معركة ترسيم الحدود.. والفرصة الاخيرة
بقلم الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش
تُعتبر المناطق البحريّة مفهومًا حديثًا في القانون الدّولي الى حد ما، فمعظم المناطق البحريّة سواء الجرف القارّي او المنطقة الاقتصاديّة الخالصة تعود بنسبة كبيرة إلى النصف الثاني من القرن العشرين، وتمتدّ هذه المناطق على مساحات كانت تُعتبر في السابق جزءًا من أعالي البحار ومفتوحةً لجميع الدول. وفي جميع نزاعات ترسيم الحدود البحريّة تقريبًا، يُطلب من الأطراف تعيين منطقة غير محددة سابقًا، حيث تتداخل مطالباتهم. وبما أنّ معظم الحدود البحريّة لا تزال قيد التسوية، يمكن القول بأنّ نزاعات الحدود البحريّة هي القاعدة في البحر وتأخذ وقتا قد يمتد الى عشرات السنين في حال إصرار أي دولة على نقاط برية معينة.
هذا وتعتمد الدول المشاطئة على اتفاقية البحار للأمم المتحدة لتحديد حدودها البحرية ومياهها الاقتصادية الخالصة. وتحتوي هذه الاتفاقيّة على قواعد أساسيّة تتناول على وجه التحديد حالات المناطق البحريّة المتنازع عليها: المادة 74 فقرتها 3 والمادة 83 فقرتها 3 من اتفاقيّة قانون البحار.
هذه الأحكام المُصاغة بعبارات متطابقة تعكس المبادئ العامّة لحسن النيّة والتسوية السلميّة للمنازعات وتحتوي على التزامين: الالتزام بمحاولة الدخول في ترتيبات مؤقتة ذات طابع عملي، والالتزام بعدم تعريض التوصل إلى الاتفاق النهائي للخطر أو إعاقته.وبالتالي فهي تعتمد بشكل أساسي على حسن النوايا من جانب الطرفين وهذا الامر يصعب إيجاده لدى الطرف الاسرائيلي.
بالنسبة إلى الحدود البحريّة اللبنانيّة، من أهم الخطوات التي اتخذها بشأن مسألة ترسيم حدوده البحريّة تحديد المناطق البحريّة والإعلان عنها بموجب القانون رقم 163/2011، لا سيّما المياه البحريّة التي تمارس عليها الدولة حقوقًا سياديّة بهدف استكشاف ثرواتها الطبيعيّة واستغلالها ألا وهي المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بموجب المرسوم رقم 6433/2011 ، إضافةً إلى المرسوم رقم 42/2017 الذي قسّم بدوره المياه البحريّة اللبنانيّة إلى مناطق على شكل رُقع (Blocks) ، سيّما الرقعة 8 جنوبًا آخذًا النقطة (23) أساسًا في ترسيم حدوده البحريّة الجنوبيّة والرّقعتين 1 و2 شمالًا آخذًا النقطة (7) أساسًا في ترسيم حدوده البحريّة الشماليّة.
لبنان اليوم يخوض مفاوضات غير مباشرة لترسيم حدوده مع فلسطين المحتلة وهو يملك نقاط قوة أساسية ومن هذه النقاط:
– ورقة المقاومة
– نقطة الاحتفاظ بتعديل المرسوم السابق وتبني الخط 29 إنطلاقا” من النقطة ب1.
– الحاجة المتزايدة لأوروبا للغاز
– حاجة العدو الاسرائيلي لموارد إضافية من الغاز والمال.
لكن لبنان لا يملك ترف الوقت في المفاوضات وهو يعلم جيدا” أن أي عملية تأخير في توقيع هذه الاتفاقية الى ما بعد شهر أيلول فهذا يعني الدخول في مفاوضات قد تمتد لسنوات لاسباب عديدة منها:
– إمكانية الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية وهو الشخص الوحيد المخول بتوقيع الاتفاقات الدولية وفقا” للدستور اللبناني.
– إمكانية عدم وجود حكومة أصيلة خلال فترة الفراغ الرئاسي وبالتالي إشكالية عدم دستورية الاتفاق مع حكومة لتصريف الاعمال.
– رغبة اسرائيل في المماطلة حتى تستفيد من عملية بيع غازها خلال الفترة القادمة وبالتالي التعاقد مع أكبر عدد من الدول الاوروبية في هذا المجال.
وضع لبنان الداخلي هل يحتمل المماطلة في هذه المفاوضات من الناحية الاقتصادية والسياسية، فالمؤسسات العامة شبه متوقفة عن العمل والقطاع العام مرشح ان يذهب نحو المزيد من التعطيل وربما الوقوع في شرك الانهيار الكامل.
لذلك رأينا كيف ان رئيس الجمهورية قد ذهب في كلامه الاخير نحو التهديد المباشر بالتوقيع على تعديل المرسوم السابق واعتماد الخط 29 كخط نهائي بالنسبة لتحديد الحدود الاقتصادية البحرية للبنان فربما هذه المبادرة قد تعطي دفعا” للولايات المتحدة الاميركية واسرائيل باتجاه التسريع في المفاوضات والاتفاق النهائي على هذه الحدود قبل نهاية أيلول.
ان عدم الاتفاق على الترسيم البحري قبل نهاية ايلول مع بقاء الامور على حالها دون معالجات يعني وبكل صراحة أمر واحد وهو أن الترسيم تم تأجيله لسنوات بفعل ان المفاوضات حول ترسيم الحدود حيث لا توافق سياسي أو تنازل من قبل الطرفين أو تباعد بالحد الادنى لناحية الموقف هذه المفاوضات لن تتم بسهولة وستشهد تجاذبات كثيرة للوصول في النهاية الى حل مقبول من قبل الطرفين. وبالتالي فإن الانهيار الشامل ونتيجة لهذه المماطلة والتأخير أصبح على الابواب وأي خطة للتعافي لن تحقق أهدافها قبل عشر سنوات، في حين ان التوقيع على هذه الاتفاقية يمكن ان يمنح بعض الامل بالخروج من الازمة في سنوات ثلاث اذا ما ترافق مع اصدار القوانين الاصلاحية المطلوبة واقرار الخطط المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع العام والقطاع المصرفي. لكن هذا لا يعني القبول بالشروط الإسرائيلية وخاصة ما جاء به أخيرا” الوسيط الاميركي بالتخلي عن حقل قانا بشكل كامل مقابل التخلي عن النقطة البرية ب 1.
على ما يبدو وعلى الاقل بالنسبة للبنان، الاتفاق على الترسيم قبل نهاية أيلول هي الفرصة الاخيرة بالنسبة للبنان للخروج من الازمة بشكل سريع، وهي الفرصة الاخيرة بالنسبة لاسرائيل لعدم الذهاب نحو التصادم مع المقاومة. فهل سيتم توقيع الاتفاق وتجنب الصدام؟ أم أننا ذاهبون الى المعركة كوننا نكون قد دخلنا في الجوع فعليا” وهذا ما رفضه أمين عام حزب الله حين قال بأننا لن نسمح بتجويعنا؟