متفرقات

لبنان الى اين سياسياً واقتصادياً في مطلع العام 2023 !؟ الجزء التاسع عشر

الكاتب والمحلّل السياسي الدكتور ناجي صفا

لبنان سيبقى في مربع الأزمات، القوى السياسية مسؤولة عن الإنهيار وهي لا تزال تُنكر ذلك وتُكابر للتهرّب من الحساب، الحلّ بيد الخارج والإتفاق على رئيس لا يعني حُكماً بداية الخروج من النفق، وهناك حاجة لمؤتمر تأسيسي جديد لإعادة تحديد دور لبنان الحالي وفي المستقبل؟!

حمود:
نستكمل اليوم نشر هذه الأجزاء المُتتالية التي حاولنا من خلالها إستشراف الآفاق السياسية والإقتصادية للعام 2023 من خلال هذه المبادرة المُتواضعة التي قمنا بها في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقنا والتي سعينا من خلالها لتنظيم “حوار غير مباشر” حول الأوضاع السياسية والإقتصادية المأزومة والمعقّدة جداً التي يمرّ بها لبنان، عسى ان نفتح كوةً ما في جدار التصلّب والتطرّف والمزايدات الذي يحيط من كل جانب بمجتمعنا اللبناني القلق والمُحبط على كل المستويات، والذي زاد من مخاوفه إستمرار الإرتفاع الصاروخي بسعر الدولار الأميركي، ومعاودة طرح البعض لحلول خطيرة من ضمنها الطلاق مع مكونات الوطن الأخرى او الفيدرالية او التقسيم. وكما بات معروفاً فإننا قمنا بإستبيان آراء العديد من النُخب اللبنانية السياسيه، الإقتصاديه، الحقوقية، الإعلامية، الفكرية، إضافة الى العديد من الكتاب والمُحلّلين الذين سألناهم ستة أسئلة حول الواقع السياسي والإقتصادي الحالي والتطورات المُمكنة الحدوث في الفترة القادمة، خاصة في ظل استمرار حالة الارباك والمراوحة على كل الصعد.
ففي الشقّ السياسي لا تزال حالة المراوحة قائمة، ولا يزال موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية موضع تجاذبات كبيرة وأخذ وردّ ومفاوضات على قدمٍ وساق بين الكتل النيابية والقوى السياسية الفاعلة، دون أن نرى انبعاث الدخان الأبيض من أروقة المجلس النيابي الذي اعتكف فيه منذ يومين العديد من النواب التغييرين، والذين انضمّ اليهم اليوم زملاء آخرين من كتلة لبنان القوي (القوات اللبنانية) في محاولة وصفها منظموها بأنها للضغط في سبيل الإستمرار لعقد جلسات للمجلس النيابي، فيما وصفها البعض الآخر بالمسرحية الإستعراضية أو الفولكلوروية لأن الجميع يعلم انها لن تفضي الى الحلَ المطلوب؟!
أما في الشقّ الاقتصادي فإن الأمور ليست أيضاً ابداً على ما يرام، مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يقول البعض أن أيادي رياض سلامة ليست ببعيدة جداً عن المساهمة فيه في محاولة منه لإبتزاز السلطة والضغط عليها بعد أن بدأت الوفود القضائية الأوروبية بالتوافد إلى لبنان وعُلم ان بعضها سيتسمع لإفادة سلامة في شهر شباط القادم.

نستكمل اليوم استشراف الاراء ومنها رأي الإعلامي، الكاتب والمحلّل السياسي المخضرم الدكتور ناجي صفا.
نبذة عنه : هو من بلدة جنوبيه متواضعه تسمى الكفور بالقرب من النبطية. درس المرحله التكميليه في النبطية ثم انتقل الى بيروت حيث اكمل دراسته الثانوية، بعدها دخل الى الجامعه اللبنانيه حيث درس القانون وعلم الاجتماع. إنخرط في العمل السياسي باكراً، كذلك في الإعلام حيث عمل في العديد من الصحف، وكان رئيساً للقسم السياسي في مركز الدراسات الفلسطينيه لمدّة خمس سنوات قام خلالها بإنتاج كتابه الأول بعنوان” كامب ديفيد، أعلى مراحل التآمر على الشعب الفلسطيني. كذلك فقد عمل كمستشار للقائد المرحوم ابو جهاد خليل الوزير، وانتقل الى باريس الى منطقة Noisy-le-Grand لدعم انتفاضة الحجارة. شارك في التصدي لإجتياح العام 1978 واجتياح 1982. وخلال عشرية النار في سوريا كان دائم الحضور في سوديا رغم المعارك. حاضر في النادي الثقافي العربي ابو رمانه كما في طرطوس. كتب 184 مقالاً عن سوريا ولبنان والسياسة الدولية والداخلية وكان له عدة مقابلات على الشاشات في سوريا.
وما زال يظهر بإنتظام على اربع محطات تلفزيونيه كمحلّل سياسي واستراتيجي. شارك في غالبيه النشاطات الفكريه والسياسيه في لبنان وله مقولته الشهيره: “لن اكسر قلمي طالما عروقي ما زالت تنبض”

صفا :
افتتح صفا مداخلته بالتعريج على المُتغيّرات الشكلية التي طرأت على المشهد السياسي والتي تمثّلت في اعتكاف عدد من النواب في المجلس النيابي قائلا” إنها حراكات شكلية واستعراضية لن تُقدّم او تُؤخّر، لأن الحلّ السياسي لأزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية موجود في الخارج ودور الداخل اللبناني هو فقط لتظهير ما سيجري الإتفاق عليه في الخارج.
وأضاف انا لا أرى حلولاً قريبة في الافق، فالمنطقة والعالم يعانون من ازمات كبرى ستطال التوازنات الإستراتيجية في المنطقة والعالم، فلبنان هو أشبه بالرسيفر للمحطات الفضائية الخارجية، هو “متلقّي” وغير فاعل سواء في الصيغ او القرار.

ثم بدأ بالإجابة على الأسئلة المطروحة حيث قال:
ان المخارج لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية موجودة، لكن حدَة الإنقسامات في الخيارات السياسية بين الأقطاب السياسية تمنع ذلك؛ إلا إذا حصل توافق ما داخلي، وهذا ما استبعد حصوله. ووفقاً للنسق التاريخي الحاصل للبلد الذي خلص إلى أن التوافق فيه على رئيس جديد للجمهورية يأتي من الخارج، ولو ظهر أحياناً أنه توافق داخلي، عبر تسويات تتمّ مع القوى الخارجية على شاكلة ما حصل في مؤتمري الطائف والدوحة لحلّ أزمة لبنان في حينها ولإنتاج تسويات رئاسية.
أكمل “صفا” ردّاً على السؤال الثاني حول بداية ظهور الحلول مع إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، أنه وفي حال جرى التوافق على رئيس، نظرياً، يعني هذا البلوغ الى عتبة الإنقاذ ولكن من ضمن برنامج مع الرئيس الجديد الذي يجري التوافق عليه. أما في حال وصول رئيس “تحدي”، فإن ذلك لا يعني ابداً امكانية بلوغ لبنان عتبة الإنقاذ، على شاكلة ما حدث في عهد الرئيسين لحود وعون حيث لم يستطع اي منهما فعل الكثير في معظم المجالات وامام كل التحديات التي توجد في البلد. وهذا يُؤشّر الى ان ارادة التعطيل الداخلية المدعومة من الخارج (لا سيما من الولايات المتحدة الأميريكية)،هي التي تلعب الدور الأكبر حتى لو تمّ انتخاب رئيس جديد. أستكمل كلامه بأن العلاقة بين التيار الوطني الحرّ والحزب ستكون مُضطربة وغير مُستقرّة في هذه المرحلة، نتيجة تضارب المصالح والمزاج الشعبي المختلف لكلا الطرفين ولو التقيا في بعض الامور، أما فيما يخصّ امكانية التفاهم بين التيار الوطني والقوات والكتائب على مِرشح واحد فهو امر مُستحيل نتيجة تناقض الرؤى والمصالح وتناقض الخيارات والارتباطات والالتزامات الداخلية والخارجية.
رداً على السؤال الثالث حول دور القوى السياسية في ما وصلنا اليه على المستوى الإقتصادي، فأعتبر صفا انّ القوى السياسية مسؤولة عما جرى وليس لديها نيّة او إرادة من الاساس لعملية التغيير والاصلاح. وهي ما زالت تُكابر وتُنكر مسؤوليّتها عن ما حصل وتخترع صيغ وقوانين معينة مثل التلهيّ بقانون “الكابيتال كونترول” و”خطة التعافي الإقتصادي” وما الى من خطط ومشاريع لشراء الوقت وتضييع البوصلة وعدم محاسبة شركائها من المرتكبين الحقيقيين بحق الوطن وشعبه ولتبرئة نفسها. وهي اصلاً مُرتهنة في خياراتها السياسية للخارج؛ لأن أموالها مُرتهنة في الخارج، وتحت يد الولايات المتحدة والغرب تحديداً، وهي تخشى على اموالها.
ولذلك فقرار التغيير مرهون بموافقة الطرف الخارجي وهم فقط أدوات له.
أما فيما يخصّ الحاجة الى تنظيم مؤتمر تأسيسي جديد. فاعتبر صفا ان هناك ضرورة لا مفر منها لهكذا مؤتمر، والعطب بدأ من “اتفاقية سايكس بيكو” ودور الدولة الوظيفي كان في خدمة التبعية للغرب وما زالت الحال على ذلك حتى اليوم حتى على مستوى التشريعات لصالح الاستعمار، من هنا ضرورة المؤتمر التاسيسي الجديد لإعادة تحديد الدور الجديد للبنان اليوم ولمعرفة التوجّه السياسي والاقتصادي المطلوب حالياً، ولايجاد حلول للطائفية السياسية وإقرار نظام مدني واقتصاد مُنتج يضع لبنان على طريق التعافي.
ختم صفا مداخلته بقوله : ان لبنان ما زال في مُربّع الأزمات ونحن ذاهبون للاسوأ نتيجة وجود الطبقة السياسية نفسها المُتماهية مع الاجندات الخارجية ولبنان مُقبل على مزيد من الازمات والتعقيدات والإنهيارات!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى