الأمل بالكهرباء قائم ولكن..
بقلم الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش
ماذا بعد رفع التعرفة وتركيب أكثر من عشرين بالمئة من اللبنانيين حتى نهاية العام الحالي نظام للطاقة الشمسية؟
يجري التحضير سريعا” لزيادة تعرفة الكهرباء بحدّ أدنى يبلغ 16 ضعفاً وحدّ أقصى يبلغ 36 ضعفاً، مع وعود بزيادة عدد ساعات التغذية اليومية بالتيار الكهربائي من 4 ساعات حالياً إلى 10 ساعات. لكن هذه التحضيرات تتغافل، جهلاً أو عمداً، حجم الانخفاض في الاستهلاك المتوقع نتيجة لرفع السعر وهذا الامر طبيعي وقد رأينا عدة أمثلة تؤكد على هذا الانخفاض ومنها استهلاك كميات البنزين والمازوت نتيجة لرفع الدعم وارتفاع الاسعار بشكل مضاعف خلال الثلاث سنوات الماضية (مليون طن).
السنة المازوت البنزين
2019 5.12 2.1
2020 4.11 1.8
2021 3.11 1.7
نسبة الانخفاض منذ العام 2019 تبلغ 39.25 بالمئة ومتوسط معدل الانخفاض السنوي للمازوت 19.62 بالمئة.
نسبة الانخفاض منذ العام 2019 تبلغ 19.04 بالمئة ومتوسط معدل الانخفاض السنوي للبنزين 9.52 بالمئة.
من المتوقع استمرار أنخفاض الاستهلاك وبنفس الوتيرة خلال العام 2022 نظرا” لارتفاع الاسعار العالمية وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية بالنسبة لمادتي البنزين والمازوت.
أن استبدال اللبنانيين لكهرباء المؤسسة واشتراك مولد الكهرباء بالطاقة الشمسية وبنسبة يمكن ان تصل في نهاية العام 2022 الى حدود 20 بالمئة سيضاعف بشكل كبير من اخفاض استهلاك مادة المازوت، كما سيضاعف من نسبة استهلاكه لكهرباء مؤسسة كهرباء لبنان.
يقدّر المتوسط السنوي للطلب على الطاقة بحوالي 2650 ميغاوات قبل الازمة، فيما كان يبلغ اجمالي كمية الكهرباء المنتجة والمشتراة 2300 ميغاوات ينزّل منها هدر فنّي نسبته 13% عند النقل والتوزيع، وتوزّع 2000 ميغاوات على المقيمين في لبنان (بمن فيهم النازحون واللاجئون الفلسطينيون) منها 18% سرقة ثلثها للنازحين السوريين. هذا الاستهلاك سينخفض نتيجة لسببين:
السبب الاول: ارتفاع التعرفة المتوقع خلال الفترة القادمة بأكثر من خمسة عشرة ضعف مما سيرفع سعرها بشكل كبير، وهذا الارتفاع من المؤكد سيؤدي الى انخفاض نسب الاستهلاك وبما لا يقل عن نسب استهلاك بقية المواد المحترقة وبنسبة يمكن ان تزيد عن 30 بالمئة، مما سيؤدي الى خفض كمية الكهرباء التي يحتاجها لبنان الى حدود 1855 ميغاواط.
السبب الثاني: تحول اكثر من 20 بالمئة من اللبنانيين نحو الطاقة الشمسية وهذه النسبة سترتفع مع ارتفاع التعرفة مما سيؤدي الى خفض أضافي في الاستهلاك بما يزيد عن 10 بالمئة من صافي الاستهلاك أي بما يوازي 265 ميغاواط ليصبح حجم الانخفاض الكلي يعادل 1060 ميغاوط والحاجة الاجمالية ستكون بحدود 1590 ميغاواط، هذه الحاجة يمكن ان تنخفض مع تخفيض حجم الهدر الفني، السرقة، عدم الدفع، وحجم الهدر التقني.
هل المعامل الحالية يمكن ان تلبي فارق الاستهلاك؟
تبلغ قدرة المعامل القادرة على الانتاج في لبنان اليوم حوالي 1450 ميغاواط لكن ما يوقفها هو القدرة على التمويل والصيانة، هذه المعامل يمكن ان تعود الى قدرتها الانتاجية الطبيعية فيما لو تأمنت هذه العناصر وبالتالي تصبح هذه المعامل قادرة على تغطية أكثر من 80 بالمئة من الحاجة المستقبلية للبنانيين من الكهرباء بحيث يمكن ان تصل ساعات التغذية الى اكثر من 18 ساعة يوميا، ويمكن ان يساعد على ذلك ما يتم طرحه حول عزم الحكومة اللبنانية على تنظيم أعادة النازحين السوريين الى سوريا مما سيخفض حجم الاستهلاك السنوي.
هل المطلوب خصخصة الادارة أم ان الدولة قادرة على وقف الهدر، الفساد، السرقة، والضغط على المجمعات حتى تدفع؟
ما يمكن ان يساعد في ملف الكهرباء وخاصة في موضوع الهدر الفني، التقني، وضعف الجباية، هو تلزيم مراحل الانتاج والتوزيع والجباية للقطاع الخاص ضمن دفتر شروط واضح قادر على وقف الفساد، وإلزام المتعهد بالشروط العلمية والموضوعية والتي تمنع التهرب من تحقيق شروط التعاقد ، وتحقق المصلحة الوطنية وعدم هدر المال العام.
ان تلزيم موضوع الانتاج للقطاع الخاص ضمن دفتر شروط واضح يبين المسؤوليات والواجبات يمكن ان يخفض الكلفة بما يزيد عن عشرين بالمئة من ما تدفعه الدولة اللبنانية نتيجة لتشغيل هذه المعامل من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، كما ان تلزيم عملية النقل أيضا” يمكن ان يؤدي الى خفض الهدر التقني والفني في عملية النقل وبنسبة تزيد عن 13 بالمئة، كما ان عملية تلزيم بيع الكهرباء للمستهلك وتحصيل الثمن من المستهلكين سيؤدي الى ضبط عملية البيع والجباية بنسبة كبيرة خاصة بعد ان يتم تحميل المتعهد مسؤولية البيع والجباية والتي تعجز الدولة اللبنانية عن القيام بهذه الوظيفة نظرا” للضغوط الخارجية والداخلية.
هذا التلزيم لا يعني بيع موجودات المؤسسة وأنما أدارتها بشكل فاعل من قبل القطاع الخاص بعد ان فشل القطاع العام في ادارتها، وهذه الادارة يجب ان تتم من خلال دفاتر شروط واضحة تمنع الفوضى، تمنع التهرب من الواجبات، وتفرض غرامات مرتفعة على عدم الالتزام بدفاتر الشروط، كما تمنع الهدر وتعطي الحق للمتعهد دون ان تمنحه حق مطلق في ادارة الموجودات أو حشو المؤسسة بموظفين وعمال لا تحتاجها وبالتالي تضخيم المصارف بشكل يؤدي بها الى الافلاس مجددا.