عملية المزيرعة تعرّي جيش العدو
تستمرّ جنين في خطف الأضواء بعد عملية المزيرعة التي نفّذها شابان من قرية رمانة، قبل أيّام، «ردّاً على الجرائم الإسرائيلية في المسجد الأقصى»، وأدّت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة آخرين. وعلى رغم تمكُّنه من اعتقال المنفّذَيْن بعد مطاردة ساخنة استمرّت أكثر من 60 ساعة، غير أن العملية شكّلت صعقة للعدو الذي مُني «تدابيره الأمنية» بفشل ذريع.
الشابان صبحي عماد صبيحات، وأسعد يوسف الرفاعي، الحاصلان على شهادة دراسة الثانوية العامة «التوجيهي»، يمتهنان التمديدات الكهربائية، وعملا، منذ نحو عام، في الداخل المحتلّ عام 1948. وبحسب الرواية الإسرائيلية، فإن الشابين يحفظان جغرافية مستوطنة «إلعاد» عن ظهر قلب، كونهما يعملان فيها منذ عدّة أشهر. ويرى محلّلون أن هذا الوعي بالمكان، صعّب على الأمن الإسرائيلي العثور على المنفّذَين سريعاً، علماً أن الأحداث اللاحقة أثبتت أنهما لم يبتعدا كثيراً عن مكان العملية. ويعني استمرار الملاحقة على مدى ثلاثة أيام، أن المنفّذَين نجحا في تجاوز كاميرات المراقبة والتشديدات الأمنية، حتى استقرّ المخبأ بهما داخل شجرة في غابة بين مستوطنة «إلعاد» وقرية رأس العين القريبة من الجدار الفاصل في الضفة الغربية. واعترف مسؤول الشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي، بأن قوات العدو فتّشت الغابة مرّتين، ولم تعثر على الشابَين، لكنها تمكّنت من اعتقالهما في المرّة الثالثة. تجدر الإشارة إلى أن العدو أقام مستوطنة «إلعاد» على أراضي قرية المزيرعة الفلسطينية الواقعة على بعد مسافة قصيرة من خطّ التماس بين الأراضي المحتلة عام 1948 وأراضي الضفة الغربية، واقتحمتها العصابات الصهيونية في النكبة وهجّرت نحو 1200 من أهلها وأحرقت حقولها ودمّرت منازلها، فيما تشتهر حالياً بالمتنزهات والحدائق، ويقطنها عدد قليل من المستوطنين.
المتتبّع لعملية ملاحقة الشابَين وخطّ سيرهما، يلحظ أنهما لم يجازفا بالتقدُّم نحو فتحات الجدار الفاصل للدخول إلى الضفة، على رغم قرب المكان نسبياً. ومردّ ذلك إلى علمهما بانتشار المئات من جنود العدو على هذه الفتحات والثغرات منذ أسابيع، بعد سلسلة العمليات الأخيرة (بئر السبع، الخضيرة، بني براك وتل أبيب)، وهو ما أسهم في إطالة أمد المطاردة، خصوصاً أن دخولهما الضفة الغربية منذ اليوم الأوّل، من شأنه أن يزيد من احتمال اعتقالهما عند ثغرات الجدار، فضلاً عن أنه يجعلهما تحت أعين كاميرات المراقبة. وبعد الإعلان عن هوية الشابين، بات واضحاً أن صبحي صبيحات متأثّر بالشهيد المقاتل عبدالله الحصري من «سرايا القدس» في جنين، إذ نشر، عبر صفحته في «فايسبوك»، صورة للشهيد ممهورة بعبارة «نِعم العبد لله أنت يا عبد الله، رحمك الله سيدي الشهيد».
وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن العدو عثر على وصية تعود لأحد المنفذَين، وفيها قال: «العملية ردٌّ على جرائم العدو في المسجد الأقصى واقتحام المستوطنين له، ومستعدّ للشهادة من أجل القدس»، فيما لفت والد المعتقل، صبحي صبيحات، إلى أن «انتهاكات الاحتلال في الأقصى هي سبب تنفيذ العملية»، وأن ابنه كان «يبكي عندما يرى مشاهد الانتهاكات وضرب النساء والاعتقالات الأخيرة، وأيّ شاب فلسطيني لن يفعل إلّا كما فعل ابني»، علماً أن زفاف صبحي كان مقرَّراً بعد عدّة أشهر. ويقول أحد سكان قرية رمانة، لـ»الأخبار»، إن صبحي صبيحات مقرّب من حركة «الجهاد الإسلامي»، بينما أسعد الرفاعي مقرّب من حركة «حماس»، لكن ليس لهما أيّ نشاط سياسي ملحوظ.
إزاء ما تقدَّم، اعترف رئيس أركان جيش العدو، أفيف كوخافي، بفشل الجيش على المستوى التكتيكي بسبب وقوع عملية المزيرعة، وفق الصحيفة نفسها. وسبب هذا الفشل أن العملية نُفّذت في ظلّ تشديدات أمنية غير مسبوقة، وإغلاقات متتالية بعد عمليات أخرى نفذها شبان فلسطينيون من جنين في قلْب فلسطين التاريخية. ولا تقتصر خطورة العملية على نجاح المنفّذَين في الانسحاب بعد قتل ثلاثة إسرائيليين، والتنقّل من مكان إلى آخر خلال العملية، ثم الاختفاء لثلاثة أيام متتالية، بل إن نجاحهما في اختراق الطوق الأمني يمثّل علامة فشل دامغة للعدو. وثمة فشل آخر يتمثّل في ما كشفت عنه وسائل إعلام إسرائيلية، عن عدم استجابة شرطي إسرائيلي لطلب مستوطنين بإطلاق النار نحو المنفّذَين خلال العملية، إضافة إلى امتداد المطاردة لثلاثة أيام في قلْب إسرائيل.
على صعيد آخر، تتّجه الأنظار نحو تبنّي «كتائب القسام» عملية «أرائيل» التي نفّذها المقاومَين يحيى مرعي ويوسف عاصي. وشكّل الإعلان مفاجأة، كون العملية جاءت بين سلسلة عمليات فردية، ولم يتبنّاها أحد.
يبدو أن فلسطين تعيش موجة عمليات مشابهة لهبّة عام 2014 التي اتّسمت بـ»الذئاب الفردية» و»عمليات الدعس والسكاكين»، لكن الفارق يكمن في تنوّع أساليب المقاومة والاشتباك. وعلى رغم الوتيرة البطيئة والمنخفضة للهبة الحالية، إلّا أنها أوقعت عدداً كبيراً من القتلى، فيما تزيد المؤشرات إلى استمرارها.
الاخبار