متفرقات

استراتيجية الفوضى الاميركية يكويها غاز المتوسط العائم

خضر رسلان

اكتشافات حقول الغاز في منطقة الشّرق الأوسط في ظل ما يشهده العالم من نزاعات وتغيرات وبعدما أصبح الغاز من العوامل المهمة في اقتصاديات الدول بحيث باتت الاستراتيجية الاميركية تربط أمن منطقة الشّرق الأوسط بأمن الولايات المتحدة الأميركيّة ومصالحها في ظل تحول المنطقة إلى لاعب دوليّ ضمن منظومة ما بات يعرف بجغرافيا الطّاقة، كلّ ذلك حتّم على الولايات المتحدة الأميركيّة محاولة بلورة صياغات جديدة عناوينها الأساسية إنشاء تكتلات سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة تحت مظلتها. والهدف في غايته تعزيز كل مكامن القوة التي تضمن استمرارها متسيدة قيادة النظام العالمي كقوة قطبية أحادية لا تقبل المشاركة. وحيث إنها تجزم أنّ الغاز هو من أهم المصادر الأساسية للحفاظ على هذا الموقع، في اطار سعيها للسّيطرة المطلقة على نفط منطقة الشّرق الأوسط، لضمان مصالحها وخططها الاستراتيجيّة كقوة احادية من غير منافسة، ومن أجل ذلك وضعت الخطط والمشاريع التي تعتقد انها تحد من تعاظم الدور لروسيا والصين، وحيث ان منطقة الشرق الاوسط وما رشح فيه من اكتشافات هائلة في مجال الطاقة سيكون له الدور البارز في حال نجحت الولايات المتحدة في حياكة تحالفات بين دوله لا سيما المنتجة للغاز والاستفادة منها في خططها المستقبلية الرامية الى اضعاف روسيا المورد الاساسي للغاز في أوروبا.
خيارات عديدة لجأت إليها الولايات المتحدة الأميركيّة في اطار سعيها الحفاظ على قيادة العالم لا سيما في الشرق الأوسط تدحرجت من حروب عسكرية الى تشكيل تكتلات الى خيار المساكنة او التحييد وقد ظهر ذلك جليا في التالي:
1-الخيارات العسكرية:
قامت الخطط الأمريكية على تحويل العراق بعد احتلاله في التاسع من نيسان 2003 إلى قاعدة إقليمية محورية للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، لأهداف متنوعة؛ أبرزها محاصرة سوريا وإيران في سياق التمهيد لاحقا للعدوان عليهما، وذلك في اطار الاستراتيجية الأميركية المستشرفة للمستقبل وتداعيات السياق التصاعدي لموقعي روسيا والصين في الخارطة العالمية الجديدة. وفي هذا الإطار فإن العراق فضلا عن امتلاكه لموقع استراتيجي في المنطقة فإن وجود النفط فيه كان في طليعة العوامل الاقتصادية التي تقف وراء احتلاله، وهي أسباب تتشارك فيها سوريا سواء من حيث موقعها الجيوسياسي المتميز أو دورها المقاوم المحوري، وانعكاسات اسقاطها سيساهم في تعزيز الأحادية القطبية للولايات المتحدة التي رغم الهدف المباشر وهو توجيه ضربة قاضية لمحور المقاومة والقضية الفلسطينية فإن الهدف البارز يتمثل أولًا بإبعاد روسيا عن سواحل المتوسط وثانيا بالاستفادة من الموقع الجغرافي السوري تمهيدا لتمرير إمدادات الغاز الى اوروبا بدلا من الغاز الروسي، رغم ما بذل من العدة والعديد لتحقيق الاهداف الاميركية، فقد استطاعت قوى المقاومة سواء في العراق او سوريا اجهاضها بل اشتد عود القوى المناهضة للهيمنة الاميركية فضلا عن التقدم اكثر في التشبيك بين دول محور المقاومة وارتفاع وتيرة التعاون مع الصين وروسيا
‎2-خيار التكتلات وصفقة القرن
في الوقت الذي يمثل فيه أمن “إسرائيل”. وتعزيز تفوقها العسكري كقوة إقليمية رئيسية جوهر سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فان أولوية الصراع على السيادة العالمية وترسيخ الهيمنة الشاملة هي من أهم ركائز السياسة الأمريكية. ولذلك كانت الغاية من اطلاق صفقة القرن التي وان كانت تحقق الهدف الصهيوني المتمثل بالغاء حلم قيام الدولة الفلسطينية وعودة أهلها وبمباركة عربية إلّا أنها في الحسابات الاميركية من العوامل المساعدة في ترسيخ أحاديتها القطبية وتساهم في إضعاف وعزل روسيا، لا سيما في حال نجاح تكتل دول صفقة القرن في تزويد دول الاتحاد الاوروبي باحتياجاتها الغازية وحرمان روسيا من امتيازها كمورد حصري للغاز الى اوروبا، ألّا أن تطورات متعددة منها سقوط دونالد ترامب والرفض الشعبي العربي والفلسطيني الكاسح التي تمظهر بشكل ظاهر في مونديال قطر اسقطت هذه الصفقة المزعومة الى غير رجعة.

3-خيار المساكنة والمهادنة:
على اثر سقوط مفاعيل الخيارات العسكرية الهادفة الى تعزيز الأحادية القطبية الاميركية، ومع سقوط صفقة القرن التي كان من أهم أسبابها إنشاء تكتلات إقتصادية تساهم في حصار وعزل روسيا وعلى اثر نشوب الحرب الروسية الاوكرانية، بادرت الولايات المتحدة الأميركية الى إشهار كل اسلحتها التي تملكها في سبيل تحقيق هدف إضعاف روسيا أبرز المنافسين لها والتي ترفع شعار نحو عالم متعدّد الاقطاب؛ لذلك لجأت الى محاولة تأمين الغاز للاتحاد الاوروبي بديلا عن الغاز الروسي، وهذا ما حتّم عليها الاستفادة من ثروات المتوسط ومن ضمنها الانصياع لمعادلة مسيّرات كاريش وترسيم الحدود البحرية مع لبنان. كل ذلك كرمى لتحقيق استراتيجتها القاضية بإضعاف المنافس الروسي وتعزيز آحاديتها القطبية.
في الخلاصة واستكمالًا لعناصر المشهد فان فشل الولايات المتحدة في خياراتها العسكرية والتي أدت الى إعادة انتشارها وتخفيف وجودها العسكري، ومن ثم فشل المراهنه على التكتلات الإقليمية في حسم أي مواجهة كما حال حرب اليمن وصفقة القرن الى محاولة القفز والتمييع فيما نتج عن ترسيم الحدود البحرية باتجاه فوضى متحركة في الاقليم ولبنان بهدف إسقاط المقاومة وبيئتها، كلَ ذلك يتيح للمقاومة خيارات وفرص طالما طمحت إليها لتسقط فيها الكيان الغاصب ومنصاته وتكوي بالغاز العائم في المتوسط الحلم الأميركي في الاحتفاظ بالقيادة القطبية للعالم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى