الاصابع على الزناد.. أي خيار ستتخذه “اسرائيل؟!
بقلم وزير الخارجية الأسبق دكتور عدنان منصور
أيام تفصلنا عن الموعد الفترض لبدء “اسرائيل” باستخراج الغاز في حقل كاريش، ولا زال لبنان ينتظر رد تل أبيب على مطالبه عبر “وسيطها” الاميركي هوكشتاين.
لقد وصلت رسالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وهي رسالة حاسمة من قبل المقاومة التي لا هوادة فيها ولا تقبل التراجع أو الانتقاص أو المساومة على حقوق لبنان في ثرواته البحرية. ما يضع “اسرائيل” أمام خيارين: الحل او الحرب.
إذا كانت “اسرائيل” جادة في تجنب المواجهة والحرب، فالقرار في يدها. أما إذا أصرت بالقبض على حقل كاريش وغيره، وعدم الاكتراث لمطالب لبنان، فهذا يعني أن قادة العدو يتجهون للحرب ويتحضرون ويعملون لها مسبقا.
هذا الوضع يطرح أمورا حساسة، حيال التطورات المرتبطة بمشكلة الترسيم البحري، وتداعيات فشل الحلول على الكيان المحتل وعلى لبنان بالذات، وربما أيضآ على المنطقة.
في اسرائيل، وأثناءالحرب، تتوحد الجبهة الداخلية وتتجاوز الصراعات والخلافات السياسية المحلية وتصب كامل اهتماماتها على الحدود.
“اسرائيل” ترى اليوم، ان اي حرب قادمة ستكون مفصلية وحاسمة لها ولأعدائها. لذلك تعتبر إن دخولها في حرب أو اي مواجهة عسكرية واسعة مع لبنان ومقاومته، يأتي عن ضرورة، وقناعة تحسب له جيدا، وخيار تستعد له، ولا بد منه. واذا ارادت “اسرائيل” تجنب الحرب فعلا، فما عليها إلا أن تتخلى عن شهيتها العدوانية على الثروات اللبنانية البحرية، وتستجيب لمطالب لبنان العادلة، وهي تعرف ضمنا أنها مطالب شرعية وقانونية.
“اسرائيل” في الحرب يلتف حولها قادتها، احزابها وشعبها، وتدعمها الاطياف الدينية والعلمانية واليسارية واليمينية إضافة الى كل اللوبيات اليهودية المنتشرة في العالم التي تستثمر نفوذها، إمكاناتها الواسعة، وتأثيرها السياسي والاعلامي والمالي الكبير لصالح “اسرائيل”. كما يقف الى جانبها بكل قوة، حلفاؤها في الولايات المتحدة، مرورا بالاتحاد الاوروبي، وصولا إلى عرب التطبيع.
اسرائيل ستضع نفسها في أي حرب قادمة في موقع الدفاع عن النفس، لتبين للعالم انها ليست هي التي ابتدأت بالحرب، وان الاصابع التي ضغطت على الزناد هي اصابع المقاومة في لبنان. بذلك تستجلب عطف الدول ودعم وتأييد العالم لها.
الى جانب العوامل الداخلية والخارجية التي تدعم كيان العدو، فإن “اسرائيل” من جهتها ترصد الوضع جيدا في لبنان، وهي تعرف بالعمق اسراره وخفاياه، أحواله، مواقف السياسيين من المقاومة ومدى حجم الحملات السياسية والإعلامية العدائية التي تصب عليها، وتنال منها داخل لبنان وخارجه، وهي تشهر بها وتؤلب الرأي العام العالمي ضدها.
كما ترصد “إسرائيل” ايضا هشاشة النظام المترنح في لبنان، وحالة الفساد الشامل التي طالت الدولة ومؤسساتها، والانقسام السياسي الحاد بين قادته وزعمائه واحزابه كما الازمات السياسية التي تلازمه، وعدم استقراره والانهيار الحاصل في اقتصاده ومؤسساته الادارية والمالية والنقدية مع ما يعانيه شعبه من فقر وجوع وبطالة، وغياب الخدمات الحيوية الرئيسة، وتأثير كل ذلك على القرار السيادي اللبناني حيال” إسرائيل” سلما أم حربا.
تعلم “اسرائيل” ان الدعم الاميركي العسكري، السياسي، المالي، الاعلامي والدبلوماسي الواسع لها سيرافقها في كل صغيرة وكبيرة، عند حصول أي مواجهة عسكرية مع لبنان.. وهي على يقين، ان واشنطن لن تسمح بهزيمة حليفتها مهما كلف ذلك من ثمن، خاصة بعد حرب اوكرانيا، وتداعياتها على أوروبا والعالم، وما أسفر عن ذلك من إحباط وفشل عسكري، مني به الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة. إذ أن الاهتمام الرئيس لواشنطن والاتحاد الاوروبي يصب حاليا على تامين الغاز والنفط، بأي وسيلة الى أوروبا قبل قدوم الشتاء، من خلال ما سيستخرجه العدو من الغاز في حقل كاريش وغيره من الحقول. لذلك فإن أي مساس بمنشٱت الغاز الاسرائيلية، لن تقبل به أميركا ولا أوروبا، بأي حال من الاحوال، وسيحملان المسؤولية الكاملة للبنان والمقاومة. وهذا يعني ان اي حرب قد تنشب، ستجعل الولايات المتحدة تطلق يد “اسرائيل” كاملة بغية تحقيق نصر عسكري حاسم، يعوض عما لحق باميركا واوروبا من انتكاسة نالت من هيبتهما واصابتهما في الصميم في اوكرانيا.
لكن ماذا عن لبنان! من المعلوم ان المقاومة تعهدت بالحفاظ على ثرواته، وان تطلب الأمر استخدام القوة. لكن هل الوضع اللبناني الداخلي، والموقف الرسمي للحكومة متماسك بما فيه الكفاية؟! وهل الحكومة على استعداد لتوفير الغطاء اللازم للمقاومة، في حال مواجهة عسكرية مع العدو؟! وهل المقاومة عند الضرورة ستسخدم القوة ضد العدو بمعزل عن قرار الدولة والحكومة!
إن أي حرب تخوضها دولة ما، لا بد لها من ان تستند الى عوامل القوة في الداخل، التي هي اساس النصر، ومتطلباته واسبابه، والتي تتمثل بوحدة الصف والهدف للشعب والتفافه حول دولته مع ضرورة وجود اقتصاد متين وعملة وطنية قوية، وثقة كاملة من قبل المواطنين بالقيادة السياسية القادرة على اتخاذ قرار جامع موحد، يعبر عن الارادة الوطنية العالية للبنان شعبا وجيشا ومقاومة.
إذا كانت “اسرائيل” تستمد الدعم والغطاء من شعبها وجيشها، فهل يتوفر -ولنقلها بصراحة وشفافية تامة- الدعم والغطاء للمقاومة من قبل الحكومة اللبنانية، وبالذات من قبل رئيسها، قبل الذهاب الى مواجهة عسكرية مع العدو؟! أم أن الحكومة ستتنصل منها وتفك الارتباط معها في اللحظات العصيبة أمام العالم وتتركها لمصيرها في ساحة القتال؟! وهل الدعم من قبل أطياف الشعب من خارج بيئة المقاومة متوفر في الوقت الحاضر ولحد ما، مثل ما كان عليه عام 2006 ؟!
ما هو الدور المنتظر للطابور الخامس الذي يرتبط بالخارج وسفاراته، وينسق معه في كل ما يستهدف المقاومة وحلفاءها، ويسيء اليها؟ وإلى جانب من سيصطف وهو الذي يناصبها العداء المطلق بكل شراسة؟!
إذا ما قررت “اسرائيل” خوض الحرب، من خلال إحراج وجر عدوها كي يأخذ مبادرة الهجوم العسكري لانتزاع حقوقه، فإن الحرب ستقتصر على الطرفين، “إلاسرائيلي” واللبناني. لأنه لا أحد من دول المنطقة على استعداد في الوقت الحاضر للتدخل أو المشاركة الفعلية في الحرب لاعتبارات داخلية وخارجية ضاغطة، تتمثل بحسابات استراتيجية، وجيو سياسية واقتصادية ومالية مؤثرة.
فهل الجبهة الداخلية اللبنانية متراصة، وتمتلك موقفا سياديا وطنيا، واستراتيجيا موحدا، يحمي ظهر المقاومة في ظل وجود %40 من غير اللبنانيين على الاراضي اللبنانية؟
في حال كانت المقاومة اول من يضغط على الزناد، هل ستقف الحكومة موقف الداعم القوي لها، أم أنها ستتنصل منها في اللحظات الحرجة أمام دول العالم، كما فعل ذات يوم من عام 2006 رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة، ليذرف “الدموع ” ويبدي عن استيائه، ومعارضته جهارة امام العالم، إزاء ما قامت به المقاومة ضد العدو، ما شجع “اسرائيل”، على الذهاب بعيدا في عدوانها على لبنان؟
ان وقوف الدولة الى جانب المقاومة، مدعوما بوحدة القرار الرسمي والشعبي المساند لها، يعطي لبنان حجة قانونية قوية أمام العالم، ويعزز موقفه وقراره الذي لا مفر منه والمتمثل في شرعية الدفاع عن سيادته وارضه وثرواته.
إن الحرب القادمة إذا ما اشتعلت ستكون مدمرة. لان اي طرف من الطرفين لن يقبل بهزيمة، لان الهزيمة لطرف ما، ستغير المعادلات وتقلب التوازنات السياسية والعسكرية والأمنية، والإقتصادية والاستراتيجية في المنطقة كلها.
قد يعول البعض، كل حسب توجهه، على تدخل مباشر من قبل أكثر من طرف اقليمي في حال اندلاع حرب مع “اسرائيل”.
هذا الاحتمال غير وارد، إذ ليس في صالح الاطراف الإقليمية الانخراط فيها مباشرة، لان ذلك، سيستدعي تدخلا خارجيا اميركيا- غربيا بكل قوة. إذ سترى واشنطن أن الفرصة مناسبة لها قد حانت لتصفية حسابات قديمة مع المقاومة وحلفائها وتحقيق اهداف عجزت عنها على مدار سنوات طويلة، رغم كل الامكانات والدعم المالي والمساعدات الكبيرة التي قدمتها لحلفائها وعملائها في لبنان والمنطقة.
ايلول على الابواب، وقريبا سيطل برأسه. ولا ندري حتى الان إن كان سيحمل الينا قبول “اسرائيل” وإقرارها بحقوق لبنان، ام انه سيأتي بالرفض الذي يريد منه العدو، ان تكون المقاومة البادئة في قرع طبول الحرب، ومن ثم الضغط على الزناد!
من المفارقة ان “اسرائيل” تسرق ثروة لبنان لتنفق إيراداتها على شعبها وتنمية كيانها، فيما المقاومة تحرص على الحفاظ على ثروة شعبها، في الوقت الذي تقوم فيه الزمرة الحاكمة بسرقة ونهب ودائع شعبها. فالذي سرق شعبا بأكمله، من السهل عليه سرقة ثروات لبنان البحرية مستقبلا.
إن تحرير لبنان من الفاسدين والناهبين أولوية قبل اي شيء ٱخر، فلا فرق بين سطو اسرائيل على ثروة لبنان وسطو لصوص السلطة على اموال الشعب. كلاهما سطو وسرقة، قراصنة ولصوص، وان اختلفت الامكنة وتنوعت الاقنعة، فهما في النهاية وجهان لعملة واحدة.
لا نريد ان تكون المقاومة كبش فداء للٱخرين، تستميت في الدفاع عن سيادة وطن وحقوق شعب، تضحي بالدم وتحرر، وفي نهاية المطاف نرى زمرة متوحشة تقبض على البلاد والعباد، تنهب وتسرق وتستولي على الاخضر واليابس.
أمام عدو اسرائيلي ثعلب، مراوغ، ومخادع، وبين فائض الثقة، وفائض القوة، لا بد من الحكمة، وبعد النظر، والحسابات الدقيقة أن تحيط بأي قرار حاسم، ونحن نواجه عدوا خبيثا. ولنحذر ما يبيته مع حلفائه وعملائه للبنان وشعبه ومقاومته، وإلا……!