متفرقات

زفرات…

بقلم علي زعرور

في غمرة التهافت وإشهار التعاطف، كان الوقت ينافق في  جمع المحبين، حيث  التشاوف الآتي من الخديعة ترتفع أسهمه أمام منسوب الصدق في الحياة اليومية. فالظافر بالزفرات ما زال يلهث أمام سراب خائب، يغترف منه الوهم استرضاء للذة المقل. هذا القادم من اللاوجود يترقب توجسه ليلا حيث المكان يعجّ بعيون الخليقة التي لا تنام تحت سقف المهادنة.

تلك الزفرات التي كانت تسكن بسلام في كهفي، خرجت مجنونة، متوترة، متوحشة، اقتحامية، شهوانية، غرائزية، وخارجة عن القانون. لقد أصبحتُ أشبهها حد التطابق. تحاكيني بشراسة لا حد لها وتوّقع إسمي المنطوق على دروب يعبرها قاتلون ومرتزقة وشياطين. فالملائكة والأنبياء والمناضلون لا محل لهم في ايديولوجيتي الجديدة التي اغتسلت في بحر الجسد وبحر الثأر ونجيع الذاكرة.

بشائر أيلول في أولى قطراتها المرافقة لذكرى بنكهة خاصة لم تستطع أن تغسل تلك العيون المكابرة وذلك الغضب الصارخ فوق العادة، هذا الخراب الجميل بمنظور الجهلة  والمدفون في تابوت أشلاء رجل يعكس صورة القدر الأحمق الممسك بهزائم في متناول يده.

كان لا بدّ أن أنفض داخلي وأعيد ترتيب جوارحه، أتخلص منه عبر قتل السلام الداخلي، أفتتح نوافذ البطولة على أكثر من اسم  أضحى مجرد جثة هامدة في لائحة تقتل بجرّة قلم.

كنت أشهد عاصفة تحوّلي المفاجىء تبتلعني، تمحو  ملامح المنطق الذي كان يعشقني، يرسمني بريشة إبداع بعد التأمل ليحل محله نصلة مغولي في لحظة احتقار للعالم الذي أنتمي إليه.

لم أكن متأخراً عن العمر بعمر حين احتساني نقيضي في لحظة متأخرة من ليل تنسكب فيه كل نهنهات طيف انسلخ مني، لقد بادرني بلهجة باردة عبر سؤال إعتراضي:”كيف يمكن أن تطارد غريمك الهارب كمذنّب؟

أجبت إجابة ربما كانت شافية أو تفتح قوسين لمزيد من الأسئلة: ” سمائي التي هبط منها ما زالت شُهُبه هي العلامة الفارقة، أنا ألاحقه من العلياء كثائر يهوى المراقبة وهو يتسكع مع ضالته تحت جسر الخوف ينتظر لحظة المباغتة”.

ككل يوم بعد أن يقفل الليل حسابه عبر قهقهات تتجاهل نكبتي ومراوغة واضحة تقفز فوق الذاكرة، يزحف الصبح نحوي من نافذة الثأر، فأعيد لململة أجزائي المبعثرة تحت غطاء الوحدة وأعري عتمتي عبر استعداد لما هو آتٍ، ثمن يستحق أن يدفع خلف قيود حديدية كرمى لداليات الكرامة.

حان لي أن أدرك أن التمسك بالأخلاق لم يعد جديرا بالإهتمام، وأن البقاء بهذا الحياد الأسود لهو عجز يخنقه صمت رجل أمام ما يمارس من عدم اكتراث وفجور وتعرية للحقيقة في جو مفعم بدفن الإحساس بالذنب وتغييب فكرة الإعتراف بفعل الخطيئة المرتكبة.

كل شيء في حياتهم  ينزع عنه لباس اللياقة، لم يعد للخجل ممر عابر نحوهم أو ثقل ما حصل يؤرق مضجعهم، بل أضحى الأمر كامرأة فقدت عذريتها ولم يعد حبر الرجال يرويها، فكل شيء لهفة لذاكرة جديدة فوق ذاكرة مشرّعة أبوابها بغاءً.

لقد حكمت عليّ الجغرافيا ألاّ أستسلم وأن أمارس الفعل حد التطرف، فالقانون الذي كان قدري أضحى ممسوحا تحت مساحة فاصلة بين غياب العقاب والموت. وبات الحسم محكوما بأجندة فيها يومين من أسبوع مثقل بالمراقبة وعطر الخامسة والنصف بداية ساعة الصفر المجنونة.

على أعتاب عتمته التي استحضرها سابقا، حرّك مركبته بصمت دون أن يحمّي موّلدها، فهو يخشى أن تصيب الحماوة تلك الطبقة العلوية المتجمدة فتذيبها. لقد تعود أن يكون مخدّرا منذ الولادة وأن أكون أنا مورفين نهايته.

تغلغل عطر الوقاحة في داخلي مستبقا نهاية حياة محتمة، حيث الأرض تطوي لي ولكن ليس كإمام أراد أن يكون حاضرا لتأدية واجب إلهي إنما لشيطان كان مدفونا في نفس آمنت أن لكل فعل آثم عقاب وإن تأخر، إلا أن المقتول الف مرة لم يحتكم لانتظار مقطع الأوصال، وأن اليد التي تقبض على الزناد أفضل من يد رب  هدر حقه غيلة.

تحت جسر اللحظات الأخيرة كنا ثلاثة أنا وإله فوقي  اعتكف عن قدرته، وغريم ينتظر إنتزاع روحه العالقة بين ثنايا ثغر متخم بالذبول، فتح بابه نحو عالم آخر يليق بحثالته وأنا استحضرت تلك الطلقة التي  قصمت ظهر البعير، نضالها استقر في جسد بلا ذاكرة واستراح من وزر تضليل ومتاجرة بأثمان بخسة.

هوى دون أن تكون الأرض متكئاً له، هي الرافضة دائما لاحتضان عابر تعلم أن لا مكان له في أحضانها، تلك الورقة الأولى التي تمّ نزعها على مهل وما استبقي من أرقام عددية لا يتجاوز الأربعة، مصيرهم واحد، هم ذيول فعل آثم يستحق الشطب عن لائحة المشاهدة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى