خدعة عيد الأب…
بقلم د. أحمد عياش
ما أتعسنا وما أتعسهم، يحتفل الأبناء بعيد الأب ويمدح كل واحد منهم أباه ويمجدّه ويكتب عنه النثر والشعر والبعض يغنّيه وبعضهن جعلن من آبائهن مادة للرقص.
كل آباء الناس قدّيسون وأخلاقيون ومثاليّون وأخيار وأهل عطاء وكرم ومحبة وتعاضد وكفاح… إذًا القاتل والسارق والشرير والفاسد والكاذب آباء من يكونون؟
ليس في المصرف وفي السياسة وفي المتجر وفي دهاليز الأمن وفي المخابرات وفي الشارع وفي مؤسسات الدولة وفي المؤسسات الخاصة وفي الاحزاب وفي السمسرات غير رجال ماكرين يلتقطون لقمة الضعيف والأحمق والمخدوع والمسالم والحالم بالأمان ليلتهموها أو ليذهبوا بها لإطعام جلابيطهم وجرائهم وهجارسهم وأشبالهم في أوكارهم.
عيد لأي أب والبلاد من مأساة إلى محطة وقود إلى تجمع نفايات إلى باب مستشفى مقفل بوجه الفقير والمحتاج والبريء.
عيد لأيّ أب والقاضي أنجب قاضياً والعميد أنجب عميداً والطبيب أنجب طبيباً والسياسيّ أنجب محتالا جديدا والتاجر القديم أنجب لصاً عصرياً لا يسرق إلا عبر حاسوب وبكلمات منمقة وبتسويق ناجح للنفاق.
عيد لأيّ أب وآباء أغلب الناس متورطون من قريب ومن بعيد بالمأساة وبالمصيبة وبالفاجعة وبالمجاعة القادمة.
حتى ذاك الذي تظنّه لم يظلم احداً وأطعم أطفاله بالحلال وقف بالطابور كالشاطر ليقترع وليجدد للأسماء نفسها لتدوم صحة وعافية الدولة المالية العميقة.
لو كان والدك ووالده هذا الشهم البريء والمكافح فلماذا نعاني كلنا في هذا المجتمع.
الحقيقة أننا ربما كنا جميعا مخدوعين بآبائنا أو أن آباءنا مساكين فعلا، كانوا أدوات أو مضطرين أو ظنّوا أنهم لا يفعلون إلا ما يجب فعله أو أنهم خلطوا الحلال بالحرام من حيث لا يدرون…
أبي كان أستاذا ولم أسمع منه كذبة واحدة طوال عمري. ربما أساتذة الأدب العربي لا يعرفون من التاريخ إلا أجمل أحداثه وأشرف شخصياته ويتمثلون بهم…
أبي ووالدك وووالده وآباؤهم كانوا ضحايا منظومة حاكمة أقنعتهم بأن اللون الأبيض أسود والأسود ابيضا وان الصح خطأ والعكس صحيحا، وحكموهم وما زالوا يحكموننا، نحن الآباء المهزومون والمحكومون والمطاردون من ضمائرنا….
نحن الكلمة التي كانت أمّنا تقولها:
نحن يا حرام…يا حرام…مساكين يا أهل الهوى…