متفرقات

ما هو دور القوى الصاعدة في المرحلة القادمة؟

كل التحليلات والمعطيات الآنفة والتغيرات الموضوعية منها والإرادوية (النابعة عن تصميم) تؤكد اقتراب نهاية مرحلة دولية عمّرت لعقود ومخاض مرحلة أخرى عنوانها بروز اتجاهات جديدة في السياسة الدولية. ولا شك أنّ الأشهر المقبلة مرشّحة لتحمل تطورات حاسمة. فالصراع بين القوى الكبرى اليوم لا يحتمل استراتيجية الاستنزاف الطويل على غرار ما سبق من حروب عالمية لأسباب كثيرة.

الفترة المقبلة سنكون فيها، إمّا إزاء تصعيد مدروس لينتهي بالتفاوض الكبير في كل الساحات وتخضع فيه أميركا لمنطق الشراكة وتعترف بمصالح الآخرين وتطلعاتهم وقيمهم ونظرتهم للعالم الجديد، وهو ما لا نتوقّعه بحسب العقل الأميركي واستقرائه. وإمّا أنّه على العالم الناهض أن يتهيّأ لمواجهة استراتيجية أميركية مبالغة في الواقعية لا تتوانى من أجل تأبيد هيمنتها عن إضعاف الجميع، بمن فيهم حلفاؤها، بل وحتى التضحية بهم، مقاربة تضع خلفها كل ادعاءات حقوق الإنسان وما تبّقى من قوانين وأعراف طالما وظّفتها لمصالحها – طبعاً كانت سباقة في انتهاكها حين عارضت مصالحها.

وعليه، وإذا كنا أمام لحظة تاريخية فارقة وصفحة جديدة من التاريخ العالمي، فإنّ الكسر التام والنهائي للقطبية الآحادية الذي نقترب منه سيتسم بخطورة بالغة، وهو بالتالي لن يكون، ولا يمكن، ولا تستطيع أي قوة أن تقوم به منفردة مهما كبرت. هو يحتاج إلى تضافر جهود الجميع وتكاملها ويحتاج إلى دفع روح التاريخ كما تقول الفلسفة. هو مسار بدأناه وأحرزنا فيه نقاطاً عظيمة وراكمنا فيه بالكيف والكم ونستمر بزخم أكبر. لكن يبقى للخطوات الأخيرة صعوباتها المحتملة.

نعم، إنّ هذه المعركة بالنسبة للأميركي ومنظومة الهيمنة الدولية معركة زعامة دولية ومستقبل، وبالتالي لن يوفر وسيلة ليستخدمها في هذا الصراع إلّا وسيلجأ إليها. وإنّ أي تقاعس وتردد من قبل المناوئين لأميركا سيؤدي إلى استعادة الأميركي زعامته وتأبيد هيمنته في هذا الوقت المستقطع من الزمن.

إنّ ترسيم نفوذ القوى الصاعدة وتلك المتراجعة، والصيغة الدولية الجديدة لن تمرّ بالحوار الشكلي غير المتكافئ، إنّما بالقوّة والإرغام وفقط، وبإعداد العدّة للمواجهة والجاهزية التامة لخوض الصراع. فنحن في عالم لا يعرف منطق الحق ولا الاعتراف بحقوق الآخر ولا بقبول التنوّع كما تسوّق الليبرالية والديموقراطية الغربية، ولم تعد تفيد حيل استخدامهم مصطلحات الأسرة الدولية وغيره. فهل أكثر من نصف البشرية وأعرق حضاراته وتجاربه البشرية وأكثر من نصف اقتصاده ليسوا من حظيرة المجتمع الدولي؟ أم أنّ ذلك حكر على الغرب؟ يكفينا ما زل به كبير الاتحاد الأوروبي أخيراً شاهداً على حقيقتهم.

وعليه، فإنّ أي فعل لقوى ناهضة مهما صغرت أو كبرت يجب أن يرتبط فعلها بما هو أبعد، يجب أن يرتبط بكسر الهيمنة ويصب فيها. فلا يفترض أن ننظر إلى حقوقنا من منظورها الضيق في عالم يتعقّد ويتداخل، إنّما من الزاوية الأوسع. ويبادر إلى تقديم معالم خطاب مقنع لمرحلة «ما بعد»، «ما بعد الديموقراطية الليبرالية»، لملاقاة حاجة البشرية على أنقاض فشل تجربة «نهاية التاريخ».

عوداً إلى محور المقاومة وروسيا الاتحادية والصين؛ نظن أنّ ما أنجزته المقاومة الإسلامية على طول الطريق وصولاً إلى «الاستخراج مقابل الاستخراج»، وأدّى إلى إطار الترسيم، هو جولة في صراع وجودي مع العدو الصهيوني وخطوة في مسار كسر الآحادية الأميركية من بوابة إسرائيل كأبرز أداة هيمنة أورو-أميركية، ونقطة قوة للبنان، وتعزيز لسيادته، وترجيح لموقعه ودوره في الميزان الاستراتيجي، ومكسب يضاعف من شرعية المقاومة ومكانتها في البيئتين الداخلية والإقليمية ويقوي نموذجها.

وإنّ ما تذكره الصحافة والحكومات الغربية إذا ما صح عن تعاون عسكري إيراني–روسي متنام، فضلاً عن ذلك الاقتصادي، يعدّ قراراً سياسياً كبيراً، وليس حسبة اقتصادية أو عسكرية. قرار لا يمكن فصله عن رؤية إيران للصراع مع الهيمنة الأورو-أميركية وضرورة كسرها في كل ساحات المواجهة والمنازلة بما يتكامل والمصالح الوطنية والسيادية. وما صدر عن مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير من مواقف أعاد الاعتبار للجيوسياسي والأمني، بعدما استقرّت المقاربة الصينية على الجيواقتصادي لفترة طويلة، وما تلمّسناه من تنقية لشوائب وعوالق في التعاطي مع أميركا وهيمنتها ومواجهتها. كل ذلك يؤكد لنا أن القوى الناهضة مدركة وعارفة لطبيعة المرحلة والمطلوب فيها من تآزر حصيف وتلازم مصالحها الوطنية مع الصراع الأكبر على النظام الدولي القائم، ولن تتكرّر تجربة كيسنجر في أخذ كل قوّة على حدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأخبار

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى