خلال الموسم الرمضاني الحالي، برزت العديد من الثنائيات في الدراما السورية والمصرية، أضفت ديناميكية وحيويةً على المسلسل. شاهدنا حلا رجب وعباس النوري في «مع وقف التنفيذ» يجسّدان دورَي الابنة المطيعة والأب المسيطر، أو محمد الشرنوبي في دور الشيخ النبيل في مواجهة أحمد ماجد الذي برز في تقديمه نموذجاً عن مشايخ «السوشيال» في مسلسل «فاتن أمل حربي»…. ثنائيات كثيرة تستحقّ الإضاءة عليها:
الابنة حلا والأب عباس
الثنائي الأوّل في هذه القائمة هو ثنائية الأب والابنة، مع حلا رجب وعبّاس النوري في مسلسل «مع وقف التنفيذ» للمخرج سيف الدين سبيعي والكاتبَين علي وجيه ويامن الحجلي. بدت الشخصيّتان للمشاهد كما لو أنهما خُلقتا لبعض: لدينا الابنة المطيعة، الموافقة، المطبطبة للأب الذي يحتاج ذلك في جميع الأوقات. «فوزان» أو «فافا» كما تناديه «أوصاف» ابنته، يعرف كذلك متى يظهر ضعفه، ومتى يظهر أنيابه حتى مع ابنته. في الوقت عينه، فإن «أوصاف» تكمل الصورة عبر سلوكها الذي يظهر فتاةً من هذه البيئة، لناحية سلوكها البسيط: طريقة لعبها بشعرها، أظافرها التي تعتني بها يومياً لقلة الأشغال، فضلاً عن امتهانها القيل والقال. هذا الشكل يخدم ما يريده والدها منها تماماً. هنا يجب الإشارة إلى وجود كيمياء قوية بين رجب والنوري، تظهر في أدق تفاصيل أدائهما سويةً: من النظرة، إلى الحركة وصولاً إلى ردات الفعل الصوتية.
مع وقف التنفيذ: «إيه. آر. تي. حكايات 2» (17:30)، «بي. إن. دراما» (18:00)، «زي ألوان» (18:10)، «روتانا دراما» (19:00)
نيللي المسكينة v/s شريف «الشرير»
إنها علاقة التناقض، وكما يُقال في الشعر «والضدّ يظهر حسنه الضدُ». في ثقافة المانغا والكوميكس، أنت بحاجة لـ «شرير» مخيف كي يظهر لك البطل كحاجةٍ ضرورية: نقياً، طاهراً، مهماً. من هنا، فإنّ أداء شريف سلامة المتقن لشخصية «سيف الدندراوي» في مسلسل «فاتن أمل حربي» (كتابة ابراهيم عيسى ـ إخراج محمد جمال العدل) مكّن نيللي كريم بدور «فاتن أمل حربي» بسهولة وإتقان. ليس هناك شك في موهبة كريم المتّقدة، لكن أيضاً لأنّ الشخصية التي تجسّدها بحاجة إلى الكثير من التعاطف والتشجيع والتأييد؛ احتاجت كريم إلى شخصية «شريرة» تمثّل «السائد» لناحية الذكر المتخلّف في تعامله مع زوجته. مزج الممثلين مع بعضهما خرج بإحدى أقوى ثنائيات هذا العام.
«فاتن أمل حربي»: قناة «دبي» (19:00)، «سي. بي. سي» (19:00)، «رؤيا» (20:00)، «سي. بي. سي. دراما» (21:30)
شيخ «التوكتوك» أم الشيخ المثالي؟
الشيخان المعمّمان من مسلسل «فاتن أمل حربي»، اللذان استخدمهما صنّاع العمل ليُظهرا أنّ الدين ليس المشكلة، بل الناس، لم تكن لتظهر لولا المهارة التي سبكها الفنانان في دوريهما. أعطى محمد الشرنوبي ذو الملامح البريئة الدور الكثير من جهده وطاقته. أدّى بحرفة شخصية الشيخ المثالي ذو الأخلاق العالية الذي يرى الدين نوراً وهداية، لا قمعاً وقتلاً وتقطيعاً. في الوقت نفسه، يعتبر أحمد ماجد أحد النجوم القادمين بقوة الذين لم يأخذوا مكانهم وحقهم بعد في الدراما المصرية. ماجد أظهر شخصية «مشايخ التوكتوك» أو مشايخ «السوشيال»، كما يُطلق عليهم. إنه شيخٌ يهوى «التريند» ويريده بقوة، وسيقول أي شيء ليبقى في الواجهة. هذا التناقض بين الشخصيتين جعل الآخر ظاهراً بشكل أكبر.
ضبعان «متعايشان»
يمكن قول الكثير عن النجمَين فايز قزق وسلاف فواخرجي في مسلسل «مع وقف التنفيذ»، لكنّ الأهمّ أنّهما ثنائية النوع ذاته: ثنائية «الضرورة». كائنان مفترسان وُضعا في قفصٍ واحد يعرفان بأنهما سرعان ما سيفترسان بعضهما. لكنّ «الضرورة» الآن تقتضي أن يبقيا معاً. سيحاولان بالتأكيد قتل أحدهما الآخر في أي لحظة، لكنهما يحتاجان بعضهما. لا يتورّع «أديب» عن القتل لأجل «جنان»؛ وهي لا تتورّع عن أي شيءٍ لأجله. ثنائية الضرورة هذه قد لا تعيش طويلاً، لكنها منتشرة في المجتمع. قدّمت سلاف وفايز أداءً متوازناً، قوياً يذكّر بثنائيات الكاتب المصري الراحل أسامة أنور عكاشة القوية في معظم مسلسلاته: نازك السلحدار وسليم البدري؛ سليم البدري وسليمان غانم وقس على ذلك.
أحمد مكي ونفسه
لعلّها ثنائية غريبة بعض الشيء، قد يراها بعضهم «ثلاثية» إذا أضفنا دور «حزلقوم» إلى مهارات أحمد مكي في مسلسل «الكبير أوي 6». إنها ثنائية «الكبير» و«جوني» التي بدت منذ الجزء الأوّل من المسلسل ضرورية للغاية. المزج بين الشخصيّتين وطبيعة الكيمياء بينهما، جعلا المسلسل يعيش ستة أجزاء، وسيستمر إلى أن يقرّر الممثل المصري غير ذلك. الاختلاف الكبير والظاهر بين شخصية «الكبير» و«جوني» جعلهما يقعان ضمن ثنائية الأضداد، لكن الأمر ليس كذلك مئة في المئة لأنّ الشخصيّتين يلعبهما الممثل ذاته. وهذا يُحسب لمكي. إنه يؤدي الدورين معاً، ولا يقتصر ذلك على مشهد أو اثنين، فالشخصيتان هما بطلتا المسلسل تظهران معاً في مشاهد كثيرة.
«الكبير أوي 6»: «روتانا خليجية» (19:15)، «أون دراما» (20:00)، «إي آر تي حكايات 2» (22:30)
بين مي وطارق… علاقة مصلحة
تأتي ثنائية «العايقة» (مي عزالدين) و«خلدون» (طارق لطفي) من الثنائيات التي مضى وقتٌ طويل لم يرها المشاهد على الشاشة. صحيح أنها ثنائية ضرورة، لكنها أيضاً ثنائية مصلحة متّصلة، بمعنى أنّ الاثنين يريدان الصعود معاً، أن يكونا ناجحين معاً، ولو لم يتزوجا أو يعيشا معاً. الغجريان أو «الحدف بحر» (بمعنى أنّ الموج رماهما على الجزيرة) يأتيان إلى الجزيرة في مسلسل «جزيرة غمام» (تأليف عبدالرحيم كمال ـــ وإخراج حسين المنباوي) بهدف السيطرة والتمكن. هكذا بكل بساطة يعلنانها صراحةً في إحدى حلقات المسلسل. هذه الثنائية تختلف اختلافاً جذرياً عن سواها: إنها ثنائية قائمة على «التواصل» الخفي بين البطلين، يكمّلان بعضهما حتى بدون تنسيق، لأن التنسيق موجود بداخلهما بشكلٍ تلقائي، وهذا يظهر في أكثر من مشهد. الثنائية تبرهن عن كيمياء أدائية بين عزالدين ولطفي، وتظهرهما متنافسين، مفترسين، متناقضين، ومع هذا لا يضمران الشرّ لبعضهما، وإن حصل ذلك؛ فلا مشكلة.
«جزيرة غمام»: «أي. آر. تي. حكايات» (21:30)، «الحياة» (22:20)، «الحياة دراما» (23:45)
أنوشكا أرستقراطية… ووفاء «بنت البلد»
هي ثنائية مختلفة بعض الشيء، كون أنوشكا ووفاء عامر لا تظهران على الشاشة كثيراً. هذا ما يجعل هذه الثنائية مميزة فعلاً. «راجعين يا هوى» الذي كتبه الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة، ووضعه الماهر محمد سليمان عبدالملك قيد التنفيذ كتابةً، وأخرجه محمد سلامة، يعمل على «تكبير» الشخصيّتين عبر الإضاءة على سلوكهما المتناقض، لكن أيضاً على رغبتهما بالأشياء والنتائج ذاتها. كلتا الشخصيتين تحبّ المال، النفوذ، القوة، وفوق كلّ هذا أن تكون مرغوبة. يسرية (وفاء عامر) وشريفة (أنوشكا) تريدان السيطرة على أولادهما، على العائلة، وبالتأكيد على كل شيء. إنهما التعريف للشخصيات النسائية القوية المتنوعة في بلادنا: الأرستقراطية، الـfull makeup، المهندمة، التي لا تدخل المطبخ، تتحدّث من طرف «مناخيرها»، والثانية بنت البلد، الشعبية، التي ترتدي ذهباً يكاد يزنُ أطناناً، لا تُعير وزناً أبداً للإتيكيت. هذا التناقض قدّم الثنائية هذه بشكلٍ كبير، ولو أنّ المخرج والكاتب لم يحتاجا إلى ضغطهما في مشاهد ثنائية كثيراً.
«راجعين يا هوى»: «دي. ام. سي» (21:25)، «زي ألوان» (22:00)، «سي. بي. سي. دراما» (20:00)
آسر وأحمد: وجهان لعملة واحدة
ظهرت هذه الثنائية بقوّة في مسلسل «سوتس: بالعربي» (كتابة محمد حفظي وإخراج عصام عبدالحميد). آسر ياسين وأحمد داوود يمزجان بين شخصيّتين تبدوان بفوارق كثيرة. مع توالي الحلقات، يجد المشاهد أنه أمام نسخة كربونية متماثلة. كلا الشخصيتين نسخة عن الأخرى، الفارق الوحيد هو الخبرة والزمن لا أكثر. يبدو آدم منصور (أحمد داوود) شبيهاً بشخصية زين ثابت (آسر ياسين). في بداية المسلسل، يبدو آدم طيباً، بريئاً، يمتلك الكثير من السذاجة، فيما زين مفترساً، بلا رحمة، لا يضيّع وقته في التفاصيل التافهة. سرعان ما يبدأ الأمر بالتحوّل شيئاً فشيئاً: يأخذ الشخصان بالاقتراب من بعضهما بشكلٍ مدهش: يصبح زين وآدم كما لو أنهما شخصٌ واحدٌ يتصرّف بالطريقة نفسها في جميع المواقف: الحب، العمل، وكذلك الحياة اليومية. أدائياً، برهن داوود كما ياسين عن حرفة عالية في جميع مشاهدهما معاً، ويُحسب لآسر ياسين أنه لم يمارس سطوة الشخصية على داوود.
«سوتس بالعربي»: «يا هلا الأولى أو أس أن» (19:20)، «يا هلا أو. أس. أن» (20:20)
منة وأحمد… وثالثهما الرغبة
إنهما بطلا مسلسل «بطلوع الروح» (كتابة محمد عبية ـــ وإخراج كاملة أبو ذكري) تجمعهما ثنائية مختلفة هي أنّ أحدهما يريد الحصول على الآخر مهما كان الثمن. هذه الرغبة هي دافع المسلسل الرئيس. افتتان عمر (أحمد السعدني) بشخصية روح (منة شلبي) جعله يرغب بالحصول عليها بكلّ الطرق. هكذا، سيجعل زوجها ينتمي إلى «داعش» ويُحضره إلى مناطق سيطرته وهنا يصبح المراد قريباً. التناقض بين الشخصيتين في كل شيء تقريباً، مع الرغبة هي أجمل ما في هذه الثنائية. إنه يريد هذا المرتجى/ المرغوب/ المشتهى أو كما يُقال في تقنيات الكتابة الـMcGuffin ولأجل ذلك سيفعل المستحيل. برزت هذه الثنائية من خلال أداء السعدني وشلبي التي تكافح في كل مشهد كي تتخلّص من قوته وسطوته، لكنها في الوقت نفسه تمتلك قوّة الفراشة لناحية أنّ الجمهور يتعاطف معها لضعفها ورقّتها أمام هذا الكائن «المفترس».
«بطلوع الروح»: «أم. بي. سي. مصر 2» (19:00)، «أم. بي. سي. مصر» (21:0).
الاخبار