هل مسموح للتقارب العربي-الايراني، والعربي- العربي أن يحقق هدفه؟!
بقلم وزير الخارجية الاسبق د. عدنان منصور
أن تخطو كل من الجمهورية الاسلاميةالإيرانية والمملكة العربية السعودية ودول خليجية اخرى، خطواتها الشجاعة باتجاه اذابة الجليد المتراكم على العلاقات الثنائية، على مدى عقود، والتي اتسمت بالحذر والقلق والتوتر، وعدم الثقة ،وبعد ذلك التوصل معا للعمل على تطبيع العلاقات برعاية صينية، فإن هذا الوضع الجديد يقلب الموازين السياسية والأمنية والاستراتيجية رأسا على عقب في المنطقة، لصالح أمن واستقرار دول الخليج وشعوبها ، نظرا لما تمثله كل من طهران والرياض في غربي ٱسيا من أهمية كبيرة،
وحضور ودور اقليمي فاعل ومؤثر ،وما تتصف به كل من الدولتين من موقع جيو-سياسي استراتيجي حساس، وإمكانات اقتصادية وعسكرية،ومالية،
ونفطية وغازية كبيرة.
التقارب العربي الايراني، وبالذات الايراني- الخليجي والتعاون المستقبلي المشترك بينهما يثير حفيظة وهواجس الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة والكيان “الاسرائيلي”، الذي دأب باستمرار على على إبعاد وتعطيل أي تقارب ان تنسيق عربي -عربي، أو إيراني عربي، يخرج عن دائرة مصالحه السياسية
والإقتصادية،
والاستراتيجية. من هنا كانت سياسات الغرب على الدوام تصب في إطار تأجيج الخلافات، وتخويف دول المنطقة وشعوبها من بعضها البعض، وبالذات تخويف البلدان الخليجية من “الخطر الايراني الداهم” الذي يهدد ويزعزع أمن واستقرار وسلام دول المنطقة
وسيادتها.لذلك،كانت القواعد العسكرية الأجنبية، وكان الانفاق الهائل على التسلح نتيجة هذا التخويف الذي غذى المصانع العسكرية الاميركية والاوروبية على مدى عقود،حيث كان نصيب المصانع العسكرية الاميركية الحصة الاكبر من مبيعات السلاح.
إن التقارب الايراني العربي أمام امتحان كبير، كما التقارب العربي- العربي، وبالتحديد التقارب مع سورية، وإعادة العلاقات الكاملة معها.إذ لا زالت سياسة واشنطن وحلفاؤها من هذا التقارب حتى الٱن يثير الشكوك ،فهي لا تتقبل في العمق أي شكل من اشكال التطبيع والتعاون المتين لجهة تعزيز وتعميق العلاقات العربية، لا سيما الخليجية منها، مع كل من طهران ودمشق.الولايات المتحدة لن تتوقف عن العمل بأي شكل من الاشكال،بطرقها ووسائلها الخاصة عن تعطيل، او افشال أي تقارب قد يتم مستقبلا على حساب نفوذها ومصالحها.
أمام الزحف الصيني الى المنطقة وما ترتب عنه من اتفاقات ثنائية تتعارض مع المصالح والتوجهات الاميركية، ستجعل واشنطن اكثر
شراسة،واندفاعا،
وحدة، وهي تتعاطى بحساباتها الدقيقة مع التطورات والتحولات السياسية الهامة، التي تتعلق بايران،والسعودية
وسورية،والأردن،
والعراق، واليمن ولبنان، وفلسطين المحتلة.
التصعيد العسكري الاميركي، والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على سورية، وإعادة تحريك البؤر الارهابية الداعشية في العراق وسورية،
واستمرار وضع فيتو قانون قيصر في وجه لبنان لمنعه من استجرار الغاز والكهرباء من مصر والاردن، كل ذلك يدل على مدى تمادي واشنطن في سياستها الرامية الى تعطيل أي حل نهائي يوفر لدول المنطقة التعاون والاستقرار والأمن، والقرار السيادي الحر. موقف واشنطن المعادي لسورية ظهر واضحا من خلال موقفها السلبي الذي أعربت عنه في عدم تشجيعها للزيارات الرسمية العربية الى دمشق، ولا لزيارات المسؤولين السوريين الى الدول العربية.فالولايات المتحدة أبدت في الايام الاخيرة عن غضبها الواضح حيال النظام السوري، والرئيس بشار الاسد ، غضب جاء على لسان وزير خارجيتها أنطوني بلينكن،وذلك بعد العقوبات الاميركية الأخيرة التي فرضت على أفراد سوريين، والتصريح الذي أدلى به “للعربية نت” الذي جاء فيه:
“معارضتنا للتطبيع لم يتغير، ونحن كنا واضحين تجاه هذا الموضوع”. واشنطن لا تفصل المساعدات الانسانية للسوريين المتضررين من جراء الزلازال، عن تشديدها على تطبيق القرار الدولي 2254 المرتبط بالعملية السياسية في سوريا.
ضغوط الولايات المتحدة على دول عربية تصب في اتجاه عدم الذهاب بعيدا في علاقاتها مع دمشق. وهنا نتساءل: ما الذي يمنع حتى الٱن دعوة الجامعة العربية الى عقد اجتماع غير عادي لوزراء الخارجية العرب، لاتخاذ قرار يدعو سورية للعودة الى حضن جامعتها؟!
وهل الأمر متروك لمؤتمر القمة كي يتخذ الملوك والرؤساء العرب القرار المناسب ؟! تعليق مشاركة سورية في اجتماعات الجامعة العربية تم بموجب قرار اتخذه مجلس وزراء الخارجية العرب على عجل، في اجتماع غير عادي ،استنادا الى مواقف دولهم
( باستثناء لبنان الذي اعترض ورفض القرار).إن قرارا يسمح بعودة مشاركة سورية في اجتماعات الجامعة العربية، يمكن ان يتم من خلال المجلس الوزاري العربي.لكن هل نضجت طبخة عودة دمشق الى الجامعة، أم انه لا زال هناك من يضغط و يتلكأ ويعترض ويتريث ويحسب النتائج؟! لا شك أن مؤتمر القمة العربية الذي سينعقد يوم 19 أيار القادم في المملكة العربية السعودية،سيبين ما اذا كانت الامور قد وصلت الى خواتيمها، ليتراجع العرب بعد ذلك عن قرار ظالم اتخذوه ضد سورية عام 2011، لم يحقق غايتهم، لكنه بكل تأكيد جلب لها الارهاب، والدمار والفوضى !
اذا كانت واشنطن
تترقب بحذر شديد التقارب العربي مع سوريا،وتقف في وجهه، فكيف الحال في التقارب العربي- الصيني ، والعربي- الايراني؟! وهل ستستسلم امام هذا الخيار الذي وضعها العرب والإيرانيون والصينيون أمام الأمر الواقع،وهي التي لديها ما تفعله في الداخل عبر طوابير مرتزقة
عميلة عديدة سخرت نفسها على مدار عقود، ٱثرت أن تكون في خدمتها وأداة طيعة في تنفيذ سياساتها ؟!
النقاط التي سجلت في خانة الثلاثي الصيني- الايراني -العربي على حساب الولايات المتحدة ومصالحها ونفوذها، سيدفع بواشنطن الى التكشير عن انيابها بعد أن حشرت في الزاوية، وهي لن تسكت ولن تقبل بالأمر الواقع وإن ادى بها الأمر إلى تفجير المنطقة من الداخل وتقويض آركان دولها.
القادم من الايام سيحمل الكثير من المفاجٱت، فلننتظر!