القانون الوضعي أخطر ما في ظاهرة “المثلية”
تناول الزميل علي مراد وهو كاتب صحفي ظاهرة المثلية وتسليط الضوء عليها في هذا التوقيت، فكتب؛
في نفس الوقت الذي يتعرّض فيه تيار العولمة الثقافية لانتكاسات وضربات موجعة على يد المحافظين في المجتمعات الغربية (مثلاً قرار المحكمة العليا الأميركية بتجريم الإجهاض)، يُعاد طرح «المثلية» في مجتمعاتنا من قبل أتباع وأذرع تيار العولمة الثقافية، ومن خلفهم سفارات واشنطن في منطقتنا.
طبعاً لا شيء يصدر عن هؤلاء بريء أو أن التوقيتات عندهم تأتي صدفة. بالنسبة لهم، أول خطوة يصنّفونها كنجاح تحصل عندما يفرضون إثارة الموضوع، فبمجرد أن يفرضوا الحديث في الفضاء العام، وأن يتفاعل مع القضية أغلب الناس، يعتبرون أنهم حققوا «خطوة في طريق الألف ميل».
لنحاول فهم أساليب عمل هذا التيار ينبغي العودة إلى التاريخ قليلاً والاطلاع على ما طرحه أوائل المنظّرين لتشريع ظاهرة المثليين. حتى القرن التاسع عشر، كانت أوروبا تجرّم المثلية وتعاقب عليها، مع اختلاف العقوبة من بلد إلى آخر. بعد عام 1776 وما سُمِّي «الثورة الأميركية»، بدأ يتبلور ما عُرِف لاحقاً بالتيار الليبرالي. كان الفيلسوف والخبير القانوني البريطاني «جيريمي بنثام» (الصورة) من جملة الشخصيات التي ساهمت في بلورة الأفكار الليبرالية حول الهوية الجنسانية، حيث طرح أفكاراً – من الباب القانوني – للمطالبة بإسقاط عقوبة المثلية.
جادل بنثام بأن أيّ جرم لكي يستحق فاعله العقوبة يجب أن يكون هناك ضحية لهذا الجرم. ووفقاً لفلسفته، بما أن فاعل اللوا.ط لا يؤذي الآخر، فعملياً لا تقع الجريمة، لأنّه لا يوجد ضحية قد ارتُكِب بحقها الجرم. جيريمي هذا كان يراسل قادة أميركا الذين يسمّيهم الأميركيون «الآباء المؤسسون»، ويُقال بأنّه أثّر بأكثر من رئيس حكم أميركا منهم توماس جيفرسون.
المهم أن جيريمي بنثام هذا نجح باستقطاب الكثيرين لتبنّي آرائه، وكانت مقالته التي صدرت عام 1785 بعنوان «Offences Against One’s Self: Paederasty» أول وثيقة تطالب بإلغاء تجريم المثلية الجنسية في بريطانيا حينها. لم يُنشر المقال حتى عام 1931، عندما ظهر جزء منه لأول مرة مطبوعاً. تم نشر المقال الكامل أخيرًا عام 1978.
ليس هذا أخطر ما خرج به بنثام، فقد تبيّن مؤخّراً (2013) بأنّه كتب مجموعة مقالات جُمِعَت في كتاب عنوانه «Not Paul, but Jesus» اتّهم فيه المسيح عليه السلام بأنّه لم يمانع تقبّل المثليين فحسب، بل أنه (والعياذ بالله) مارس المثلية بنفسه! المهم أن بنثام نجح في التأثير في مجتمعه ومجتمعات أخرى في أوروبا وأميركا، ويُعَدُّ اليوم لدى تيار العولمة الثقافية في بريطانيا وأميركا الأب الروحي لتشريع المثلية في المجتمعات، وتقدّسه مجتمعات وحركات المثليين.
العبرة هنا هي أنّ من أخطر أبواب تشريع وجود المثلية وجعلها ظاهرة طبيعية، القانون الوضعي. لذلك نجد أنّ الليبراليين ذهبوا إلى المؤسسات الدولية وفرضوا على المجتمعات البشرية الاعتراف بما تسمّى «حقوق المثليين» من ضمن حقوق الإنسان في القانون الدولي الإنساني. واليوم، أبرز المستشرسين في الدفاع عن وجود وانتشار المثلية في مجتمعاتنا الشرقية يملك مفكرات قانونية ومنظّمات حقوقية قانونية. هنا ينبغي الالتفات إلى أنّ مؤسسات جورج سوروس (المجتمع المنفتح) تموّل بشكل مباشر جمعيَّتَين للمثليين في بلدَين عربيَّين حصراً هما لبنان وفلسطين المحتلة (الضفة الغربية). هل هي مجرّد مصادفة؟ ولماذا هذان البلدان فقط؟