جولة ثار الاحرار، مكاسب وتحولات تعزز حرب تحرير فلسطين الجارية
بقلم الكاتب السياسي ميخائيل عوض
اخذت حركة الجهاد الاسلامي على حين غرة، او نجح العدو الغادر بتضليلها واغتال ثلاثة من قادة سرايا القدس في ضربة واحدة.
لا بأس فالحرب سجال مرة لعدوك ومرات لك ان اتقنت الافادة من الاخطاء ومعالجة الثغرات واستخلصت العبر والدروس.
في كل شر خير ورب ضارة نافعة
تصرفت الجهاد بعقلانية وادارت الجولة بحكمه وبتكتيكات ثورية. لم تتعامل مع الغدر بردة فعل انما اخذت نفسا عميقا ووقتا بذاته اربك قادة ومخططي العدو.
عندما تمادى العدوان بدأت الرد، وتصاعد ردها، والاهم انها اعطت الفرصة للفصائل في غزة لتقرر ما تريد. ولمحور المقاومة ليدرس الخيارات ويقرر متى وكيف يمكن ان يشارك فيتحقق الحلم الذي طال انتظاره وتتوحد الجبهات بعد ان تحققت وحدة الساحات.
خمسة ايام، قاسية، دفعت فيها غزة ثمنا باهضا من العمران، وارواح الاطفال والعائلات الشهداء وقادة سقطوا في الميدان او تم اغتيالهم.
تحرير الاوطان يستحق التضحية وشعب الجبارين لم يبخل ولن يبخل ويؤكد حقيقته شعب ابدي مقاوم لا تلين له قناة.
انجز اتفاق لوقف النار بوساطة مصرية وضغوط اماراتية وامريكية والأبلغ الضغوط الحادة من الاركان والاجهزة الامنية الاسرائيلية على نتنياهو التي استجدت حماس الا تدخل الجولة.
فوضت الفصائل غرفة العمليات المشتركة بقيادة الجهاد بادرة المعركة عسكريا وتفاوضيا واعلاميا وخرج السيد حسن نصرالله واعلن بلسانه؛ اننا نراقب وجاهزون عندما يتطلب الامر.
لم تجرؤ حكومة إسرائيل على اعلان النصر، ولم ترفع من سقف شعاراتها واهدافها في هذه الجولة، بل وصفتها الصحافة والمعلقين بانها ضعيفة عاجزة ورطت إسرائيل وخاضت جولة هزيلة ولم تنجح بتحقيق اي مكسب.
الاتفاق المعلن تضمن وقف استهداف المنازل والافراد، اي وقف الاغتيالات.
العصا التي طالما هددت بها اسرائيل
الاتفاق في ظروفه ومضمونه يتشابه كثيرا مع اتفاق تموز ١٩٩٣ بعد جولة لسبعة ايام مع المقاومة الاسلامية في لبنان الذي مهد السبيل لتفاهم نيسان ١٩٩٦ الذي اطلق اليد العليا لحزب الله ومقاومته الاسلامية وشكل قاعدة حقبة الانتصارات النوعية ولانتصار ايار ٢٠٠٠ ونحن بصدد الاحتفالات بذكراها المجيدة.
في تموز ٩٣ كما في جولة ثأر الاحرار معطيات وتحولات ومؤشرات متشابهة فلا غرابة من التشابه؛ فالعدو واحد والمقاومة من شعب واحد والقضية واحدة وعلاقة الجهاد الاسلامي بحزب الله اكثر من توأمه واعلى من تحالف وتكامل، فكلاهما من فكر وعقيدة وقواعد تأسيس واحدة.
الحزب تأسس ومقاومته تحت شعار؛ يا قدس انا قادمون، والزحف لتحرير القدس. ولم ينخرط بالعملية السياسية الداخلية ردحا طويلا وعندما اضطر فمارسها بحذر شديد، بينما الجهاد الاسلامي لم تمارس ولم تنخرط ولا قبلت او فكرت بالمشاركة في العملية السياسية ورفضت قطعيا المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية ورفضت اي عروض للمشاركة في حكومات غزة او تشكيلات سلطة في الضفة وحافظت على مبادئ التأسيس، كقوة مقاومة عسكرية وامنية، لا هدف لها او مقصد الا تحرير كامل فلسطين من البحر الى النهر وبالسلاح لا بالتفاوض او بالتسويات.
جولة حزيران ٩٣ طوبت حزب الله ومقاومته القائد المفوض للمقاومة في لبنان وتراجعت حركة امل والاحزاب والمنظمات وقاد الحزب المقاومة حتى انجز انتصارا اعجازيا في ايار ٢٠٠٠ وهزم إسرائيل التي انسحب جيشها ورأسه بين فخذيه على وصف يدعوت احرنوت حينها وحرر الجنوب تحت النار وبلا قيد او شروط او تفاوض.
وجولة ثأر الاحرار طوبت الجهاد الاسلامي قائدا للمقاومة في فلسطين. والتطويب هذا جرت مساراته منذ عدوان ٢٠١٤ عندما لعبت الجهاد والسرايا دورا محوريا فيها لإسناد حماس التي اخذت على حين غرة، وكانت الجهاد قد تفردت السنة المنصرمة بجولة وحدة الساحات وظفرت بها.
تبوء الجهاد الاسلامي لمهمة قيادة المقاومة في فلسطين ليس بالضرورة ان يعني تخلف حماس وتقاعسها عن القيادة وخروجها من محور المقاومة وقد يكون جراء تنسيق ابداعي وتبادل ادوار امن بنى غزة التحتية مادامت ساعة الصفر للحرب الكبرى لم تزف بعد.
اي كان سبب تقدم الجهاد الى مقود المقاومة ففي الامر تحول نوعي الاهمية في سياقاته. فالجهاد لا تقبل التفاوض والمساومة والهدن الطويلة ولا تعترف بعمليات سياسية وباتفاقات مع اسرائيل وتعايش، وليس للجهاد دول راعية تطبع مع اسرائيل – انه تطور هام استراتيجيا في سياق الحرب الجارية لتحرير فلسطين من البحر الى النهر.
هكذا نرصد ان المقاومة في فلسطين تسير على ذات نهج المقاومة في لبنان، تنتصر في الجولات وتجمع النقاط وتراكم، وغالب الامر ان تحرير فلسطين وحربها الجارية ستتخذ مسار الحرب الطويلة والانتصار بالنقاط والجولات وليس حكما بالضربة القاضية التي تعني الحرب الكبرى التي اكمل محور المقاومة الاستعدادات لها وقد تقع بأقرب ما نفترضه على ما قاله السيد حسن نصرالله مرارا.
اما عن الشهداء القادة في السرايا والفصائل؛ فمن الممكن تعويضهم بل والمعطيات الميدانية وما اعلنته الجهاد يؤكد انه تم التعويض عمليا واثناء الاشتباك. والحق ان المقاومة وفصائلها اثبتت القدرة العبقرية على تعويض القادة في كل المفاصل والمستويات كما في تجربة حزب الله مع استشهاد امينه العام السيد عباس الموسوي كذلك تجربة حماس مع استشهاد قادتها احمد ياسين والرنتيسي وصيام والعد لا ينتهي خاصة في الجهاز العسكري وكتائب القسام وكما مع الجهاد واستشهاد امينها العام المؤسس فتحي الشقاقي والعديد من قادتها العسكرين والسياسيين ومازالت تزداد قوة وحضورا وفاعلية.
فالمقاومة بفصائلها وطبائعها قادرة على تجديد القادة وتمكينهم والتعويض عما تخسره في الميدان بل فسقوط القادة شهادة تجزم بأنها من انماط ثورية مختلفة عما كان ولم يجلب نصرا.
من خلاصات ونتائج جولة ثأر الاحرار يمكن تسجيل التالية:
1- اكدت ان حرب تحرير فلسطين جارية ومساراتها بالجولات والنقاط حتى تدق ساعة الحرب الكبرى وفي كل جولة تكسب المقاومة وخيارها.
2- كرست وحدة الساحات وعمقت تقدم الجهاد الاسلامي لقيادة المقاومة في فلسطين والجهاد تنظيم لا هم له ولا مشروع او خيار الا التحرير بالسلاح، فمنطق التسويات والهدن والتفاهمات مع اسرائيل سقط والى الابد.
3- اكدت ان اسرائيل باتت عاجزة عن ترميم قوتها وفرض شروطها وقواعدها، وكرست ان اليد العليا والقرار صار بيد المقاومة وفصائلها.
4- لم تنقذ حكومة نتنياهو ولا عززت من قدراتها بل زادت في تعميق ازماتها واتساع مساحة رفضها وعادت حركة المعارضة الاسرائيلية الى الشارع بزخم اكبر.
5- اعطت اشارات واضحة على ان الجاري في مصالحات العرب وايران والسعودية وانحسار امريكا والاطلسي سينعكس على الصراع العربي الصهيوني ويعزز مكانة واولوية القضية الفلسطينية ويعزز خيار المقاومة. فأركان وقادة الاجهزة في اسرائيل ضغطوا على نتنياهو لوقف النار والقبول بالشروط وفعلتها امريكا خوفا من اتساع دائرة الاشتباك ودخول الجبهات الاخرى ولعبت مصر دورا مختلفا عما سبق بإحراج إسرائيل ونتنياهو وممارسة الضغوط عليها على عكس ما كانته سابقا كذلك فعلت الامارات وهددت بوقف التطبيع.
6- ترجمت تحولات جولة ثار الاحرار في قمة جدة التي بدأت تعكس اختلالا في المنظومة العربية لصالح خيار المقاومة وفلسطين كما اكدت صلابة الرئيس الاسد وكلمته النارية.
جولة ثأر الاحرار حققت نتائجها وراكمت على ما سبقها من جولة الساحات وجولة وحدة الجبهات، والمؤشرات تجزم بتزايد الجولات وتقاربها، وتبشر بمراكمة النقاط والتحولات مما يسرع بانكشاف الكيان المؤقت ويسرع من ازماته وربما يقرب موعد الحرب الكبرى ويستعجلها في سياق الجاري من تبدلات وتغيرات نوعية في العرب والاقليم والعالم وكل التغيرات في صالح خيار المقاومة والتحرير الشامل.