ماذا بعد سيفيرودونيتسك؟
منذ الأسبوع الفائت، وقبيل اعتراف رئاسة الأركان الأوكرانية أوّل من أمس بأن قوّاتها انسحبت إلى خارج مركز المدينة، بدت سيفيرودونيتسك ساقطة بالمفهوم العسكري. فالقوّات الروسية دخلت إلى وسطها منذ خمسة أيام على الأقلّ، بعد حرب شوارع ضارية أدّت إلى تقهقر الأوكران وانسحابهم باتّجاه ليسيتشانسك وتحصّن بعض وحداتهم في المنطقة الصناعية عند مربّع مصنع أزوت. وعلى إثر ذلك، شنّ هؤلاء سلسلة هجومات مضادّة، في محاولة للتغطية على انسحاب معظم تشكيلاتهم غرباً. ومع نهاية الأسبوع، تمكّن الروس من دحر تلك الهجمات، وتثبيت مواقعهم في أنحاء المدينة ومرافقها الأساسية، تمهيداً للتقدّم منها نحو ليسيتشانسك، والتهيئة للسيطرة على سلافيانسك. وكان انتزاع سفيتاغورسك، خلال الأسبوع الماضي، آذن بانطلاق معركة سلافيانسك، بعدما تمكّنت القوات الروسية من نقل تشكيلات قتالية إلى الضفة الغربية لنهر سيفيرسكيدونيتس، الذي شهدت محاوره كافّة تراجُعاً للأوكران.
وعلى إثر هذا العبور، دمّرت القوات الروسية كلّ المعابر والجسور التي كانت تستعملها نظيرتها الأوكرانية لعبور نهر سيفيرسكيدونيتس من ليسيتشانسك باتجاه المنطقة الصناعية في سيفيرودونيتسك، وآخرها «جسر الحياة» المؤدّي إلى مصنع أزوت. وبذلك، فإنّ القوّة الأوكرانية المتبقّية في محيط المصنع تُقدَّر بـ500 عنصر محاصَرين بالكامل، وقد يستحيل عليهم سحب معدّاتهم و آلياتهم العسكرية، خصوصاً أنه لم يَعُد ممكناً دعمهم من ناحية الغرب. وبالتالي، فالخيار الوحيد أمامهم هو الانسحاب عبر النهر بواسطة قوارب صغيرة. وتحوز سيفيرودونيتسك أهمّية كبرى؛ فهي تشكّل مع ليسيتشانسك اتّجاهاً مفصلياً وعُقدة أساسية في مربّع تموضع التشكيلات الأوكرانية المُمسِكة بمحاور وسط الدونباس، والتي جرى شطرها إلى قسمَين، تمّ عزلهما عن بعضهما البعض. ومن هنا، يتوقّع الخبراء العسكريون الإعلان قريباً عن السيطرة على كامل محور بوروفسكوي، ومناطق تقع جنوب سيفيرودونيتسك، حيث بدأت القوات الروسية تقدُّمها بالفعل، وحقّقت إشرافاً بالنار على الضفاف الشرقية لنهر سيفيرسكيدونيتس، من دون التموضع عليها، بالنظر إلى أن الضفاف الغربية المقابلة مرتفعة وكاشفة، و يمكن أن تستفيد منها القوات الأوكرانية لاستهداف نظيرتها الروسية المتقدّمة من الشرق.
وبالانتقال جنوباً نحو محور باباسنايا في «جمهورية لوغانسك»، تُحرز القوات الروسية، وتلك الحليفة لها، مزيداً من التقدّم عن طريق القضم البطيء المنتظم لمواقع سيطرة القوات الأوكرانية (بمعدّل 100 إلى 200 متر فقط يومياً)، وذلك بسبب كثافة وفعّالية التحصينات الأوكرانية المجهّزة منذ سنوات. وإذا كان الهجوم الروسي على محور سيفيرودونيتسك – ليسيتشانسك يتحرّك من الشرق والشمال نحو الجنوب، فإنه في باباسنايا يتحرّك من الجنوب إلى الشمال، حيث وصل الروس إلى محيط فروبوفكا ونيركوفا ونوفوإيفانوفكا، في ما يؤشّر إلى استمرار تضييق الخناق على دائرة تموضع الأوكران في قلب الدونباس. ويكاد الوضع لا يختلف في محاور زولوتوي وغورسكوي، حيث يتّسم التحرّك الروسي بالبطء والثبات في الآن نفسه، فيما أبلغت أركان القوات الأوكرانية قيادتها في كييف، منذ أربعة أيام، بأنها قادرة على الإمساك بحدود سيطرتها الحالية في تلك المحاور لعشرة إلى خمسة عشر يوماً فقط. أمّا في ما يختصّ بمحاور الدونباس الأخرى ضمن حدود «جمهورية دونيتسك»، فالتمهيد المدفعي والجوّي الروسي مستمرّ، فيما تُلحَظ محاولة الأوكران استدراج الروس من محيط باباسنايا ومحاور سيفيرودونيتسك – ليسيتشانسك لتخفيف الضغط عن قواتها المتقهقرة هناك، إلى محاور غورلوفكا وأفدييفكا وماكييفكا (بالقرب من مدينة دونيتسك)، حيث نَصبت القوات الأوكرانية خطوطاً دفاعية محصّنة خلال ثماني سنوات متواصلة.
وفي اتّجاه زاباروجيا، تمّ رصد هجوم أوكراني مضادّ خلال الأسبوع الفائت، فشل في تحقيق أهدافه، كما حصل سابقاً في خيرسون، وتكبّدت القوات الأوكرانية من جرّائه خسائر دفعتها إلى الانسحاب إلى مواقعها السابقة. أمّا في محيط مدينة خاركوف وضواحيها، فقد سُجِّل بالأمس تقدّم روسي في الاتّجاه الشمال الشرقي المؤدّي إلى تشوغويف، التي كانت القوات الروسية ركّزت نيرانها عليها، بما يُشير إلى تطوّر خطّة الإطباق على ضواحي خاركوف من الجنوب الشرقي والشمال الغربي، علماً أن أيّ تقدُّم محوري في هذا الاتّجاه لن يبدأ إلّا بعد إقفال ملفّ سيفيرودونيتسك – ليسيتشانسك. وبعدما شهدت المنطقة مواجهات مدفعية كثيفة خلال محاولة تقدُّم أوكرانية عند نقطة ديرغاتشي، جرى إفشالها أيضاً، أفيد أمس عن نجاح الأوكران في إعادة نصْب جسر في محيط تشوغويف يسمح لهم بتهديد الروس في محيط بالاكلي، وسط توقُّعات بأن تشهد الأيام القليلة المقبلة محاولات هجوم جديدة، يرى الخبراء أنها يمكن أن تُطيل وقت الحسم الروسي، لكنها لن تمنعه.
الأخبار