واقع التعليم في لبنان: أزمة مستفحلة وبيروقراطية إدارية
تناول الخبير المالي والإقتصادي الدكتور عماد عكوش إشكالية الواقع التعليمي في لبنان، وكتب عن فكرة على تخصيص الإستثمار في تعليم القطاع العام ومنحه مزيدا من الإستقلالية للنهوض به والوصول الى المستويات العالمية.
مع انطلاق العام الدراسي في المدارس والجامعات اللبنانية في العام القادم ، يبرز سؤالٌ واحد يثقل كاهل الطلّاب والمعلّمين والإداريين والأهالي والموظّفين: هل بإمكان قطاع التعليم الهشّ في الأساس أن يصمد في ظلّ الضغوط المعقّدة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية والمصرفية التي يشهدُها البلد بعد تخطيه لأزمة كوفيد 19 على الرغم من الجهود الجبّارة التي بذلتها مؤسّساتٌ عديدة لتبقى أبوابها مفتوحة؟
في خضمّ هذا السياق المعاكس، يُواجِه نظام التعليم في لبنان، وخاصّةً القطاع الرسمي، صعوبات كثيرة.
لطالما اعتُبرَ قطاعُ التعليم في لبنان بمثابة مرفق وطني تأسيسي في لبنان. وهو ليسَ مجرّد مصدر قطاع إنتاجي قابل للقياس، بل كانَ على مرّ التاريخ شريانا للحياة في لبنان واليوم يمرّ هذا القطاع بمنعطفٍ صعب، وفي حين تستمرّ المدارس الخاصّة في ظلّ الظروف الصعبة، باتت المدارس الرسمية والجامعة الوطنية على وشك الانهيار الكامل.
لطالما كانَ نظام التعليم في لبنان حصنًا منيعًا بالمعنى الكامل للكلمة حيث ساعدَ في تنويع القوى العاملة في البلد وتدريبها وتوفير فُرَص التقدُّم الإجتماعي والإقتصادي، حتّى ولو للهجرة والعثور على عمل خارج لبنان. كما كانَ هذا القطاع ركيزةً أساسية لصورة البلد.
لم يَصِل قطاعُ التعليم في لبنان إلى هذا المستوى المرموق بين ليلةٍ وضحاها؛ بل هو نتاج عقود من الإستثمار والعمل والثقة. غير أنَّ السنوات القليلة الماضية كانت صعبة بشكل خاصّ لأنَّها فرضَت ضغوطًا هيكلية لم تُعالَج بعد، فتركت القطاع في حالة ضعف شديد في مواجهة تداعيات الأزمات السياسية والمالية الراهنة. ولا شكَّ في أنَّ الفشل في تلبية احتياجات هذا القطاع المتضرّر بشدّة، أو محاولة إبعاده عن خطّة الإنعاش الوطنية الأوسع نطاقًا، سيُهدِّد منظومة عمرها أكثر من قرن منظومةٌ ليسَ من السهل أن نُعيد إنعاشها.
إن الموارد العامّة المُخصَّصة لقطاع التعليم في لبنان غير كافية. ففي عام 2020 تمّ إنفاق نسبة تقلّ عن 2٪ من الناتج المحلّي الإجمالي على التعليم ، وهي أقلّ بكثير من النسبة الموصى بها من قبل اليونسكو والبنك الدولي والمقدرة ما بين 4٪ و6٪ ، كما وردَ في تقريرٍ صدرَ مؤخّرًا عن البنك الدولي بأن النظام المدرسي اللبناني فتح لأقلّ من 25٪ من العام الدراسي 2020 – 2021 . كما زاد من الأزمة وجعل النظام التعليمي معرض أكثر لضغوط إضافية منها الأزمة السورية ووجود أكثر من 365000 طفل سوري التحقوا بالمدارس اللبنانية وقد تمّ إطلاق عدد من البرامج المُموَّلة دوليًا لتخفيف العبء على النظام المدرسي اللبناني ، لكنَّها لم تكن كافية.
لقد أثَّرت الأزمات المتعددة وما نتج عنها من زيادة معدلات الفقر تأثيراً مباشراً على الطلب على خدمات التعليم ومعدلات التسرب المدرسي، حيث بات أكثر من نصف السكان على الأرجح دون خط الفقر الوطني . فمع الانكماش الاقتصادي وتدنِّي القوى الشرائية، والتدهور الحاد في ظروف المعيشة من المتوقع أن يتّجه المزيد من الآباء والأمهات إلى نقل أطفالهم من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية في السنوات القادمة، وأن تزداد كذلك نسب تسرّب الأطفال من المدارس، لاسيما ضمن الأسر المُهمَّشة .
ونظرًا للحالة الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في لبنان، لا مجال اليوم للإصلاحات الترقيعية . كما أنَّ المساعدة المؤقتة لقطاع التعليم لن تكفي ليبقى قادرًا على الصمود لفترة طويلة فما من قطاع تربوي فعّال ومستدام من دون معالجة نموذج الحكم الفاشل في البلد وأزمته الإقتصادية الشاملة، لذلك لا بد من علاج جذري لهذا القطاع يأخذ بالحسبان النظام السياسي حالة الفساد والهدر المستمر ، أجهزة الرقابة والمحاسبة الغير فاعلة، البيروقراطية التي تمنع أخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، عدم تخصيص الدولة لموازنات خاصة بتطوير التعليم والبحث العلمي.
الموجبات:
موجبات الخروج من نظام التعليم الرسمي اليوم الى نظام يقوم على تلزيم التعليم الرسمي للقطاع الخاص له موجبات كثيرة ناتجة عن فساد النظام والتي أوصلت فيها المستوى التعليمي الى الحضيض في معظم مؤسساته التربوية إلا ما ندر منه والناتج بمعظمه عن مبادرات ومؤهلات شخصية متعلقة بمدير المؤسسة وليس في الإدارة الرسمية له وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.
أما أهم الموجبات:
إن النظام السياسي الفاسد الذي يعيشه لبنان وينعكس بكل مضامينه على حياة اللبنانيين جميعهم كما ينعكس على كل القطاعات المرتبطة بالدولة اللبنانية لا يصلح لأن يدير مؤسسات لها علاقة بحياة الناس وحاجاتهم التعليمية، إضافة إلى كل حاجاتهم وقد أثبت الزمن ان هذا النظام أعجز عن إدارة أي قطاع والأمثلة كثيرة ومنها:
– الكهرباء
– المياه
– التعليم
– الاستشفاء
– المرافق
والأمثلة تطول، فكل هذه القطاعات والمؤسسات ذاهبة الى الإنحلال بسبب هذا النظام الذي فشل نتيجة التحاصص الفساد، عدم وجود أجهزة رقابة فاعلة، عدم وجود أجهزة محاسبة وقضاء قادرة، والهدر الكبير الذي تحققه هذه المؤسسات بسبب عدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
الوسائل
يمكن تقسيم هذه الوسائل الى عدة أنواع منها:
القانوني:
نظم القانون عمل المؤسسات التعليمية سواء منها الجامعية أو ما قبل الجامعية، بالنسبة للجامعات فقد ورد هذا التنظيم الذي ينظم عمل الجامعات في لبنان في القانون رقم 285 الصادر بالمرسوم رقم 5520 تاريخ 14 كانون أول من العام 2010 وتم العمل به بعد صدوره في الجريدة الرسمية ونشره في 30 نيسان 2014، أما أهم ما شمله هذا القانون فهو التالي:
المادة ١٣: تشكيل مجلس التعليم العالي
– مدير عام التعليم العالي.
– قاضٍ عاملٍ من مجلس شورى الدولة أو متقاعد من ملاكه.
– رئيس الجامعة اللبنانية أو من ينتدبه من بين عمداء الجامعة.
– ٣ ممثلين من الجامعات الخاصة.
– خبيران بالتعليم العالي.
– رئيس النقابة أو النقابات المختصة بالموضوع.
المادة ١٦: مهام هذا المجلس
المادة ١٩: اللجنة الفنية الأكاديمية
المادة ٤٤: تتحدث عن الأنظمة الحاكمة لعملها والكليات والمعاهد العاملة
المادة ٥٥: تتحدث عن التدقيق الدوري لهذه المؤسسات من الناحية الفنية
المادة ٥٩: تتحدث عن موازنة الجامعة وتشمل:
– ضرورة وضع موازنة سنوية.
– فتح حساب مصرفي للجامعة لإيداع الأقساط.
– إخضاع التقارير المالية لتدقيق مدقق حسابات مستقل ومصادقتها من قبل الهيئة العليا المشرفة على هذه المؤسسة.
– تقديم ملخص عن أعمال التدقيق الى مجلس التعليم العالي.
المادة ٦٣: المخالفات والغرامات
لم يتحدث هذا القانون عن كيفية الرقابة على أعمال هذه الجمعيات والتي من المفترض أنها لا تبغي الربح وعلى هذا الأساس فهي معفية من ضريبة الدخل، كما أن عملية زيادة الأقساط لا تخضع لأية معايير أو قوانين يمكن أن تضبط هذه العملية كما الحال في المدارس الخاصة والتي تم تنظيمها وفقا” للقانون ١١/ ٨١ تاريخ ١٣ أيار ١٩٨١ والذي ينص في مادته الثالثة على تقديم موازنة في مهلة لا تتعدى أخر شهر كانون الثاني من كل سنة دراسية وموقعة من مدير المدرسة ورئيس لجنة الأهل أو المندوب المالي مع عضو أخر.
أما بالنسبة للمؤسسات ما قبل الجامعية فإن الدولة في لبنان لجأت إلى إصدار قوانين للتعليم الإلزامي منذ العام ١٩٥٩ كان آخرها القانون رقم ١٥٠ تاريخ ١٧/٨/٢٠١١ الذي قضى بتعديل المادة ٤٩ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٣٤ تاريخ ١٢/١/١٩٥٩ حيث ّ نص القانون الجديد على ما يأتي: “التعليم إلزامي في مرحلة التعليم الاساسي ومتاح مجانا” في المدارس الرسمية وهو حق لكل لبناني في سن الدراسة لهذه المرحلة، تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء شروط وتنظيم هذا التعليم المجاني الالزامي”، وانطلاقا من أن وزارة التربية والتعليم العالي هي اليوم في مرحلة الإعداد والتحضير لتطبيق القانون الجديــد، بادر المركز التربوي للبحــوث والإنماء إلـــى إجــــراء هــــذه الدراســـة تحت عنـــوان «نحو تطبيق الإلزامية على الأولاد غير الملتحقين بالتعليم في لبنان من عمر ٦-١٥ سنة.
من هنا لا بد بالدرجة الاولى إعادة هيكلة هذه القوانين بشكل يتلاءم مع العصر ومع ما وصلت إليه الأنظمة التعليمية في العالم.
من القوانين التي يجب على الدولة اللبنانية إصدارها، قانون الشراكة مع القطاع الخاص التعليمي حيث يمكن الإستفادة من الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها هذا القطاع في عملية التطوير سواء في المناهج أو في تخفيض التكلفة عبر الادارة الصحيحة والكفوءة لهذا القطاع.
أيضا” من القوانين التي يجب على الدولة اللبنانية إصدارها هو قانون إنشاء بنك القرض الطالبي أو دمجه مع بنك الإسكان ضمن بنك واحد يجري تعديل إسمه ليصبح قرض التسهيلات للمواطنين فيشمل التعليم والسكن والطاقة، على أن يعطى القرض بالليرة اللبنانية وبفائدة لا تتجاوز ١ بالمئة لتغطية تكاليفه فقط.
أما عن التمويل والإدارة فلا بد من إصدار قوانين بالأمور التالية:
– قانون تحويل كل أنواع الغرامات، المالية، السير، القضائية لمصلحة هذا البنك.
– قانون تحويل ايرادات الإستثمار الناتجة عن تلزيم هذا القطاع الى القطاع الخاص لمصلحة هذا البنك.
– قانون القرض التعليمي والذي يبين كيفية تسديده والوقت المحدد للتسديد وحالات الإعفاء من التسديد.
– تخصيص جزء من الموازنة والتي كانت مخصصة لوزارة التعليم والتربية لمصلحة هذه البنك.
– قانون بتشكيل لجنة الرقابة النوعية والمالية على هذه المؤسسات وتكون وزارة التربية وصية على هذه اللجنة ويتم تحديد طريقة عملها وأنواع التقارير التي يجب إصدارها بشكل دوري.
– وضع دفتر شروط واضح يتضمن قيمة الإستثمار، مدتها، الكفالة، غرامات عدم الإلتزام بالشروط، تحديد الأقساط بالتوافق مع وزارة التربية والتعليم العالي، التقرير التقييمي السنوي، المناهج التعليمية المطلوبة.
الإداري:
لا بد للإنطلاق بهذا المشروع الإستراتيجي ان يتم وضع خطة عمل إدارية لكي تكون الامور واضحة ومفهومة ولا يتم عرقلتها بالروتين الاداري والبيروقراطية المعتادة من القطاع العام.
لأجل ذلك يجب تشكيل لجنة عمل من خبراء في هذا المجال تضم خبراء بالقانون، خبراء بالتعليم الاساسي والجامعي خبراء بعلم الإدارة، وخبراء بعلم المال وتكون مهمتها إصدار التوصيات بالقوانين المطلوبة، اللجان المطلوب تشكيلها، ووضع تقارير دورية حول عملها لعرضها على مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات المناسبة.
كما انه يجب ان يتم تطبيق هذه الخطة بشكل متدرج حتى لا يتأذى من التطبيق الطلاب والكادر التعليمي، كما يجب الأخذ بالحسبان مصلحة هذا الكادر حتى ولو اضطرت الحكومة الى دفع تعوضات كريمة لهم لدمجهم بالمشروع الجديد.
الهدف:
ان الهدف الاساسي لهذا الطرح والمشروع تحقيق ما يلي:
– مصلحة المواطن في الحصول على ما يريده ومنفعة من خلال ترك الخيار له في اختيار النظام التعليمي والبرنامج التعليمي الذي يريده وبالسعر الذي يريده مع منحه القدرة المالية على الاختيار.
– مصلحة الإقتصاد الوطني بحيث يتم خفض موازنة التعليم الى أقل من النصف وبالتالي التخفيف من ضغط كلفة التعليم على الموازنة والإقتصاد المنهك أساسا”.
– مصلحة التعليم نفسه لأنه سيحسن من أداء هذه المؤسسات مع وجود رقابة خاصة ومن نوع آخر نجحت الوزارات في فرضها عندما تكون الجهات المراقبة هي للقطاع الخاص بينما فشلت تماما” عندما كانت الجهات المراقبة تنتمي للقطاع العام.
– سيصبح الشعب اللبناني كله مدين للدولة اللبنانية وهذا سيعزز الإنتماء للوطن وسيجبر حتى من يهاجر للخارج على تسديد مستحقات الوطن وبالتالي فإن كلفة التعليم والتي غالبا” ما يتحملها الوطن ليستفيد منها بلد الهجرة سنكون بذلك حملناها لبلد الهجرة.
– سيخلع الشعب اللبناني عنه كلفة النازح واللاجئ اللذين يكلفان الدولة اللبنانية والشعب اللبناني أكثر من ثلاثبن بالمئة اليوم من حجم موازنة التعليم.
أخيرا نأمل من الدولة اللبنانية والكتل النيابية قراءة هذه المقترحات بعين المسؤولية التي يجب ان نحملها اتجاه أبنائنا في المستقبل واتجاه وطننا الذي يغرق نتيجة للفساد والهدر الذي ينخر جسم الوطن.