والحالات التي تقدم إما فقيرة جداً أو ثرية جداً، وإما غارقة بالحب جداً وبتطرف جداً؟

– لماذا الدراما الخليجية الحالية لم تستطع أن تلامس إنتاجها السابق ولم تتمكن من ترك بصمة؟

 

الاستهلاك والطرح

تعيش الدراما الخليجية فقط في شهر رمضان، ومن أجله، وتغيب كل شهور السنة، وهذا يجعلها دراما استهلاكية، سريعة التنفيذ، وتحت الطلب كما لو كانت محنطة، وهذا هو المرض الذي أصاب الدراما المصرية، وجعلها تكملة عدد في حضورها رغم إنتاجها الكمي وحملاتها الإعلامية الإعلانية المكشوفة.

الخليجية، هي اليوم غير فاعلة وغير متفاعلة، وما قدم مؤسف، وصادم، وكيف لدول دخلها متطور تقدم انتاجاً درامياً فقيراً شكلاً ومضموناً؟

هذا العام كانت النتائج على صعيد الصورة غير مشجعة إلا عند بعض ما عرض، ألوان باهتة. الحوار إذاعي، وبالإمكان الاستماع إلى العمل دون مشاهدته. كما لا مهنية في طرح القضايا، ولا في معالجة الفكرة، ولا تنوع في دراسة الشخصية بغالبية ما قدم هذا العام، حتى الإهتمام بالشكل الصورة الذي اتبع منذ خمس سنوات كان فقيراً، لذلك لا عجب إذا قلنا وسنكرر كلامنا، بأننا نستطيع متابعة العمل الخليجي دون المشاهدة كما لو كنا نتابع الإذاعة. إنهم يتحاشون الولوج بحقيقة ما يعيشون خوفاً من التباسات الاقتباسات الواقعية.

ومن عجائب الدراما الخليجية لهذا العام، وللأعوام السابقة، وفي غالبية ما تعرضه تقديم الشاب الخليجي على أنه أهبل، ضعيف الشخصية، مفكك فكرياً، تابع لامه، أو لزوجته، وينتظر الراتب من والده، والرجل الشاب فيها مجرد أدوات لرسم دور البطلة في حبكة أحيكت لها. نعم حضور الشباب أكثر من سطحي، مبتذل، مهزوز من غير ملامح، هو مجرد حضور فارغ وعبيط.

للأسف روح الشباب والعصرنة في أعمال كوميدية مركبة داخل ديكورات ملونة، وطرح قضايا هزلية غير منطقية. عشرات الأعمال تقدم المستقبل بهذا النمط الشكل الإشكالي.

وأيضاً… من عجائبها المستمرة تفكك العائلة كلياً، وإذا وجدنا عائلة نجدها تتآمر على أفرادها، الأخ لا يحترم شقيقه، الإبنة لا تحترم اسرتها، الأطفال لا يعتبرون الكبار، والشباب لا يعيرون أي اهتمام للأب والأم… والسؤال الواجب طرحه: هل المجتمع الخليجي مفكك إلى هكذا حد، أو أن الدراما الخليجية هي إنفصام عن واقعها، وتشتري قصص غيرها؟

وهنالك حالة فيها من قلة الأدب العائلي ما يكفي للصدمة، تكمن في تصوير الأطفال يتطاولون على الأم والأب؟

يقال الفن صورة عن واقع مجتمعه مع إن المجتمع الخليجي ليس هكذا.

وغالبية صبايا المسلسلات الخليجية مكياجهن نافراً ليلاً نهاراً، وأصباغهن نافورة على وجوه لا نعرف ماذا تريد. والكثير الكثير من المشاهد تحتاج إلى إعادة تمثيل، وكنا قد استبشرنا خيراً بعدم وجود هذه العلة في السنوات الماضية… كما لا تزال الكوميديا في الدراما الخليجية مشوهة، تعتمد التهريج، ليست انتقادية بقدر ما هي حركات بهلوانية. والمشكلة الرئيسية التي تتحكم بها تكمن في بطء إيقاع المسلسلات، حتى الآن لا يملون من الشرود، الصفن، بطء الحركة… كلها مأخوذة من المسلسلات الهندية.

 

المطلوب

المطلوب واقعية من قبل المسؤولين عن الإنتاج الخليجي، تصالح مع الذات في الطرح والمعالجة والعصر، الدخول إلى المغامرة، والاستعداد إلى المشاكسة والوضوح والإنغماس أكثر… والغريب أن في الخليج مجموعة مهمة من الممثلين، وشباب لديه الموهبة، والإنتاج الخليجي أوفر عربياً مهما كان متواضعاً بسبب الظروف الراهنة اقتصادياً، وسوق العرض تملكه، ومهرجاناتها تتكاثر، ولا ندري إذا كانت جوائز مهرجاناتها محسوبيات خارج المنافسة؟! ومع ذلك لم تتمكن الدراما الخليجية من المنافسة عربياً، ونتاج هذا العام لا يبشر بالخير!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى