متفرقات

الهبات غير المشروطة.. لا نور لما لا شرط لها

بقلم الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش

عرضت ايران على لبنان هبة عبارة عن كمية من الفيول الصالح لانتاج الكهرباء في لبنان ولمدة سنة، وقد استقبل وزير الطاقة والمياه وليد فياض سفير الجمهورية الإسلامية الايرانية الدكتور مُجتبى أماني في وزارة الطاقة والمياه بحضور مسؤولين من السفارة الايرانية وجرى البحث في تفاصيل هذه الهبة.

ووفق بيان صدر عن الوزارة، أشار الوزير فياض بعد اللقاء أن هذه الهبة مُرحّب بها كما كل الهبات من الدول الشقيقة والصديقة وقد أتت نتيجة مبادرة سماحة السيد حسن نصر الله وبعد اقتراح من الوزير جبران باسيل خلال لقاء إعلامي. عندها تلقفّت الحكومة بشخص دولة الرئيس ميقاتي هذه المبادرة فالْتقى دولة الرئيس نبيه بري وتواصلا معاً هاتفياً مع نائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية مما أعطى لهذه المبادرة ترحيبا جامعا على المستوى السياسي والوطني.

هذا وتكتسب هذه المبادرة أهمية استراتيجية لأنها سَتوفر نقطة إنطلاق لتنفيذ خطة الكهرباء التي وضعتها الوزارة وحصلت على موافقة مجلس الوزراء وتلتها خطة الطوارئ، وهي تنطوي على زيادة ساعات التغذية تمهيداً لرفع التعرفة وتأمين التوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان لكي تغطي احتياجاتها مستقبلاً بنفسها. وفي الوقت نفسه تؤمن للمواطنين كهرباء أوفر من المولدات الخاصة ما يضع قطاع الطاقة على سكة التعافي والنهوض وبشكل مستدام.

ولاحقًا برزت تطورات جديدة في ملف هبة الفيول الإيراني، إذ كشف وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض أن رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي كلّفه تشكيل وفد تقنيّ للذهاب إلى طهران للمناقشة في ملف هذه الهبة.

في نفس الموضوع، ذكرت بعض المصادر ان الوفد اللبناني الذي سيزور طهران سيبحث مواصفات الفيول وفي حال كان مطابقاً للمواصفات اللبنانية سيتم نقله الى لبنان، لكون الهبة مستثناة من العقوبات الأميركية على الصادرات النفطية الإيرانية. وهنا تؤكد المصادر اشتراط ميقاتي الحصول على ضمانات بألا ترتّب الهبة أي تكاليف على لبنان، بما فيها تكاليف عمليات المبادلة بين النفط الإيراني والفيول المطابق للمواصفات اللبنانية، وأن يسعى الوفد إلى الحصول على هبة كبيرة تتيح إنتاج خمس ساعات من التغذية يومياً، ولفترة زمنية طويلة.

لكن للبنان تجارب فاشلة مع الهبات والمساعدات والتي ذهبت أدراج الرياح والفاسدين ومعها المساعدات التي أتت تحت عنوان مساعدة المتضررين من انفجار مرفأ بيروت، إذ يؤكد الداعمون الدوليون الأساسيون أنهم أرسلوا غالبية المبالغ التي وعدوا بها لدعم الشعب اللبناني، إلا أن منظمات غير حكومية تشكو من أنه لم يصلها سوى القليل. فما هو حال المساعدات الموعودة في بلد يشهد إنهياراً اقتصادياً وتفرض فيه المصارف قيوداً مشددة على السحوبات المالية وخصوصاً بالعملات الأجنبية؟

في التاسع من آب/أغسطس 2020، أي بعد خمسة أيام على الانفجار المروع، تعهد المجتمع الدولي خلال مؤتمر بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتقديم 298 مليون دولار، كدعم إنساني للبنان على أن تقدم برعاية الأمم المتحدة، وبشكل مباشر للشعب اللبناني. وقد زار ماكرون لبنان مرتين اثر الانفجار، الذي تسبب بمقتل أكثر من مائتي شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح وتدمير أجزاء واسعة من العاصمة.

وإثر مؤتمر آخر في الثاني من كانون الأول/ديسمبر وبدعم من ماكرون أيضاً، أطلق الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة خطة عمل للإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار لمدة 18 شهرا. وقدرت قيمة الاحتياجات للتعافي في السنة الأولى بـ426 مليون دولار للسنة الأولى.

وفي بداية كانون الأول/ديسمبر، أشاد ماكرون بوفاء الجهات الدولية بالتعهّدات التي قطعتها في المؤتمر الأول وقال إنها تخطت 280 مليون يورو (أكثر من 330 مليون دولار).

البعض يتحدث عن مليارات الدولارات وصلت للجمعيات التي أخذت على عاتقها توزيعها على من يستحقها من المتضررين من هذا الانفجار لكن معظم المتضررين يشكون بأنه لم يصل لهم الا النذر اليسير وبعضهم لم يستفد في شيء .

ما حصل بالمساعدات السابقة والقروض السابقة والتي أدت الى بروز ملفات مغمسة بالفساد ومنها ملف الفيول العراقي والذي بدأ بشكل خاطئ حيث تم استقدام هذا الفيول لإنتاج الكهرباء وتوزيعه شبه مجانا” على الطبقة السياسية ومناطق وقرى وقصور ومعامل الطبقة السياسية ولم يستفد منها المواطن اللبناني العادي، والمطلوب اليوم تسديدها من دولارات المودعين لنفس الطبقة السياسية التي استفادت من هذه الكهرباء والتي قامت بإعداد صفقة كانت هي الطرف المستفيد من عملية التبادل.

ألا يجب ان يكون هذا الملف درسا للبنانيين ولمن يود مساعدة الشعب اللبناني ومنها الجمهورية الاسلامية والتي تطرح اليوم تقديم الفيول مجانا ويشترط رئيس الحكومة ان تكون هذه الهبة غير مشروطة وهو ما لا يمكن ان يفعلها أي واهب في العالم مع دولة تحترم شعبها وبعيدة عن الفساد، فكيف مع دولة رائحة الفساد فيها وصلت الى أقصى الارض؟ هل يجهّز رئيس الحكومة هذه المرة لملف فساد آخر؟

من هنا نؤكد على ضرورة ان تشترط ايران تشكيل لجنة مراقبة من أختصاصيين تكون وظيفتهم التأكد من تطبيق شروط ايران الطبيعية والعادية والتي هي فعلا” ليست شروط على الشعب اللبناني بل شروط على الطبقة السياسية الفاسدة، بأن تلتزم الشفافية والعدالة في توزيع الكهرباء بشكل عادل على جميع المواطنين والمناطق بحيث يستفيد منها بالدرجة الاولى من لا يستفيد من المعامل الكهرمائية والغازية، وفي حال وصلت التغذية الى نفس عدد الساعات بهذه المناطق عندها يتم توزيع الباقي على كل المناطق بالتساوي. وبأن تلتزم مؤسسة كهرباء لبنان بأن تكون هذه الهبة هي فعلا” نقطة بداية لإعادة تفعيل المؤسسة ووضعها على السكة الصحيحة من خلال رفع التعرفة.

ان هدف رئيس الحكومة، ومن خلفه الولايات المتحدة الاميركية، من وراء طلبه عدم وجود اي شرط هو التصرف بهذه الهبة وفقا” للارادة الاميركية، أي حرمان المناطق التي لا تدخل ضمن الدائرة المتعاونة مع الولايات المتحدة، وبصراحة حرمان مناطق بيئة المقاومة من الكهرباء كالعادة. فهل ستجاري إيران ميقاتي والولايات المتحدة في ذلك؟ وهل سيقبل حزب الله بذلك وهو الذي قبل ذلك سابقًا في صفقة الفيول العراقي؟

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى