عندما يتباله الغرب…
كتب الاعلامي غسان الشامي
تبدو الذاكرة الغربية مثل غربال بثقوب وسيعة، مع أن أوسخ حرب شهدتها الإنسانية جرت على أرضها وكان وقودها ناسها وحجارتها.
مدعاة هذا الكلام مرور ذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية عابراً وهامشياً في دول الغرب ومقيماً ومركزياً في الذاكرة الروسية.
لقد نسيت أو تناست أوروبا في حمأة تلذذها بسخونة القاع الذاهبة إليه، وجراء الوهم والتعالي المستمر منذ 500 عام من استعمارها ونهبها مخازن وجيوب ومستقبل الشعوب، أن البلاهة والوهم يورثان استعادة المأساة.
أودت الحرب الكونية الثانية بأرواح 70 مليون إنسان بينهم 40 مليون مدني ، نصفهم جراء الأمراض والمجاعات التي رافقت الحرب.. وتعلمون أن الحروب مقرونة بالبؤس والفقر والأمراض.
لكن هذا الغرب اللاهث حالياً لدعم مهرّج أوكراني تلمودي أبله يجهل قواعد لغته، بحجج سخيفة وبدفع من السيد الأمريكي، الذي ينظر إلى أوروبا كـَ ” عاهرة عجوز” تحاول إخفاء أعطابها وتجاعيدها بالمساحيق، تناسى أن الشرق الأوراسي هو من دفع الثمن الأكبر لتحريرها من النازية التي أفصح لاڤروڤ مؤخراً عن أصول هتلرها اليهوية.. تناسوا تماماً أن الروسي دخل برلين وأنه قدّم 26,6 مليون ضحية، أي أكثر من ثلث ضحايا الحرب، وأن الويلات المتحدة الأمريكية النافخة حالياً في كور زيلنسكي وآزوفه، خاضتها للربح فقط وقدمت 290 ألف ضحية، وهذا رقم ،رغم كبره، لا يقاس بعدد ضحايا روسيا وبلدان أوروبا، لكنها قطفت هيمنة على القارة الشمطاء والعالم بلاأخلاقيتها النووية ووساخة الأنكل سام.
صحيح أن روسيا حشدت لعيد النصر هذا العام مظهرة قوتها جراء حربها في أوكرانيا، تحت شعار القضاء على النازيين الجدد، لكن بوتين يعي جيداً أنه يعيد صياغة التاريخ ويمحو خطأ لينين في نفخ أوداج الأرض الأوكرانية التي تحولت إلى غرفة عمليات أمريكية ضد موسكو، كما صحح سابقاً خطأ خروشوف في القرم.
الناظر إلى عيد النصر الروسي يعي تماماً أن الغرب كرّس مقولة الجهتين المتقابلتين المتصارعتين (شرق-غرب) ثقافياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً، لكنه لم يعِ أن الوطنية الروسية قد بلغت خلال عشرين عاماً شأواً بعيداً، بعد أن حاول النظام السوڤيتي طمرها، وأن أبناء وأحفاد ضحايا الحرب العالمية الثانية لن يسمحوا لليانكي بغدرهم ثانية، وأنهم لم ينسوا أن الثمن الدموي الدافق الذي دفعه أجدادهم ( 26 مليون ضحية) كان سبب بقائهم، لا بل أن عنفوانهم عاد إلى زمنٍ هزموا فيه الامبراطور القصير نابليون بونابرت.
روسيا ليست منزّهة وتطهرية، ولا أعتقد أن هناك سياسة محض نزيهة في هذا العالم البشع، ومقاييس السياسة نسبية، لكن عقلها ليس استعمارياً، وقد كان على الغرب والعالم أن يفتح عينيه على مصراعيهما وينظر بجدية بالغة إلى مصلحة مستقبل الروس من خلال مراقبته لمظاهرات الملايين منهم الذين حملوا صور الآباء والجدود الضحايا في الحرب العالمية الثانية يتقدمهم بوتين ، – الذي ارتفعت شعبيته منذ بداية الحرب الأوكرانية من 70 إلى 84 % – ، الذي كان يحمل صورة والده.
كان يجب عليهم قراءة جملة البابا فرنسيس بأن “نباح الناتو على بوابة الروس..ربما تسبب بحرب أوكرانيا” والنباح لا يتوقف سوى بأن تلقم النابح حجراً.
الغرب أيها السادة مصاب بالعمى، وهذا من حظ أوراسيا، ومن يعش يخبر الآتين عن تأصيل البلاهة.