محصلة اليوم الماراتوني: تكاتف السلطة مع المصارف
بعد نحو ثلاث سنوات بالتمام والكمال على اندلاع “ثورة تشرين”، عانى خلالها اللبنانيون الأمرّين ذلاً ومهانةً على أعتاب المصارف طلباً لأموالهم المنهوبة والمحجوبة، وبعدما مات من مات من المودعين أو أضحى طريح فراش الموت دون أن يستحصل على أمواله أو أقله كلفة علاجه، كان لا بدّ من وصول فتيل الأزمة إلى لحظة انفجار حتمي وصدام مباشر بين المودع ومصرفه، ولا عجب بتوالي الأحداث المتفرقة وتدحرج الأمور وصولاً إلى مشهدية الأمس التي بدت أشبه باندلاع “ثورة مودعين” عازمين على استرجاع جنى أعمارهم ولو بالقوة… “ويا روح ما بعدِك روح”.
لكن وأمام أحداث اليوم الماراتوني الطويل الذي انطلق صباحاً من الغازية قبل أن يتمدد حتى ساعات الليل باتجاه بيروت وعدد من المناطق، وبعد أن تداعى مودعون إلى اقتحام فروعهم المصرفية “متسلحين” بما تيسّر من مسدسات بلاستيكية وعبوات بنزين فنجح معظمهم في تحرير دولارات نقدية من حساباتهم المجمّدة وانتزاع شيكات مصرفية بالجزء المتبقي منها، استنفرت في المقابل منظومة السلطة وسارعت إلى شد أزر المصارف والتكاتف معها في مواجهة المودعين، بغية إحباط فورتهم وإخماد ثورتهم، تأكيداً على أنهما وجهان لـ”العملة المنهوبة” من جيوب اللبنانيين، بحيث توّلت السلطة عملية تسخير الأجهزة الأمنية والقضائية في زجر واعتقال من تسوّل له نفسه محاولة استعادة حقوقه المسلوبة من البنوك، وعمدت الثانية إلى معاقبة كل المودعين وإنزال القصاص بهم جميعاً عبر قرار الإقفال الشامل ثلاثة أيام مطلع الأسبوع، مع التوعّد باتخاذ إجراءات “أمن ذاتي” متشددة بعدها ستمعن بإذلال المودع للتأكد من خنوعه وخضوعه قبل أن يطأ بقدميه أروقة المصرف.
إذ وبينما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يطالب من مجلس النواب بالإقلاع عن استخدام اللغة “الشعبوية” قبل أن ينهل هو نفسه من مفردات قاموسها حين سأل: “في حدا بيعتقد إنو نحنا مش حاسين شو عم يصير بالشعب؟”، استنفر وزير داخليته بسام مولوي مجلس الأمن المركزي وترأس اجتماعاً طارئاَ “لحماية النظام”، ولم يتوانَ عن تهديد المودعين في حال قرروا التحرك لتحصيل أموالهم باعتبارهم سيعاملون معاملة “الخارجين عن القانون”، متعهداً بتشديد إجراءات فرض الأمن ضد تحركاتهم، مع رميهم بشبهة الإئتمار بـ”جهات تحركهم وتدفعهم إلى هذه التحركات ضد المصارف”، متغاضياً عن حقيقة أنّ من بين من اقتحموا المصارف أمس ضابطاً برتبة ملازم أول في الجيش أخرجه العوز من بزّته العسكرية ودفعه إلى الإقدام على خطوته اليائسة، وأنّ ما حرّك معظم المودعين في الاقتحامات المصرفية التي توالت خلال الأيام الأخيرة وصولاً إلى الأمس كان إما مريض يحتاج إلى تسديد ثمن استشفائه أو أب يريد تأمين قوت أولاده وأهله.
وبدوره، استحضر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات كامل قواه وسلطته القضائية لتسطير استنابة إلى كل الأجهزه الأمنية طلب فيها “ملاحقة الأعمال الجرمية المرتكبة داخل فروع عدة مصارف في لبنان والعمل على توقيف المرتكبين واحالتهم لديه”، مشدداً في استنابته على وجوب “العمل على كشف مدى ارتباط هذه الأعمال ببعضها وتوقيف المحرضين، باعتبار هذه الأفعال تشكل بتفاصيلها عمليات سطو مسلح على المصارف وغايتها توقف العمل المصرفي في لبنان واحداث مزيد من أزمات مالية واقتصادية”. وقد ابلغ المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري مضمون الاستنابه الى مجلس الامن المركزي اثناء اجتماعه لبحث الاجراءات الموجب اتخاذها في هذا الصدد.
نداء الوطن