متى يتوقف الغرب المتعجرف عن عنصريته؟
بقلم وزير الخارجية الاسبق د. عدنان منصور
حتى الوقت الراهن لم تنته العنصرية بكل أشكالها التي مارستها الدول الإستعمارية على مدار قرون ضد الشعوب المضطهدة قبل نيل استقلالها. بل ٱثرت هذه الدول فيما بعد، الاستمرار في نهجها العنصري القبيح الذي لازم سياساتها بحق هذه الشعوب، والنيل من قيمها ومبادئها وتاريخها وتراثها، والتشويه المتعمد لحضارتها ومعتقداتها واديانها ومقدساتها.
ما جرى في السويد قبل أيام من تمزيق للقرٱن الكريم والعبث به، على يد حاقد عنصري متحجر، ليس الا حلقة من حلقات العنصرية التي دعمتها دول أوروبية وغربية تحت ستار حرية الرأي والتعبير.
هذا الغرب المنافق الذي يفسح المجال للاسلاموفوبيا ان تفعل فعلها، أكان ذلك في فرنسا، او المانيا، او الدانمارك، او كندا، او السويد، أو “اسرائيل” وغيرها من الدول، دون اي رادع، فيما هو يتشدق ويتمسك بحرية الرأي والتعبير، لإضفاء الشرعية، وإعطاء الحق القانوني لكل من يمس بالمعتقدات والمقدسات، ويسيء إلى الاديان على اختلافها.
حرية الرأي والتعبير تختفي للأسف الشديد عند دول الغرب، لتصبح من المحرمات إذا ما حاول احد ما تسليط الضوء على احداث فترة من التاريخ، وكشف المعلومات المزيفة، وتبيان الوقائع والحقائق التي تتعلق بالحركة الصهيونية واليهود والهولوكوست قبيل الحرب العالمية الثانية وأثناءها وبعدها.
أن تغض دول الغرب النظر عن المتطرفين العنصريين، المؤججين والمحرضين على الاسلاموفوبيا، وتبرر افعالهم، وتوفر الحماية لهم، فهذا يكشف زيف الغرب وأخلاقه، وسياساته الكريهة عندما يكيل بمكيالين.
حرية الرأي والتعبير وجدت طريقها الى الرسومات الكاريكاتورية الساخرة في مجلة شارلي ابدو، التي جرحت بالصميم المشاعر الروحانية لمليار ونصف إنسان عندما تطاولت بكل وقاحة وقذارة، برسوماتها الشنيعة على نبيهم الأكرم.
لكن هذه الحرية انتفت واصبحت من المحرمات عندما قام الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي،بكشف الحقائق والأدلة، وازاحة النقاب عن المعلومات غير الصحيحة،والارقام المزيفةوالمبالغ فيها، في كتابه: “الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية”.أحيل جارودي الى القضاء وحكم عليه بالسجن ودفع غرامة مالية، لأن ما قام به “خطير” جدا غير مقبول، و”جريمة” شنيعة لا تغتفر، لأن غارودي كشف الحقائق، وسلط الأضواء على التضليل الذي مارسه الغرب واليهود، في تشويه الأحداث، من خلال حجج وأدلة ثبوتية، ومعلومات موثقة،نشرها في كتابه، كونها ،”تمس” و”تعري” الحركة الصهيونية والدولة “الاسرائيلية”.
حرية الرأي والتعبير تسقط في الغرب، إذا ما حاول احد ما، أن ينتقد سياسات “اسرائيل”، أو يدين اعتداءاتها، أو يندد بممارساتها العنصرية، فيصبح على الفور منبوذا ومعاديا للسامية، حتى وإن كان المنتقد والمندد من العرق السامي.
ان تقف دول غربية الى جانب عنصريين يقومون بالإساءة الى ديانة المؤمنين، ومقدساتهم في السويد والدانمارك وكندا ،والى مئٱت الملايين من البشر، وتحميهم وتبرر افعالهم، فهذا يعني انها غير مبالية بالٱخرين، وبمقدساتهم ومعتقداتهم، لتصبح شريكة، ومحرضة على السلوكيات المشينة بحق الشعوب،وبالتالي تكشف بشكل فاضح خلفيتها العنصرية التي لم تفارقها يوما.
المواطن الأميركي أدولفو مارتينيز الذي انتزع يوم 11 حزيران الماضي، علم المثليين من باب كنيسة، ثم قام بحرقه أمام ناد للتعري، كان عليه أن يواجه حكما بالسجن لمدة 15 عاما أصدره القاضي بحقه. لكن ان يقوم عنصري بحرق الكتاب المقدس لمليار وستمائة مليون مسلم، فهذا لا يستحق عند الغرب المتعجرف أية أهمية.
اليوم لا يكفي وللأسف الشديد التنديد والغضب، ولا الادانات، ولا استدعاء السفراء ولا الاحتجاجات. لا بد من وقفة شجاعة لدول الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الاسلامي تحفظ كرامتها وكرامة شعوبها، وتصون مقدساتهم، وذلك باتخاذ القرارات الحاسمة الرادعة ضد الدول التي تفسح المجال للحاقدين، وتسمح للعنصريين بتأجيج الاسلاموفوبيا من ٱن الى ٱخر، مهما كانت حججها ومبرراتها العقبمة، وإن كلف الأمر قطع العلاقات معها.
كفى إسخفافا، وكراهية واحتقارا للشعوب. إنها وقفة إباء وكرامة، لا بد من الأخذ بها اليوم قبل الغد، حتى لا تتدحرج كرة الكراهية والعنصرية اكثر فأكثر،وتفسح المجال لردود فعل عنيفة بغنى عنها الشعوب المحبة للسلام، التي تختزن في داخلها القيم الانسانية، والروحانية والمبادئ السمحاء التي ما فارقت وجدانها وسلوكها وأخلاقها يوما.