قبل ذوبان الثلوج: أميركا تتجه لتوسيع نطاق الحرب
بقلم د. عدنان منصور
لم تكتف الولايات المتحدة بسياساتها الاستفزازية حيال روسيا، منذ ان بدأت بتوسيع النطاق الجغرافي للحلف الاطلسي اعتبارا من عام 1999، الذي كان يضم في ذلك الحين 16دولة ، ليتمدد في ما بعد، ويصل الى حدود روسيا،بعد أن ضمت واشنطن الى الحلف ثلاث دول أوروبية عام1999، وسبع دول عام 2004، وثلاث دول عام 2017، واخيرا مقدونيا الشمالية عام 2020. بذلك يرتفع عدد اعضاء الحلف الاطلسي الى ثلاثين دولة، منها ما يلامس مباشرة روسيا.
لم تكتف واشنطن بهذا القدر،بل لجأت الى سياساتها الإقتصادية والمالية العدائية ضد موسكو، وٱثرت على جر أوكرانيا الى فلكها وجعلها وقودا لحرب استنزاف طويلة ضد روسيا بغية تحجيم وتعطيل مكانتها الاوروبية، والحد من دورها العالمي،ما يتيح لواشنطن
عودتها مجددا للاستئثار بالقرار الدولي ، والتربع على عرش الأحادية القطبية العالمية .
بعد اربعين يوما، ستنهي الحرب الاوكرانية عامها الاول، بعد ان زجت واشنطن بدول الاتحاد الاوروبي، والحلف الاطلسي، في حرب غير مباشرة، كانت بغنى عنها. إذ كان على هذه الدول اليوم ،
أن تدفع الثمن الباهظ نتيجة انقيادها الأعمى لواشنطن،والتزامها بسياسات اميركا وقراراتها لعقود طويلة .
لم يكن مفاجأ، أو غريبا، او بعيدا عن الحقيقة الدامغة ، حديث السياسي بيار ديغول، حفيد الزعيم الفرنسي شارل ديغول ،العليم والخبير بحقيقة السياسة الاميركية وأهدافهاومصالحها،وأبعادها ،في مقابلة أجرتها معه مؤخرا،
جمعية الصداقة الفرنسية الروسية في باريس جاء فيه:” إن روسيا تدافع عن نفسها ضد ٱلاف العقوبات والاستفزازات. وأن واشنطن ودول الناتو، هي من خطط للحرب باستخدام أوكرانيا لزعزعة أوروبا في محاولة لإنقاذ الهيمنة الاميركية المفقودة.”
رغم أن واشنطن تعلم جيدا،كما دول الحلف الاطلسي ،أن روسيا لم ولن تتراجع عن قرارها، أو تضحي بأمنها القومي، ووحدة شعبها واراضيها،حتى ولو ذهبت بعيدا في استخدام ما لديها من مقومات القوة والردع الكفيل بإحباط المؤامرة الاميركية- الاوروبية عليها، والمكشوفة للعالم كله .
واشنطن تخوض حربا غير مباشرة ضد روسيا،وقودها الاقتصادات الاوروبية، والمتطوعين، والمقامرين من قادة دول اوروبا ، وعلى رأسهم المغفل رئيس أوكرانيا زيلينسكي، الذي كان السبب الاول في دمار بلاده وخرابها، بعد أن كان أداة طيعة في يد واشنطن، والمنفذ لرغباتها.
أميركا لا يهمها دمار اوكرانيا، أو سقوط عشرات الٱف القتلى نتيجة الحرب التي تريدها ، او ضرب اقتصادات اوروبا. ما يهمها أن تكون في زمن السلم والحرب صاحبة القرار الأول،
والمستفيد الاول، والموجهة والمهيمنة على العالم.
واشنطن وضعت في حسابها خوض حرب استنزاف طويلة ضد روسيا، تزداد شراستها أكثر فأكثر قبل انتهاء فصل الشتاء في أوروبا وزوبان الثلوج فيها.وهي تستعد لتقديم المزيد من الدعم العسكري والمالي المتواصل لكييف، وتوفير الكم الكافي من الأسلحة المتطورة،والدبابات
وبطاريات الصواريخ لشل القدرات العسكرية الروسية، وإحباط مفاعيلها.
قرار الولايات المتحدة بمواجهة روسيا ودعمها لاوكرانيا ،وتطويق خصومها في أنحاء عديدة من العالم، كشفته بصورة واضحة من خلال قانون الموازنة الفدرالية الاميركية لعام 2023. إذ لحظ القانون موازنة دفاع قدرها 858 مليار دولار بزيادة تبلغ
88 مليار دولار عن موازنة عام 2022 البالغة 778 مليار دولار، وهي اكبر ميزانية عسكرية في تاريخ الولايات المتحدة والعالم.إذ ان الانفاق العسكري الاميركي وحده يشكل %36 من مجمل الانفاق العسكري في العالم كله البالغ 2 ترليون و113 مليار دولار عام 2021 وفقا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI. بوجب الموازنة العسكرية هذه ، ستعمد واشنطن على تطوير البرامج النووية، وسيتم ايضا تخصيص 45 مليار دولار مساعدات عسكرية،واقتصادية، وانسانية لأوكرانيا.
كما لحظت الموازنة انفاق 6 مليار دولار من أجل تمويل مبادرة الاحتواء الاوروبية الموجهة ضد موسكو
،وضرورة تقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية.
يبقى ذلك أن ضغطت الولايات المتحدة على دول حلف الناتو لزيادة موازناتها العسكرية ، بحيث ان ثماني دول اعضاء في الحلف، خصصت %2 او اكثر من الناتج المحلي على الانفاق العسكري.
سياسة واشنطن والاتحاد الاوروبي، والعقوبات الإقتصادية، والتجارية، والمالية ضد روسيا نتيجة لحرب اوكرانيا، ادت الى ارتفاع تكاليف الطاقة في دول الاتحاد الاوروبي 1.06 ترليون دولار عام 2022، وفقا لتقرير بلومبورغ الاميركي، وهو تقرير يتوافق مع تقديرات صندوق النقد الدولي في هذا الشأن.
اميركا بتطلعاتها لعام 2023، ترصد أيضا منطقة الشرق الاوسط بكل قوة، للحفاظ على مواقعها وتعزيز نفوذها.فالموازنة العسكرية الاميركية ركزت على الاهتمام بالمنطقة ، والعمل على تشديد المراقبة على البرنامج النووي الايراني، و”اذرع طهران” المسلحة، التي “تهدد” حلفاء واشنطن، وعلى رأسهم “اسرائيل”، ومتابعة التطورات والقدرات النووية،
والصاروخية، وبلورة استراتيجية فاعلة لتعميق وتقوية التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الاوسط، بغية رفع مستوى الجهوزية الدفاعية للتصدي لانشطة ايران.
لم يغب شرق وجنوب شرق اسيا، لا سيما تايوان عن قلق واهتمام واشنطن بها. ففي 8 كانون الاول عام 2022، اقر مجلس النواب الاميركي قانونا، يمنح بموجبه مساعدات عسكرية، ومبيعات أسلحة لتايوان بقيمة 10 مليار دولار. وقد اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب ميننديز Bob Menendez ان هذا القانون “سيعزز الى حد بعيد شراكة الولايات المتحدة الدفاعية مع تايوان.” مع العلم ان هذا القانون قبل تعديله كان يلحظ منح تايوان وضع “حليف كبير خارج الحلف الاطلسي”، مما كان سيشكل تحديا واستفزازا كبيرا ومباشرا
للصين، التي شهدت علاقاتها مع واشنطن تدهورا ملحوظا في السنوات الاخيرة.
واشنطن في عام 2023، تكشر عن انيابها من جديد، مندفعة لملء الفراغ الذي تركته في اكثر من مكان في العالم،ولاستعادة دورها الأحادي ونفوذها الواسع والمهيمن على العالم ،الذي يشهد تراجعا عاما بعد عام ، مع بروز قوى دولية كبرى بدأت تشكل لها تحديا خطيرا لازاحتها عن زعامتها العالمية التي كانت ولفترة قصيرة دون منازع.
شهية الولايات المتحدة على الحروب منذ نشوئها، شهية لا حدود لها، ولم تتوقف على مساحة العالم كله. فمن حرب الى حرب تتنقل، ولا ندري ما الذي تخبئه في جعبتها وهي تستعد عام 2023 للمغامرة في اكثر من مكان في العالم ،بعد ان سبق لها أن كانت العلة في دمار وخراب العديد من البلدان، وما أوكرانيا إلا ٱخرهم، والباقي على الطريق.