متفرقات

عارٍ في زمن التصحّر

بقلم علي زعرور

وتشعر أنك عار في زمن التصحّر، تغتالك تلك المهانة وأنت مكشوف ومشبوه بكل تفاصيلك. حياتك المباحة أضحت لقمة سائغة أمام نهمهم وتصفية ما بقي من رمقك باتت في سلّم أولوياتهم المغموسة بمفاضلة بين تصحّر حياتك في كثبان سطوتهم والبقاء بذّل أو حتى الموت بنكران الذاكرة والذات.

ماذا ينتظر الأعم الأغلب غير أن تدق مسامعك كل صباح مجادلاتهم ومشاكساتهم اليومية الفارغة، بدل أن يهز قلبك صوت فيروزي عاشق للوطن وعابر لأحلام بلا قيود خانقة. طبعا هذا الهوس بهم الذي عشعش وتجذّر فينا ما زال يواصل سطوته الساخرة على عقولنا، ربما استهلاكنا الزائد له أدخلنا في حالة من شرود ذهني يجمعنا بهم بذريعة وجودنا.

أن ترهن نفسك لإبقاء المتسلقين عليك، وتواصل البقاء على عتبة موت يستعرضك كلما دارت محركاتهم المستعجلة لقضاء ليلة لا تتكرر، أو تناهضك أفكارهم السوداوية لتبقيك في سباتك الدائم، ليس سوى استثمار خاسر لا محال، ثمة قشعريرة حرّة تعبرك نحو الخلاص وثمة مذلّة تبقيك تحت نير الموت السريري.

أي شيء لا يهديك الكرامة هو في نهايته كارثة تأخذ عمرنا بعد أن تأخذنا فاجعة كلامهم المحروق تحت وطأة التكرار وأقلامهم التي تكتب لتسلب منا ومضة ضوء وأمل بحالة مستجدة تشبه طموحاتنا، أرادوا أن نبقى أمواتا ونحن أحياء بوهم كاذب يجهض عزيمتنا ويأخذ أحلامنا وتطلعاتنا إلى مقبرة لا ترقد فيها سوى الأوجاع الموؤودة.

لن نولد بعد اليوم مقلوبين، والناس الذين نراهم في وجهنا معكوسين لن تتكفل الحياة بقلب حقيقتهم، ثمّة جهد مهووس باندفاعة من رحم المنطق عليه أن يستيقظ من غفلته المذعورة ويعيد ترميم ما أتلفنا، لا نريد أن يلبسنا الحداد كل وقت وننسى.

كنا نقضي سنوات نخمد أنفاسنا تحت صبرنا، وأغلب ظننا أننا نصنع رواية بنهاية جميلة. لم نكن ندرك أن حياتنا مجرد حفنة من رماد تذّر في أعيننا لتعمينا عن حقيقة ما يجري، فجارك الذي يستند إلى حائط الغدر  سوف يهديك كفنا بدل أن يهديك وردا لنجاحك، وتلك المرأة المحقونة بتفاصيلها العبثية سوف يزداد حقدها بحكم براثن الفضيحة التي أولدتها في شتاء العتمة، تلك التي ظننتها صداقات كانت خسارات على نارخافتة والإنتصارات التي تحيي خمول أيامك كانت مفخخة بانكسارات.

كل ما يدور في فلكك مجرد كائنات حبرية تنظر إليك بشهية الإستحواذ، تبقيك لتبقى، تتربص بك كأخطبوط يفرز حبره عندما يمتد إلى كامل جسدك دون أن تشعر بألم، تنال منك حد الإيذاء، ثم تعيدك إليها بقبلات لتفعلها من جديد كأنها الخطوة الأولى في افتراسك. ثمة أشخاص عليك أن تقرأها بحذر، وثمّة أعذار عليك أن ترميها بعجل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى