خمسة..
بقلم علي زعرور
هم خمسة على أوراق ذاكرة تقتل قداسة الأشياء، لا فتية آمنوا بربهم فزدناهم إيمانا كأصحاب كهف باتوا محجة لكل زائر حتى بعد وفاتهم، من بني عريان لا يوحي شكلهم بالأمان، يسطون على الحياة تاركين خلفهم بقايا من زمن منتفخ بأفعالهم المشبوهة.
على الأحلام يمشون لا على الأقدام، تلك النزعة المتوسطة تمر بمحاذاتك، يمكنها أن تراوح مكانها بحتمية تقطعك وكأن الحياة مجرد طريق مختصرة يسلكونها بمزيد من الترّهات وقليل من المواقف المشرّفة، نصفهم خواء والنصف الآخر عراء وسط شهوة تضيء أجسادهم عتمة على سرير رجولة محتلة بخسائر فادحة لا منطقة محررة بعزة وكرامة.
في الواقع لم تكن مصادفتهم تحت منصة الفرح آنية، وجودهم رتب له موعدا في مملكة الخوف مع لوازم مخفية خلف متراس متاح لفعل غدر لا فعل مقاومة، في مساء مخضّب بالشحن، كان الهم كيف نفكك ألغامهم المزروعة تحت قبضة يد وزعيق لسان دون التشظي من شيطنة عصيّة على التشخيص.
الأول لم يكن عاشقا كما يدعي في ضيافة الليل، بل مولعا بفتيل موقوت من شحن تفكك بعد سبع سنوات، تتكرر فيها كلمات تترفع عن اللفظ والتعبير، هذا الموهوم الأول بامرأة تطارحك الحقد كما تطارحك الجنس، ثم ترتل تحت وقع أقدامها صلوات التباكي فتنجذب اليها كل أحزاب النساء المنهطلة كذباً.
لا وطن له ولا نسب، ينتعل جسد رجل وأرجل تمشي في مناطق منزوعة الذاكرة، مجرد نزيل في كمين قلب انحنى بشغف أنثوي ساتر للعورة، هذا المتحرّك الذي لم يكن يقرأه سوى شلًة تنتمي إلى فحش الإقتناء لا سمو الإرتقاء، أذكر يوم شاهدته للمرة الأولى أيقنت أنه لون أساسي في كل تفريط بالقدر، هذا المشهد لم يفارقني بعد أن أدركت حتمية نزعاته المنجوسة.
الثاني حرف ناقص، كساعي بريد الحاجة، فارغ كمحتوى غرفة لا تصلح ليراها أحدٌ سواه، بدأ حياته الزوجية تحت شجرة صفصفاف حين التقى الطرفان ذات ليل برغبة قاتلة تسربت اليه عبر وقاحة أنثى أرادت أن ترسم له حياة مزورة هروبا من حياتها التي أصبحت غير شرعية بعدما فاحت رائحة الغرف وتغلغلت في انوف من أصبحت شهواته عابر سرير.
تحت جذعها المانع لحمل الأسرار ، كان اشتباك العينين في لقاء صافحته أوراقها الصفراء المتساقطة، وتصفحته عينان هزمت الليل سوادا وعدّت العدة إلى ثنائية ذكورية وأنثوية بغيضة.
أما الثالث الملفوظ على شاطىء التهميش، فقد أمتهن فن الإتجار بكل شيء حيث المواقف سلعة للكسب، فالسلاح والجسد واحد في دهاليزه الغائبة عن العيان، تلك الرميّة وضعته على فوهة من حثالة تغمّس بها فانتقى ما يشبه تلك البيئة التى أخرجت منه كل مثاقيل الخسّة والدناءة، كان بخفي نوايا وجهه البارد بمساحيق غادرة تفصح عنه ما يكتمه لأجل قريب وبعيد، ثمّة رابط بينه وبين الأول، مجرد طريق لتمرير الأفكار الخطرة تحت مسمّيات بريئة.
كثيرة أفعاله السوداء وجيوبه السرية مملؤة دائما بأضاليل محترف بامتياز، يرافق شهوة القدر عبر رصاصات قصدية يظهرها كشاهد إثبات لاستكمال مسرحيه الهزلية، هذا الشيء الفاقد للقيمة بداية ذعر سيبلغها كما بلغها في جولة سابقة أودت به خلف قضبان حديدية، لولا تدخل طارئ ممن يحتكمون للمواربة لكان هاجس الزمن يسكن تبديد حياته.
الرابع كشتاء عاقر لا ينجب حتى بضع زخات من مطر غير صالح للإستسقاء، يلاحق ظله كسمكة جبانة تهوى المماحكة، يتسلق الإيمان شوقا للمنفعة، ويفرغ خوابيه إما صمتاً أو كذباً حين يكون مرتهناً لبوح يعاكس شهية أقرانه، علاقته لا بخيط وصال بل بكتلة عقد عائلية انتمى اليها تحت خيارات منزلقة في لحظات هاربة نحو المستقبل.
يتسكع اللهفة ظناً منه أن أنثى بحجم القلب تستطيع أن تعطيه فقد سنوات من المراهقة الممهدة للنضوج، هذا النور الذي ظنه أنه انعكاس لقمر في دورته المكتملة ما هو إلا اقتحام لعقل تحت مسميات الإعجاب دون أن يعلم عجاف الرهان الخاسر.
وتستحضرك تلك الملامح المخفية، هذا الخامس الذي ما زال قيد المتابعة، هو كالكآبة بتشوّهاتها لا كالجمال بأناقته، صوته العتيق فتح باب الإعتذار من بابه العريض، إلا أن لفحة الحزن ليست كلفحة شمس تهبك سمرة جاذبة، هي تخذلك كدعوة إلى وليمة بلا حضور، تتراقص فيها المقاعد بلا أثر للجالس على المجلوس.
في مكان من وقت مستقطع كان جاهزاً للإرتشاف، أو ربما للمضغ كلبان بلا نكهة أو حلاوة سكر، جرائم الكراهية التي كان شريكا فيها ليس كالجرائم العشقية بلا إدانة أو اقتصاص، قبره المفتوح بلا أرقام شاهد حق دائم على خذلانه.
كلهم مواسم للذكرى الفارغة والحماقات التي لها علاقة بالألم، أيامهم السوداء متشابهة لا علاقة لها بالندم، مهما استجدوا براءة أفعالهم فإنهم يعيشون نفس الليل وظلامه.