بقلم الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش
تعويم سعر الصرف هو جعل سعر صرف أي عملة محررا بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديد سعرها بشكل مباشر. وإنما يتم إفرازه تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية ويمكن أن تتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب.
أشكال التعويم
يتخذ التعويم شكلين:
١- التعويم المطلق: يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر.
٢- التعويم المُوجَّه: يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل عبر مصرفها المركزي أو الحكومة حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.ويمكن ان يتخذ هذا التدخل عدة أشكال :
– عرض العملات الاجنبية في السوق بسعر معين.
– تحريك سعر الفائدة.
– زيادة العجز في الموازنات.
أنصار التعويم
لطالما دافع منظرو المدرسة النقدية في الاقتصاد ومنهم ميلتون فريدمان عن تعويم العملات، زاعمين أن تحرير أسعار الصرف سيجعلها تعكس الأساسيات الاقتصادية لمختلف البلدان (النمو، الرصيد التجاري، التضخم، أسعار الفائدة)، وسيقود ذلك بالتالي إلى إعادة التوازن للعلاقات التجارية وحسابات المعاملات الجارية باستمرار وبشكل تلقائي. كما ان ترك تحديدها للأسواق من دون أي تدخل أو توجيه من الدولة، يضمن دائما الوصول إلى حالة التوازن. وإن أي عجز تجاري سيؤدي إلى طلب مكثف على العملات الأجنبية، مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي إلى تعزيز القدرة التنافسية للبلد المعني.
لكن معظم دول العالم لم تعتمد السعر العائم المطلق فوجدنا ان معظم المصارف المركزية تتدخل اليوم في السوق عبر الأدوات النقدية ومنها أسعار الفائدة والتي تقوم بتعديلها بين الحين والاخر، هذا من ناحية المصارف المركزية. ومن ناحية الدول عبر زيادة العجز أو تخفيضه في الموازنات السنوية والتي تنعكس بشكل كبير على سعر الصرف. وهذا يعني ان معظم دول العالم اليوم تتبنى السعر الموجه وفقًا لحاجة السوق والطلب على العملات الاجنبية.
أسباب تعويم العملة
١- إنخفاض معدل النمو الإقتصادي في دولة ما نتيجة لتراجع الإنتاج والتصدير بسبب الكلفة مما يحرمها من إمكانية المنافسة في الأسواق العالمية.
٢- تأثير تباين مستويات التضخم بين الدول الصناعية على أسعار الفائدة، إلى جانب تأثيرها على تغيرات أسعار صرف العملات أيضا.
٣- تأثير ارتفاع معدل الإنفاق وخاصة الإنفاق الخارجي.
٤- زيادة المنافسة وتعارض المصالح الذي جرى ويجري بين الدول الصناعية المتقدمة.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز الدول التي اتبعت نهج التعويم على مستوى العالم لكي تتمكن من الحفاظ على مستواها التنافسي ودعم توجهاتها الإقتصادية والسياسية.
نتائج التعويم
١-في حال أدى التعويم الى ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية:
إذا ما تسبب التعويم في ارتفاع سعر صرف هذه العملة مقابل باقي العملات، كان لهذا الأمر تأثيرا سلبيا على حركة الصادرات، وذلك نظرا لارتفاع أسعار السلع المحلية بالنسبة للمستوردين الأجانب. مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب على العملة الوطنية وارتفاعه على العملات الاجنبية. كما ينتج عن ذلك زيادة في حجم الاستيراد نتيجة لانخفاض أسعار السلع الاجنبية بالنسبة للمستوردين المحليين، وبالتالي يحدث عجز بالميزان التجاري، وعجزا” في ميزان المدفوعات.
عندما يتراكم هذا العجز سينعكس على سعر صرف العملة الوطنية نتيجة لانخفاض الطلب عليها وارتفاعه على العملات الأجنبية فتنخفض قيمتها ليعود الإقتصاد الوطني قادر على المنافسة الخارجية.
٢- في حال أدى التعويم الى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية:
هنا سيحصل عكس ما أوردناه في الحالة الأولى حيث سيؤدي تعويم العملة باتجاه انخفاض سعر صرفها، إلى حدوث عكس ما ذُكر من الآثار الإقتصادية المترتبة على رفع سعر العملة.
ما هي الأسباب الأساسية التي تلزم الدول على تعويم عملتها؟
هناك بعض الأسباب التي تجبر الدول على تعويم عملاتها المحلية، أهم هذه الأسباب:
1- خفض الزيادة المستمرة في الدين العام.
2- تنشيط الإقتصاد المحلي عن طريق فتح السوق للمستثمرين الأجانب.
3- إعادة التوازن للميزان التجاري وميزان المدفوعات وعجز الموازنة.
إيجابيات تعويم سعر الصرف
هناك عدة إيجابيات، ومنها:
١- إستقرار ميزان المدفوعات عبر توازن العرض والطلب وفقا” لحاجة السوق.
٢- توزان الميزان التجاري نتيجة للمنافسة بين الصناعة المحلية والمستوردات الخارجية.
٣- سعر صرف محدد من قبل السوق وفقًا لمتطلباته مما يرفع من كفاءته ودرجة ثقة المستثمر الاجنبي به.
٤- الحفاظ على الاحتياطات واستعمالها بشكل مدروس ووفق حاجة الاقتصاد.
٥- حماية الصناعة الوطنية.
٦- حماية الزراعة الوطنية.
في لبنان يضاف الى هذه الإيجابيات إيجابيات خاصة، منها:
٧- حماية الودائع عبر خفض الطلب على العملات الأجنبية وبالتالي تقنين استعمال ما تبقى من الإحتياط لدى مصرف لبنان .
٨- حماية الطبقة الفقيرة عبر فرض رسوم وضرائب بشكل منطقي وموضوعي على الكماليات التي تؤمن الواردات للموازنة والتي من المفترض ان تستفيد منها بكل خدماتها لا سيما الصحية والتعليمية الطبقات الفقيرة.
٩- دفع الودائع بالحد الأدنى وخاصة لصغار المودعين على سعر رسمي جديد قريب من سعر السوق.
١٠- ان يقوم المقترضين من المصارف بدفع مستحقات المصارف والتي هي بالنهاية أموال المودعين بسعر قريب من سعر السوق مما يخفض حجم الخسائر.
١١- انخفاض قيمة الدين العام.
طبعا سيصادفنا مشكلة أساسية في لبنان وهي مشكلة القروض السكنية، لكن معظم هذه القروض تم إقفالها خلال الفترة السابقة هربا من هذه اللحظة والتي يعلم الجميع أننا سنصل إليها يوما ما.
كما سيأتي من يقول أن رفع سعر صرف الدولار الرسمي سيؤدي إلى رفع الأسعار بشكل كبير جدا، من هنا نرى توضيح الصورة للجميع لنقول لهم أن معظم السلع الأساسية والأدوية والأدوات الطبية وحتى أجهزة الطاقة الشمسية معفية من الرسوم الجمركية بنسبة كبيرة كما هي معفية من الضريبة على القيمة المضافة، ومن هذه السلع: اللحوم الحية، البقوليات والحبوب، السكر والطحين، الخضار والفواكه، الأدوية، الاسماك وثمار البحر المجففات إضافة الى المواد الأولية.
هناك بعض الأصناف الأخرى التي تخضع لنسبة متدنية من الرسوم الجمركية ومنها المتممات الغذائية، المعلبات الغذائية وبنسبة لا تتجاوز خمسة بالمئة.
أما السلع الأخرى التي يمكن ان تعتبر ضرورية بحسب بعض التصنيفات فمنها المنظفات، الأدوات الكهربائية والسجاد حيث تخضع لرسم جمركي 20 بالمئة تقريبا ويضاف إليها الضريبة على القيمة المضافة. ما يمكن ان يرفع أسعارها بنسبة تترواح ما بين 10 الى 15 بالمئة على اعتبار أن الدولار الرسمي سيتم رفعه الى 15000 ليرة لبنانية وبالتالي ما نسبته حوالي 39 بالمئة من قيمة الزيادة المقدرة ب 31 بالمئة، مما يجعل صافي الزيادة حوالي 12.09 بالمئة. لكن البعض يذهب ويؤكد على عدم ارتفاع الأسعار نتيجة لعدة أسباب منها:
١- ان معظم التجار اليوم يحتسبون الجمارك والضريبة على القيمة المضافة كاملة وهم من يستفيد منها.
٢- انخفاض الإستهلاك سيؤدي الى انخفاض الطلب والذي بدوره سيؤدي الى خفض الأسعار وفقا لقانون العرض والطلب.
٣- بالنسبة للأدوات الكهربائية والمنظفات فإن المواد الأولية هي معفية من الرسوم الجمركية وهناك مصانع محلية تنتج نفس السلع وبالتالي. فإن هذا من مصلحة المصانع اللبنانية والتي يجب أن تستفيد من هذه الفرصة لتكبير حصتها من السوق المحلي.
يبقى ان نشير إلى ان البعض يدعي أن الكتلة النقدية ستتضخم نتيجة لرفع الرواتب والأجور للقطاع العام وهذا الكلام غير دقيق ما دام ضمن النسب المقبولة والتي تؤدي الى التوازن ما بين النفقات والواردات خاصة ان الكتلة النقدية اليوم لا تتجاوز قيمتها ما يعادل 1.2 مليار دولار علمًا أن هذه الكتلة كانت قبل الأزمة تعادل حوالي 3.3 مليار دولار وبالتالي فإننا لا زلنا بعيدين عن هذا الرقم. كما أن ادعاء سحب الودائع على السعر الجديد سيضخم الكتلة هو أمر يمكن معالجته من خلال ضبط السحوبات وإعادة هيكلة المصارف القديمة والتشجيع على فتح مصارف جديدة تضمن الودائع الجديدة مما يساهم في عودة هذه الودائع الى المصارف مجددا مع منح ضمانات وحوافز لهذه الودائع.
من هنا نؤكد على أن إيجابيات تعويم سعر الصرف هي أكثر بكثير من سلبياته وهي ضرورة للاستمرار وخاصة لإعادة إحياء القطاع العام الذي وصل إلى مرحلة الترهل والتحلل، ودون هذا الإجراء يعني الإستمرار في طبع الليرة لتمويل الموازنات. ما سيؤدي الى تضخم مفرط وارتفاع كبير في سعر صرف الدولار الاميريكي مقابل الليرة والوصول الى مرحلة تفكك الدولة بالكامل، فهل هذا المقصود؟