متفرقات

الراعي والقطيع!

قارب وزير الخارجية السابق الدكتور عدنان منصور بين السياسي اليوم والراعي الذي يعمد الى تقديم القليل لقطيعه بعد تجويعه كي يبقى متحكما به، داعيا الناخبين الى اختيار المرشح المناسب واللائحة الافضل. وكتب في مقاله بعنوان الراعي والقطيع ما يلي:

ٱن الاوان للراعي ان يجمع قطيعه الوديع، بعد ان قام عمدا بتعطيشه، وتجويعه. فهو الان وقد راى أن الوقت قد حان، مستعد وحاضر بكل جهوزية وحمية، ليأخذه الى المعلف ويقدم له كل ما يملأ جوفه من العلف، يداعبه، يربت على رأسه، ولا يتردد باخذ صورة تذكارية مع الكراز والحملان.

يأتي القطيع مسرعا شاكرا، ليأكل بنهم وشهية، بما يغدق عليه الراعي من كرم وسخاء، وقد نسى القطيع المسكين، أن الراعي كان وراء تجويعه وتعطيشه.

لا يدري المغفل لجهله وحماقته، أن ما يقدمه الراعي له من علف، ليس الا لأجل قصير، قبل أن يهيئه، ويحضره، ويجره الى الذبح.

ما أشبه الراعي بالزعيم والسياسي في لبنان، عندما يتعاطى مع الحملان. فهو يجوع شعبه، يستغله، ينهبه، يذله، يسرقه في وضح النهار، وبعد اربع سنوات، تثور “حميته” كالبركان، وتتجلى “نخوته”، ويستيقظ “ضميره” الميت في داخله فجأة، ويتفجر في شرايينه الجافة، “الاحساس” و”الشرف”، و”النخوة” و”الإنسانية” و”المسؤولية”.

فيتقرب منه بخبث شديد، ويحتضنه بخبث أشد، ثم يسخى عليه بفيض من ابتساماته المقززة، ووعوده الكاذبة، وشعاراته المنمقة البراقة، المختارة بعناية، ودقة، وببرامجه المطعمة بالخطابات التافهة التي تثير الغثيان في النفس. وبعد ذلك يوزع “كرمه” و”مشاعره ” الفياضة على المقهورين، والمسحوقين، والجائعين، بسلات غذائية، تحتوي على سلع تعبر عن مدى التعاطي القبيح والحقير، والاستخفاف بكرامة المواطن وإذلال للنفس البشرية.

بهذه السلة، و”بقسائم” بنزين ومازوت، ببطاقات تموين للمحظوظين، بمولد كهربائي من هنا ومضخة ماء من هناك، أو بدفع فاتورة طبيب او دواء، او إشتراك في مولد كهربائي طيلة شهر رمضان، أو بمبلغ زهيد من المال… يقوم الزعيم السياسي، والرأسمالي المتوحش، المنتفخ بطنه بالمال الحرام، بشراء أبناء قرية بأكملها، ويشتري معها الناخب الأحمق المغفل، المغلوب على امره، في سوق العبيد، بعد أن يدخله في مزاد شراء الاصوات. يذله، يستعبده، وبعد ذلك يصادره لفترة حدها الادنى اربع سنوات.

في الربيع، يحقق الراعي ما خططه ورسمه من أهداف، ويظفر “بثقة” الشعب وحبه وولائه له، بعد أن يكون قد اشترى ما اشتراه من كبوش البشر، ليفرزهم بعد ذلك، كي يحتفظ بالحملان الجدد الذين ولدوا للتو وابصروا الحياة. يضعهم في قاعة الانتظار، وبهو الاحتياط، حتى اذا ما جاء الموعد بعد اربع سنوات، تتحرك همته مجددا، يعلفهم من جديد، يسد أفواههم على عجل، وبعد ذلك، بحضرهم ويأخذهم الى المسلخ مجددا!

بذلك تستمر دورة الحياة بين الرعاة والقطعان ، دون انقطاع. فاذا ما رحل الراعي، حل مكانه على الفور الوريث الذي اتقن جيدا دوره، وكان الأمين على سلوك، ونهج، وأخلاق والده “العظيمة”، والتلميذ النجيب له.

يموت القطيع، ويأتي مكانه كبش وراء كبش. وما أكثر الكبوش من البشر في بلد، يسلم فيه العبد رقبته طوعا لجزاره، راضيا بوضعه، جاعلا نفسه مطية، راضخا لذله متأقلما مع قهره، يفعل فيه ما يشاء، متقبلا ذله، وعبوديته واستحماره.

الفرق بين القطعان وبعض آشباه البشر، هو أن كل كبش منها منزوع الارادة، لا يعرف مصيره المحتوم ويجهل ما ينتظره على ايدي راعيه. لكن ان يتنازل أشباه البشر، عن حقهم وإرادتهم ويعرفون مسبقا حق المعرفة الأكيدة ما يبيته الزعيم والسياسي لهم في مسلخ الاقتراع، ومدى حجم كذبه ونفاقه، ودجله، ثم يهللون له، يصفقون له، يبجلونه، يهتفون باسمه وحياته ويستميتون في الدفاع من أجله. فهؤلاء ليسوا من أبناء الحياة التي هي وقفة عز وإباء، ولا يستحقونها ابدا. فمكانهم العيش في القاع، وداخل الحفر طالما أنهم جعلوا انفسهم طوعا عبيدا، يسخرون حياتهم الذليلة في خدمة اسيادهم وإقطاعييهم، ومذليهم وقطاع رقابهم وارزاقهم ومستقبلهم. بذلك تصبح العبودية متأصلة في عقولهم، متجذرة في تفكيرهم وسلوكهم، وحاضرة بكل قوة في حياتهم، إذ يعيشون عبيدا، ويموتون عبيدا، ويورثون العبودية لأبنائهم، ليكون لهم من بعدهم، مكانا دائما في قافلة العبيد، لا يغادرونها، ولا يحيدون عنها!

الشعب الذي له صفات الغاز القابل للضغط، والتسييل والاحتراق يستحيل عليه العيش بحرية وكرامة، وتحقيق الحد الأدنى من متطلبات حياته، طالما هو راض بالضغط، والتسييل والاحتراق.

هناك من اللبنانيين، من ارادوا أن يكونوا نموذجا للذل،خانعين للحاكم والزعيم، والسياسي، والمسؤول، وارتضوا أن يكونوا لهم عبيدا، وما بدلوا تبديلا، واكتفوا بالفتات وإن كان قليلا .

أيها المواطن الحر، قم وانتفض، ولو لمرة واحدة، وصفِّ حسابك في صندوق الاقتراع مع من سرقك، ونهبك،

وجوعك، وأفقرك، وعطل القوانين التي تحميك، وهرب امواله وغسلها. فانت تعرفهم واحدا واحدا، وان تلطوا خلف الشعارات البراقة الكاذبة.

انتخب من كان الى جانبك يدافع عن حقوقك، ويواجه الفساد والمفسدين، ويحمي بيتك، ووطنك، وشعبك، وارضك، وسيادتك، فعلا لا قولا، صدقا لا نفاقا. فانت أمام الله وامام ضميرك. فاذا ما حكمت عقلك ستأتي بمجلس يعبر عن ارادتك، ويصون حقوقك ومستقبلك ومستقبل أولادك.

حاسب من اوصلك الى هذا الدرك الأسفل، ومن أوصل البلد بأكمله الى الحضيض، يتندر العالم به وبحكامه، وزعمائه، ومسؤوليه، ومؤسساته.

تحرر من الزعيم الاقطاعي، من شبكة الاحتكارات، دكتاتورية حيوان المال والشركات الحصرية. قم ودس بقدمك على التوريث السياسي ومورثيه وانتفض في وجه المرشح الفاسد، وانتخب الاصلح، لأن صوتك إذا ما صب لصالح فاسد في اللائحة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فإنك بذلك تساهم في تعزيز الفساد، وتعطيه شرعية ليقضي على ٱمالك وٱمال الشعب.

إختر لائحتك غير المطعمة والمدسوسة بلص او ناهب، استغل مركزه في سرقة الشعب والمال العام.

أيها الناخب الحر! إنك تعرفهم واحدا واحدا. فمن سوء حظهم أن بلدنا صغير، فلا مجال لهم للإختباء من سجل حياتهم، وسلوكهم “الباهر”، وتاريخهم “الحافل” وسيرتهم السوداء، فواجههم يوم 15 أيار ليكون لك ولاولادك في ما بعد المكان اللائق تحت الشمس.

إن لم تفعل، فأنت المسؤول، وإلا، لا أمل ولا رجاء منك بعد اليوم للقيام بالتغيير والمحاسبة، وبناء دولة المواطنة تضمن العدالة الحقيقية، وكرامة الانسان!

القرار بيدك، وإلا بعد 15 أيار، لا تشكو ولا تتذمر، ولا تندد ولا تغضب. لا تشتم ولا تلعن، إذا ما ساد في بلد حاكم جائر، وسياسي مراوغ، ومسؤول مقاول، ومشرع قاعس، ومواطن جاهل، وقضاء ينخره أكثر من فاسد، وحاكم لبيت المال سارق، وشعب يذله فاجر، وناخب يبيع صوته بعشر ثمن حمار وهو راض!!

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى