هوكشتاين يضحك أولاً.. الإسرائيلي يبكي أخيراً !
داوود رمال
لم يحضر الموفد الاميركي اموس هوكشتاين الى “بلد العجائب غير السارّة” تلبية لرغبة لبنانية، وان كان حرّك “أدوات لبنانية” لخلق الظرف المناسب والعاجل والمُبرر للقدوم، فهو وصل على وجه السرعة بمهمة وحيدة: انتزاع موقف رسمي لبناني (أكان خطيا ام شفهيا) بأن حقل كاريش خارج المنطقة المتنازع عليها، حتى يتسنى لشركة “انرجين باور” استخراج الغاز منه، وبذلك يكون قد نجح في اتمام مهمته.
يعتقد أموس هوكشتاين انه اذا سمع من المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم مطالبتهم بالخط ٢٣ اضافة الى حقل قانا دون أي ذكر للخط ٢٩، يكون بذلك قد حصل على اعتراف ضمني منهم بأن لبنان “الرسمي” لا يعتبر حقل كاريش حقلا متنازع عليه، وبذلك يكون قد أفرغ موقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة من مضمونه، والذي منذ تم الدفع بملف الترسيم البحري اعلن الوقوف خلف الدولة في ما تراه حقا لبنانيا سياديا وحافظا للثروة الوطنية، والامر ينطبق على حقلي كاريش وقانا باعتبار الاول يقع في منطقة متنازع عليها والثاني هو حق سيادي خالص للبنان، وبالتالي يسمح للمقاومة استثمار توازن الرعب والردع في عملية منع شركة “انرجين باور” من استخراج النفط والغاز منه قبل بدء لبنان عمليات التنقيب للاستكشاف ومن ثم الاستخراج في مياهه البحرية الاقليمية والخالصة.
اعتقد هوكشتاين أنه نجح في اتمام مهمته الاساسية، وهذا الاعتقاد مرده أن هناك من قرر إخفاء الحقيقة المثبتة بالوثائق الرسمية والخطية في الداخل وفي الأمم المتحدة والموقعة والمرسلة من قبل المسؤولين اللبنانيين. هؤلاء زودوا “الوسيط” الاميركي بأوهام ووعود مع علمهم التام بالحقيقة الخطية المخفية قسرا، وهي عبارة عن وثائق ووقائع دامغة تستند اليها المقاومة في لبنان وتعتبرها معبرة عن موقف الدولة الرسمي والتي تؤكد ان حقل كاريش متنازع عليه، وبالتالي يحق للمقاومة منع شركة “انرجين” من استخراح النفط والغاز منه قبل التوصل الى حل عادل يتبعه السماح لشركات النفط العالمية من التقدم للعمل في المياه اللبنانية ورفع اجراءات المنع عنها. وقبل عرض هذه الوثائق لا بد من تبيان استعلاء هذا “الوسيط” هوكشتاين ومحاولة كي وعي الشعب اللبناني من خلال ما ذكره في مقابلته على تلفزيون “الحرة” بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين: ١- عبّر بانه لا يستند في وساطته الى القانون الدولي، فهو يقول جهارة انه لا يحق للبنان المطالبة بحقه حتى لو كان هذا الحق يستند الى المنطق والقوانين الدولية المرعية الإجراء . ٢- ذكر انه على لبنان ان يقبل بالحل لكى يبدأ باستخراج النفط والغاز، وهو يعلم ان لبنان فتح دورة التراخيص الثانية في كل البلوكات النفطية من ضمنها البلوكات غير المتنازع عليها، الا انه لم تتقدم اي شركة حتى الان، وبذلك فهو يعترف ضمنيا بأن ادارته هي التي تضغط على هذه الشركات لمنعها من العمل في المياه اللبنانية وحتى في تلك البعيدة عن مناطق النزاع. وهنا يتبين لجميع اللبنانيين ان من يحرم لبنان من الطاقة التي يتحدث عنها في كل مرة، والتي يقول ان لبنان بحاجة لها، هو ذاته هذا الوسيط غير النزيه الذي يستطيع الضغط على هذه الشركات، وبات يعلم كل لبناني اليوم ان هذا المنع حكما هو بقرار أميركي.
٣ -يغرينا هذا الوسيط بكلامه عن قرب استجرار الغاز والكهرباء من مصر والاردن المدفوعة الثمن من جيوب اللبنانيين ان حصلت وعبر الاستدانة من البنك الدولي، ويعترف انه لغاية الان لم يحصل على اذن بذلك من الكونغرس الاميركي، وهو يتمنى ان يحصل على هذه الموافقة بعد تقديم مرافعته امام مجلس الشيوخ في اميركا قريبا. وهو بذلك يغدق الوعود الوهمية، ويريد منا كلبنانيين التنازل، ولا يملك قرارا واضحا وصريحا من ادارته بالسماح باستجرار الغاز والكهرباء من مصر والاردن لتأمين التغذية الكهربائية لساعتين او ثلاث في اليوم الواحد. لا بل يريد ان يحرمنا من حقنا باستخراج النفط، مقابل حفنة من الدولارات التي ستكون دينا ثقيلا على لبنان. هل هذه نزاهة “الوسيط”؟ ما لم يفصح عنه اموس هوكشتاين في مقابلته التلفزيونية، حاول اقناع بعض النخب في خلال لقاءاته الجانبية معها لمنعها من متابعة المطالبة بالخط ٢٩، ومما تضمنته تبريراته: ١- المطالبة بالخط ٢٩ من قبل بعض المجموعات يعطي حجة لحزب الله للتمسك بسلاحه وهذا ما يعارضونه، وهو يعلم تماما ان من يمنع الجيش اللبناني من الحصول على ابسط انواع التسليح التي تمكنه من الدفاع عن حقوقه، هو الذي يعطي الحجة للمقاومة لأجل التمسك بسلاحها، وليس من يتبنى الخط ٢٩. 2- يقول هوكشتاين ان حقل قانا، ووفقا للمسوحات الاسرائيلية، هو حقل محتمل ولا يمتد الى جنوب الخط ٢٣ وقد لا يحتوي على كميات واعدة من النفط والغاز كما يدعي البعض، الا انه يجهل ان لبنان لديه مسوحات رسمية تبين امتداد هذا الحقل الى جنوب الخط ٢٣، وهو يريدنا بذلك ان نصدق المسوحات الاسرائيلية وليس اللبنانية. أما بالنسبة لحجم الكميات المتوقعة في هذا الحقل فستبينها عمليات الإستكشاف والحفر والتنقيب والإستخراج، ومهما تكن هذه الكميات فلبنان لن يتنازل عنها لأنه يريد ترسيما بحريا مستندا الى القانون الدولي. فإذا اعتقد هوكشتاين انه نجح بتحييد حقل كاريش، ولم يستطع الانتظار قليلا لحين عودته الى بلاده للبدء بالحديث وبابتسامة استعلائية وتوهين مقصود يهدف الى التقليل من الطرح اللبناني، فهذا يدل على الاستخفاف بالقدرات المحققة للبنان المستندة الى توازن ردع، وايضا هو يستخف بوعي اللبنانيين لهذا الملف الذي أشبع شرحا، وهو لا يعلم ان وعي الشعب اللبناني بات عصيا على الكي والتعمية التي يتبعها هو وبعض معاونيه في الداخل، فالشعب بات يعرف كيف ومتى يدافع عن حقوقه، فإذا كان لهوكشتاين مشكلة مع سلاح المقاومة، فليعالج هذا الموضوع معها وليس عبر سرقة ثروة لبنان لصالح العدو، وعبر الضغط على الشركات والدول ومنعها من مساعدة لبنان.
أما عندما يجزم السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة انه سيمنع شركة “انرجين” من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش، فهو يستند بذلك الى وثائق خطية صادرة عن المسؤولين اللبنانيين، لا يمكن ان تطمسها او تلغيها الوعود الشفهيه ولا اخبار وتمنيات الفريق الذي يعاون هوكشتاين في وساطته في ملف ترسيم الحدود البحرية. فما هي هذه الوثائق الدامغة التي يستند اليها السيد نصرالله وتجعل من حقل كاريش حقلاً متنازعاً عليه من وجهة نظر القانون الدولي، والتي تبنتها الدولة اللبنانية وتمنع العدو من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش لحين بدء التنقيب في حقل قانا المحتمل وغيره من البلوكات اللبنانية؟
هذه الوثائق هي: ١- بيان رئيس الجمهورية الخطي بتاريخ ٢٠٢٠/١٠/١٣ والذي اعطى بموجبه توجيهاته للوفد المفاوض ببدء المفاوضات انطلاقا من الخط ٢٩، وهذا ما جعل حقل كاريش متنازعا عليه من وجهة نظر الدولة اللبنانية، ولم يصدر اي بيان رسمي عن رئاسة الجمهورية يناقض هذا البيان. ٢- رسالة لبنان الى الأمم المتحدة رقم ٥/٣٦٣٧ تاريخ ٢٠٢١/٩/٢١ والتي اكد فيها لبنان على الخط الذي طرح في مفاوضات الناقورة (الخط ٢٩) والتي حذر لبنان بموجبها اسرائيل من مغبة متابعة العمل في المناطق المتنازع عليها. ٣- كتاب رئاسة الجمهورية رقم ٤٤٧/ص تاريخ ٢٠٢١/١٢/٢٠ الى وزارة الخارجية والذي على اساسه تم توجيه رسالة رسمية الى الأمم المتحدة بتاريخ ٢٠٢٢/١/٢٨ بناء على توجيهات الحكومة اللبنانية والتي اعتبرت ان حقل كاريش متنازع عليه، وتؤكد هذه الرسالة ان لبنان سوف يعدل المرسوم ٦٤٣٣ في حال فشلت المفاوضات من التوصل الى حل عادل ومستند الى القانون الدولي. ٤- اتفاق الاطار الذي لم يحدد اي خط كما يحاول البعض ان يلبسه الخط ٢٣، هذا الاتفاق اكد على مبدأ الترسيم الذي يستند الى القانون الدولي، والى اجراء المفاوضات في الناقورة وليس كما يفعل اموس هوكشتاين بجولاته المكوكية التي تسعى الى اضاعة الوقت. وبالتالي اتفاق الاطار يطالب بالخط القانوني الذي رسمته المصلحة المختصة في لبنان والتي استندت على القانون الدولي وعلى مبدأ الترسيم المعتمد عالميا والذي ادى الى اعتماد الخط ٢٩ كمنطلق للتفاوض. ٥ – كتاب رئاسة الحكومة رقم 647/ص تاريخ ٢٠٢٢/٥/١١ الذي صدر بناء على المعلومات المتوافرة حول وصول سفينة الانتاج “انرجين باور” الى حقل كاريش، حيث اعتبرت رئاسة الحكومة في كتابها وبصراحة ان حقل كاريش متنازع عليه مع العدو الصهيوني وتطلب من الوزارات المعنية الافادة عن الاجراءات المتخذة لمنع العدو من محاولات التعدي على ثروة لبنان البحرية. 6- اقتراحات تعديل القانون 163 تاريخ 18/8/2011 التي تقدم بها عدد من النواب لاعتماد الخط 29 في مجلس النواب اذا تعذر تعديل المرسوم 6433. صرح آموس هوكشتاين، انه سعيد جدا لسماعه ولأول مرة بموقف موحد من المسؤولين اللبنانيين حول ملف ترسيم الحدود البحرية، واعتقد ان هذا الموقف حيّد حقل كاريش عن منطقة النزاع مقابل اعطاء وعود وهمية بالحصول على فتات موعود من الغاز والكهرباء من مصر والاردن، ومقابل السماح بمناقشة موضوع حقل قانا مع العدو الاسرائيلي الذي لن يقبل بالتنازل عنه ما دام الخط ٢٣ في الامم المتحدة، لكن حتى الان يعتبر موقف لبنان الرسمي موحدا منذ انطلاق المفاوضات ولا يزال لهذه اللحظة، والبرهان على ذلك المستندات الدامغة المذكور بعضها اعلاه، وان الفريق الذي كان يعاونه كان يبيعه التصاريح والاخبار والتحليلات التي يرغب في سماعها والبعيدة كل البعد عن الواقع الذي عبر عنه السيد نصرالله في اطلالته الاخيرة وخلاصته “أن لا إستخراج للنفط والغاز من حقل كاريش قبل بدء التنقيب عن النفط والغاز في مياهنا”، وسلاحه بذلك هو موقف الدولة الرسمي المعلن بالوثائق داخليا والمرسلة الى الأمم المتحدة. اما قول اموس هوكشتاين بأن لبنان ليس لديه شيء، وانه يجب ان يقبل بأي شيء يعرض عليه وهذا مربح له، فلا يخفي أن العدو في ورطة، وأن كل استثماراته بمليارات الدولارات في حقل كاريش هي في خطر حقيقي وليس دعائياً. فالوقت ليس في مصلحة العدو ولا ينفع سوى التمسك بالحقوق بالاستناد الى معادلات القوة التي سبق واستند عليها رئيس الجمهورية الأسبق العماد اميل لحود في معركة التثبّت من اتمام الانسحاب الاسرائيلي عام 2000.
المصدر : موقع 180post