متفرقات

السوريون جنسان

بقلم الزميلة لينا وهب

 

شعبٌ أصيلٌ طيب الأعراق نعرفهم بطيب الكلام وطائل الكرم، وباللياقة التي تخالطها اللباقة، وبجميل المعشر الّذي ينبت من تواضعهم فيثمر ودًّا واحترامًا لهم. تراهم في سوريا مواطنين متمسكين بأرضهم وعلى جبينهم تكتب الوطنية وتعلو جباههم سمات العزّة والكرامة والعنفوان.

فعلى الرغم من كل ما قاسته سوريا جراء الحرب العسكرية والسياسية الكونية والضروس عليها، وعلى الرغم من الحرب الاقتصادية وحصار قيصر وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي فيها إلا أن كثيرا من هذا الشعب الطيب صمد في أرض وطنهم وكانوا الأباة العصيين على الأعداء الذين أرادوا خراب سوريا.

غير أنّ بعضًا من هذا المعشر الطيب لم يجدوا في اليد حيلة فنزحوا إلى لبنان، تاركين موطنهم على مضض وقسرًا وقهرًا، لا لأنّهم تخلوا عن انتمائهم والأرض التي تعود إليها جذور عائلاتهم وأصلهم وفصلهم، ولا رغبةً في البحث عن وطن آخر يعطيهم من رغد العيش حلاوةً قد لا، بل لن، تدوم. فهم لا يقبلون أن تلصق بهم صفة النازح الأبدي أو صفة الدخيل الذي تبرأ من وطنه فتبرأت منه جميع الأوطان حتى إشعار آخر. فهم على درجة من الوعي لفهم أنّ ما يجري قد يستخدم في التوظيف السياسي والحاجة الديمغرافية والسياسية ولذا يرفضون إستخدامهم واستعمالهم كورقة ضغط لمآرب سياسية أو حتى لأي مآرب أخرى.

هم الأحرار أصحاب النفوس الأبيّة، والعزّة الشامخة، والكرامة التي لا تشترى ولا تباع في أسواق السياسية والمنظمات لقاء رفاهية مؤقتة وأحوال متبدلة بتبدل المخططات والاتفاقيات الدولية والإقليمية. نعم هؤلاء هم الجنس الطيّب الأعراق من السوريين المرحب بهم ضيوفًا أينما حلّوا تاركين السمعة الطيبة دون أن يتسببوا بأي أذى معنوي أو مادي لأنفسهم أو للبلد المضيف بغض النظر عن القدرة الاستيعابية للبلد الذي استقبلهم وآواهم كنازحين.

أما البعض الآخر من السوريين للأسف فهم الشينُ على الإنسانية جمعاء، وبالأخص على بني أصلهم ونسلهم. أولئك الذين تسمع عنهم في نشرات الأخبار، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ، وتقرأ عن جرائمهم وجنحاتهم في الصحف والمواقع الإخبارية، وهم للأسف ليسوا بالعدد القليل، وما يقترفونه لا يقبل به أيّ قانون أو شرع أو منظومة قيم، فسلوكهم لا يمّت لمكارم الأخلاق بصلة.

هؤلاء قرروا لربما عن قلة وعي وإدراك أو لربما عن سوء تربية التخلي تمامًا عن وطنهم ليس بالضرورة عن سابق تخطيط وتصميم وإصرار إما نتيجةً لتفشي الجهل في عقولهم وانعدام الرحمة في قلوبهم، ليحلوا عبئًا على البلد الّذي حلّوا عليه بلاءً لا نعمةً، فتراهم يستوطنون أرضًا ليست بأرضهم، في وطن لا يعترف بهم سوى نازحين أو لاجئين أو بشر من الفئة الدنيا، فلا يخجلون ولا يكفون عن الإساءة لأنفسهم ولغيرهم بسوء تقدير منهم لتبعات ذلك فيقترفون ما يقترفون من التجاوزات الأخلاقية والقانونية.

فتجد منهم السارق، والقاتل، والمغتصب، وتاجر المخدرات، ومتعاطيها، وغيرهم من أهل السوء والفساد، فلا تطىء قدمهم أرضًا إلا وأفسدوا فيها، فلا مرحبا بهم ولا أهلاً ولا سهلاً، فهم كالقنبلة الموقوتة التي تشكل خطراً على الأمن والاستقرار والحياة الاجتماعية في البلد.

أمّا واقع الحال في لبنان، فالسوريون جنسان منهم السوي التقي ومنهم الشقي الدعيّ. ولو أتيحت الفرصة للبنان بأخذ القرار بعيدًا عن إشكالية التوزيع الديمغرافي والاستيعاب السكاني في الحيز الجغرافي الضيق للبنان، لكان أبقى على الجنس الطيّب منهم ورحلّ منهم الجنس المؤذي بلا ريب. فأي مستقبل يتوقع للأجيال القادمة ما إن بقي الوضع على هذا المنوال، وأي أثار سلبية سيترك النزوح الأبدي على كل من السوريين واللبنانيين معًا ما لم يتم معالجة هذا الملف بما فيه مصلحة الجميع!

فلا بدّ من حصر عدد الوافدين من سوريا الشقيقة إلى لبنان منذ عام 2011 وحتى اليوم وضمان عودة آمنة للمواطنين السوريين إلى وطنهم بعد طول غياب عن بلدهم ومسقط رأسهم. ولا بدّ من بحث ملف إعادة الإعمار، وإبرام اتفاقيات التبادل التجاري والتصدير والاستيراد بين لبنان وسوريا والعراق وعلى طول خط الشرق الأوسط بما يحرّك العجلة الاقتصادية ويعود بالفائدة على الحياة الاجتماعية والصحية والبيئية والثقافية اللبنانية والسوربة معًا.

ويبقى أخيرًا مسك الختام، تذكية أحسن السوريين خلقًا ومعشرًا وإنتاجًا، أي الجنس الطيّب، للبقاء بكل ما للترحيب من كلمة ضيوفًا مرغوب بهم في لبنان حتى يبلغ الأجل الذي يرغبون فيه بالعودة، وترحيل من لا يرى في استقبال لبنان له معروفًا ويلحقون الأذى به وبشعبه دون خجل وهؤلاء هم الجنس الذميم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى