متفرقات

أزهار “اللوتِس” المتشنّجة

بقلم علي زعرور

على ناصية الصبر كانت فرصة تأملي تهيّء أعذاراً لأزهار اللوتس المتشنجة وأنا واقف أنتبه إلى مستقبلي الراحل نحو قرص الشمس في حمرتها المغربية، لم أكن هذا الشخص الذي يراود الندبة بضحكة، بل بغصّة تنتهكني كلما مرّ يوم من هطول عمر لم يخبرني تجاعيد حياتي.

بعض الناس كالأبواب المتآكلة تستدرج عبورك اليها ليصيبك تآكلها، هم لا يؤمنون بالإختلاف الذي يظهّر عوراتهم، تلك المصالحة مع الذات بعيدة عن قاموس حياتهم، ثمة شيء واحد يطفو على حراكهم اليومي،  النفاق الذي ينتمي إليهم وينتمون اليه وحده القاسم المشترك بينهم، حتى في الموت لا أفول لهذا النجم الذي يسطع على الألسن الحاذقة.

كل يوم محبط بالدقائق وممل بالثواني الهاربة، نعيشه بكفاح  مع نفس الأشخاص الذين لم يعد المكان يحتملهم، هم على أفواه ثغره استعدادا للفظ قد يغير مساره الآيل نحو السقوط، ثمّة من يدّعي أن الوطن اختزال والبعض يجاهر أنه احتمال، وكلاهما ابتلاء واجب الإنهاء بداعي المسؤولية.

دائما ما نرتبط مع التاريخ من غمزة ذاكرة مؤلمة أو مرتبكة على عجل من أمرها، أما أنا فقد فقدت علاقاتي مع الزمن، بعد أن مرّ بقدر يختصر المساحة الفاصلة بين الكرامة والوجود، فيه الغد على موعد إما مع موت مدفوع الأجر مسبقاً أتقاسمه مع وطن تواطأ عليّ، أو حزن يمشي إلى جواري معطوب الأحلام.

ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي اخترت له اسما آخر غير الخامس من آب، هو الحاسم دون خوف للسيادة، واختصار لذاكرة في تفاصيل يوم مسروق من حتف أدركته حين أتى مدبرا فوق تعاسة الوطن، الذي انتقل لباسه الموشح بالشهادة من كتف مدركة إلى كتف موغلة للتطرف، ذلك اليوم الذي استيقظ في داخلي ودّعنا فيه شهيداً ليسطو شقيقا على إرثٍ لا يليق به.

لزهرتي اللوتس موعد مع كفاح من نوع آخر، كفاح مسلّح بالإرادة أمام تعاسة تسللت إليهما كما تتسلل الخلايا النائمة حين تستيقظ عابثة بكل لون جميل من مواسم فصولنا الحالمة، هذا الصمت المتجعّد في مستنقع الذاكرة أصبح نقمة كل ليلة تهجم علينا من ماضٍ لم يغادرنا واقعه لتسكن في زلّة ذكرى مشوّهة.

كنت وما زلت أتساءل بكيفية التساؤل وصفنة التعجب، كيف لوطن بعقيدة خالدة أن يتحمل وزر بعض النفايات البشرية وأن لا يثور عليها إما عبر إعادة تدويرها كي تصلح لغاية سامية أو عبر فرمها في منعطف نسيان ليمضي قدما نحو مجد يستحقه.

قد ينطق شخص واحد بلغة وطن وهو المنفي بحد ذاته وقد يتخذه شخص غطاء له وهو المتعرّي أمام دناءة أفعاله، لكن المشكلة التي لم نعد نستطع مهادنتها أن الكثير ممن تواروا خلفه يطبلون له باسم الشهامة المبتذلة.

كشيء خارق للعادة كنت أبحث عن نهاية تليق بهما، أتنبأ بها وأتوقع عواقبها، أضعها في خانة الأشياء غير العادية، التي تتصفح تعاستي كتصفح جريدة صباحية فيها خبر عن وطن أسود وزلّة يد حمقاء، هناك في نفس التوقيت كنا نمشي على مهل برفقة زهرتي اللوتس لنواجه المشهدية بإنقلاب الصورة وتحدًّ لقانون الحماقة الذي قلب حياتنا رأساً على عقب.

من يناقش وطنا في ظلمه، وهذا العدل القابع تحت شهوة اللهب يحترف التلاعب بالكلمات، يصغي لما هو مرغوب في قياس التناقضات، والمتنازع عليه شيء من الفجعية   التي لن تواسيها الا التساوي، كل الإحتمالات واردة بعد أن قطعنا مشوار القفز فوق الخطوط الحمر لنعيد رمق الحياة إلى تلك الزهرتين رغم نقيق ضفادع بشرية لا تقرأ ولا تسمع إلا من مستمع واحد يدّعي العزف على أوتار الحقيقة  التي تشبهه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى