متفرقات

٤ امور اساسية في ملف الترسيم

كان الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين يعلم بأنّ لبنان لن يُوافق على عرضه الأخير الذي حاول عبره الإلتفاف على كلّ المفاوضات السابقة التي جرت بشأن الترسيم والخطوط، مقترحاً حلّاً تسووياً آنياً يفتح الباب على نزاع آخر جديد.. كما كان على عِلم بأنّ الجولات المكوكية، التي قام باثنتين منها منذ تسلّمه الوساطة، لن تحلّ مكان “التفاوض غير المباشر على طاولة الناقورة برعاية الأمم المتحدة”، ولن تُفضي بالتالي الى اتفاق نهائي على الترسيم.. غير أنّه حاول “علّ وعسى”، على ما يُقال سيما وأنّ لبنان يُعاني من وضع إقتصادي ومالي مأزوم ويُفتّش عن مورد ما يسدّ منه عجزه، الأمر الذي قد “يُرغمه” على الموافقة. غير أنّ حسابات هوكشتاين لم تتوافق مع حسابات لبنان، ولهذا سوف يتلقّى الردّ الذي جرى إعلانه بعد الإجتماع الرئاسي الذي عُقد ظهر الجمعة المنصرم في قصر بعبدا وضمّ كلّاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، واستمرّ على مدى ساعتين ونصف الساعة.

وتجد أوساط ديبلوماسية مواكبة لملف الترسيم بأنّ “الردّ الذي سيتبلّغه هوكشتاين قريباً بعدم الموافقة على اقتراحه الأخير أو عدم الرفض المباشر له، وإنّما بدعوة بلاده الى الإستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية وفقاً لاتفاق الإطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والإستقرار في المنطقة، يعني أربعة أمور أساسية:

1″- نعي وساطة هوكشتاين سيما وأنّه كان حدّد شخصياً شهر آذار حدّاً نهائياً لها، معتبراً إيّاها “فرصة” على لبنان الإستفادة منها، إلّا إذا قرّرت الإدارة الأميركية أن يستمرّ في مهمّة الوساطة هذه.

“- العودة في المفاوضات غير المباشرة الى “اتفاق الإطار” الذي انطلقت على أساسه كون العدو الإسرائيلي مُوافق عليه وإلاّ لما كان وضعه مع لبنان وتطلّب الأمر 10 سنوات من المشاورات غير المباشرة. كما أنّ الجولات الخمس السابقة من المفاوضات التي حصلت على طاولة الناقورة لم توصل الى أي اتفاق مبدئي بين الطرفين. وهذا يعني بأنّ لبنان يُطالب بالعودة الى الطاولة لاستكمال المفاوضات برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة الأميركية، للتفاوض على الخط 23 وليس على الخط 29 الذي كان الوفد العسكري اللبناني فاوض على أساسه خلال الجولات الماضية موسّعاً منطقة النزاع نحو 1430 كلم2، إضافة الى مساحة الـ 860 كلم2، وذلك استناداً الى الدراسة البريطانية التي أوصت باعتماد الخط 29 بدلاً من الخط 23 كحدود لبنان البحرية.

3″- تمسّك لبنان بوساطة الولايات المتحدة الأميركية كونه هو الذي طالب بها لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، إذ لا بديل له عن هذه الوساطة الدولية للتفاوض مع عدو، كما لأنّه يريد الحفاظ على الرضى الأميركي. ما يعني أنّ رفض اقتراح هوكشتاين الأخير، لا يعني مطلقاً رفض الوساطة الأميركية، حتى وإن عادت هذه الأخيرة الى “نقطة الصفر” مع هوكشتاين أو مع سواه، كونها سترجع الى انطلاق المفاوضات في الناقورة في 14 تشرين الأول من العام 2020، والتي تمّ تعليقها مرّات عدّة وصولاً الى الجولة الأخيرة التي عقدت في 4 أيّار من العام الماضي (2021)، بعد تعليق الجولة السادسة في 5 منه لعدم التوصّل الى أي اتفاق بين الجانبين.

4″- تشديد لبنان على “مصلحته العليا” في المفاوضات التي طالب باستكمالها، كما على “الإستقرار في المنطقة” لأنّه من شأن التعنّت الإسرائيلي والعمل في المنطقة المتنازع عليها تهديد الأمن والسلم الدوليين. وهذا الأمر على الأمم المتحدة والولايات المتحدة أخذه بالإعتبار لإعادة الطرفين الى الطاولة.

أمّا قول الرؤساء الثلاثة بأنّ “هذا الملف وطني بامتياز، ويجب أن يبقى بعيداً عن التجاذبات والمزايدات التي لا طائل منها”، فتضعه الأوساط نفسها ضمن خانة ما جرى الحديث عنه سابقاً “في صلب الأمن القومي”.. ولهذا لا يجب فضح ما يجري في كواليس هذا الملف، على أن تأتي النتيجة لمصلحة لبنان العليا فعلاً ومصلحة شعبه ومستقبله. فالدفاع عن حقوق لبنان البحرية تكون في أيدٍ أمينة متى جرى التوافق على موقف لبناني موحّد يرفض التفريط بالثروة النفطية التي هي أساساً ملك الأجيال المقبلة، ويضمن المحافظة على حقوق لبنان وسيادته الكاملة على حدوده البحرية.

وأشارت الى أنّه يُمكن للبنان أن يتصرّف بثروته النفطية والبحرية على ما يجده مناسباً، ولهذا فإنّ الباب يبقى دائماً مفتوحاً أمامه على احتمالات عدّة لإيجاد الحلول البديلة في حال قرّرت الولايات المتحدة الأميركية “فرملة الوساطة” لأي سبب كان. علماً بأنّ “اتفاق الإطار” الذي يُطالب لبنان بالعودة إليه، يُوافق عليه العدو الإسرائيلي، وإلّا لما جلس الى طاولة الناقورة منذ بدء المفاوضات الأخيرة.

وأوضحت الأوساط عينها بأنّ هوكشتاين قام بحركة لافتة بشأن ملف الترسيم البحري خلال الأشهر الاخيرة، وكان متفائلاً بالتوصّل الى “اتفاق سريع”، سيما لدى إعلانه خلال زيارته الأخيرة الى بيروت والمنطقة في 8 شباط الماضي بأنّه “حان الوقت للإنتقال الى صفقة”. إلّا أنّ عدم تمكّن هوكشتاين من تمرير هذه الصفقة لا يعني وقف التفاوض غير المباشر.. فهناك مليارات الدولارات على المحكّ، والمنطقة المتنازع عليها غنية بالمواد الهيدروكربونية، ولا يُمكن بالتالي أن يبدأ استغلال الحقول التي تقع ضمنها من دون التوافق على ترسيم الحدود.

وفي الوقت الذي تعتقد فيه كلّ من أميركا و”إسرائيل” أنّ لبنان لن يكون قادراً عن الدفاع عن حقوقه أمام “لحظة الإغواء” التي قُدّمت له بتقاسم الحقول المشتركة، على ما أشارت، تمّكن لبنان من توحيد موقفه الرسمي، وهذا الأمر يقوّيه بشكل كبير. في المقابل، فإنّ شركتي “هاليبرتون” الأميركية و”إنرجين” اليونانية لا بدّ وأن تتركا العمل في المنطقة البحرية في حال بقي النزاع قائماً بين الجانبين، وهذا الأمر لا يُناسب العدو الإسرائيلي. علماً بأنّ ثروات منطقة الشرق الأوسط، تطمح الولايات المتحدة الأميركية أن تجعلها بديلاً للغاز والطاقة الروسيين في المرحلة المقبلة.

المصدر: الديار
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى