قانا وكاريش.. حقلان أم حقل واحد؟
ثمّة عين على هوكشتاين والعين الثانية على «كاريش» في المرحلة الراهنة.. فزيارة الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين منتظرة بين يومٍ وآخر، وإن لم يكن قد طلب مواعيد رسمية من المسؤولين اللبنانيين بعد، فيما يخلط الكلام الذي صدر أخيراً من قبل العدو الإسرائيلي عن عدم التنازل عن حقل «كاريش» الذي يُسمّيه لبنان حقل «قانا»، على ما صدر عنه في إشارة مفاجئة ولا تمت الى الحقيقة بصلة، كلّ الأوراق رغم تأكيده على «قرب التوصّل الى اتفاقية ترسيم بين الجانبين». فهل يتضمّن «العرض الإسرائيلي الجديد» الذي سيحمله هوكشتاين الى المسؤولين اللبنانيين بعد أسبوع أو أكثر، الإتفاق على الحقول النفطية وليس على الخطوط، على ما كانت تتمّ مناقشته خلال المحادثات الأخيرة؟! وماذا عن تسريب مقولة أنّ حقل «قانا» اللبناني الذي يُعوّل عليه لتحسين الوضع الإقتصادي والمالي الداخلي لما يحويه من نفط وغاز بملايين الدولارات، هو حقل «كاريش» نفسه، من وجهة النظر «الإسرائيلية»؟! وهو أمر غير منطقي على الإطلاق، خصوصاً وأنّ الخرائط «الإسرائيلية»، تُحدِّد حقل «كاريش»، على ما هو عليه في جميع الخرائط إذ يقسمه الخط 29 الى قسمين شمالي وجنوبي، وهو يبعد فعلياً عن حقل «قانا» اللبناني كيلومترات كثيرة يُمكن رؤيتها بالعين المجرّدة.
أوساط ديبلوماسية مواكبة لموضوع ترسيم الحدود البحرية، أكّدت بأنّه معروف عن «الإسرائيلي» بأنّه كثير المراوغة والحيلة ولا يؤتمن له. ويتمّ اليوم الحديث عن أنّه قدّم «عرضاً جديداً» للبنان لحل أزمة الترسيم عبر الوسيط الأميركي الذي لم ينقله بعد الى المسؤولين اللبنانيين، في الوقت الذي كان ينتظر فيه لبنان ردّاً على طرح الدولة الأخير بالقبول أو بالرفض، وليس عرضاً جديداً، ما يدلّ على تغيير فيما سبق وأن جرى الإتفاق عليه. ولهذا لا يجب التسرّع قبل معرفة ما يحمله فعلاً هذا العرض، بعيداً عن التسريبات لكي يُبنى على الشيء مقتضاه.
وحول ما ذكرته القناة الرابعة «الإسرائيلية» ان «إسرائيل» اعلنت عن قرب التوصّل الى اتفاق على ترسيم الحدود، لكنها لن تتنازل عن حقل «كاريش» الذي يُسمّيه لبنان حقل «قانا»، وكأنّه يُمكن للبنان أن يُخطىء في أمر هكذا، وأوضحت الاوساط أنّ «الإسرائيلي» عندما يبدأ بالمراوغة إنَّما يفعل ذلك لسببين: الأول، لشعوره بالخسارة خلال عملية التفاوض، والثاني، لتأجيل البتّ باتفاقية الترسيم في انتظار المستجدّات الدولية والإستحقاقات الداخلية. ولهذا يطرح أمراً جديداً يخلط الأوراق ويُعرقل الإتفاق، في محاولة «عود على بدء» تتطلّب وقتاً، ويرمي بذلك كرة التأجيل والتسويف في ملعب الجهة المقابلة أي لبنان.
أمّا فيما يتعلّق بالحديث عن أنّ حقل «كاريش» هو الذي يُسمّيه لبنان حقل «قانا»، فيُظهر تماماً النوايا «الإسرائيلية» التي تهدف الى الإستيلاء على كامل حقل «قانا» الواعد بكميات كبيرة من الغاز والنفط تكفي للثلاثين سنة المقبلة، على ما شدّدت الأوساط نفسها، لا أن تعطيه للبنان كاملاً مقابل تنازله عن الخط 29، وبالتالي عن النصف الشمالي من حقل «كاريش» الذي يقع ضمنه. علماً بأنّ حقل «قانا» اللبناني يمتدّ شمالاً الى ما بعد الخط 1 الذي يُطالب به «الإسرائيلي». كذلك يؤكد البعض بأنّه هناك حاجز أخدودي بين الحقلين، أي أنّهما حقلان منفصلان، وإن كان العدو يسعى الى شفط الغاز من أعماق البحر، من الجزء الجنوبي من حقل «قانا» اللبناني الذي يوازي حجمه ضعف حقل «قانا» بمرتين ونصف، من خلال بدء عمله في «كاريش» في الفترة الممتدة من 4 الى 11 أيلول المقبل.
وذكّرت الاوساط بالأطماع «الإسرائيلية» في حقل «قانا» في فترة سابقة، وتحديداً قبل نحو أسبوع من إعلان الدولة اللبنانية توقيع العقود مع تحالف الشركات النفطية العالمية الذي حصل على رخصتي استكشاف وإنتاج للنفط في الرقعتين 4 و9 من المياه البحرية اللبنانية، إذ خرج يومها (في 31 كانون الثاني 2018) وزير الدفاع «الاسرائيلي» أفيغدور ليبرمان ليصف منح لبنان رخصاً للتنقيب في البلوك رقم 9 الواقع على الحدود البحرية بين لبنان والاراضي «الاسرائيلية» بالأمر «الاستفزازي جداً»، مدّعياً أنّ «البلوك رقم 9 ملك لإسرائيل وليس للبنان». وقد قام بهذه المحاولة للتشويش على عمل الدولة اللبنانية، ولحضّ الشركات العالمية على عدم تقديم عروضها. علماً بأنّ حقل «قانا» يقع ضمن البلوك 9، وقد تمكّن «الإسرائيلي» من خلال الضغط على شركة «توتال» الفرنسية بعد تأزيمها إياه من ضمن «كونسورتيوم» الشركات، من جعلها تؤجّل عملها فيه رغم ادعاءاته الكاذبة بأنّ ملكيته تعود له.
من هنا، رأت الأوساط عينها بأنّه على الدولة اللبنانية القيام بخطوة إستباقية تتمثّل بالإسراع بتعديل المرسوم 6433 بالإحداثيات الجديدة التي تحدد الخط 29، على أنّه خط الحدود اللبنانية البحرية لتضمن حقّها في حقل «قانا» كاملاً وفي القسم الشمالي من حقل «كاريش»، وإيداع التعديل لدى الأمم المتسيما وأنّ اعتماد هذا الخط لا يزال أحد خياراتها، وهو الخط الأكثر قانونية بين سائر الخطوط، وإلّا لما تشكّلت جبهة داخلية وخارجية للدفاع عنه. وهذه الخطوة الاستباقية يجب ان تواكب ما يطمح اليه «الاسرائيلي»، وهو العودة الى طرح الخط 310 الوهمي بهدف المطالبة بحقل «قاتا» كاملاً.. ويكون بذلك قد استولى على حقلي قانا وكاريش معاً معتبراً إياهما حقلاً واحداً، وذلك خلافاً للواقع وإنّما بما يخدم مصالحه، سيما وأنّ الدول الأوروبية تفتش عن مصدر تستورد منه النفط والغاز للسنوات المقبلة، بعد الحرب الروسية- الأوكرانية التي أقفلت هذا الباب عليها، وإذ يُمكن أن يكون لبنان هذا المصدر الجديد يحاول «الاسرائيلي» قطع الطريق عليه من خلال الخزعبلات التي يخترعها لإبقاء الوضع في لبنان على ما هو عليه من السوء والانهيار.
لهذا شدّدت الأوساط نفسها انه على لبنان أن يعود الى التمــسّك بالحجج القانونية القوية التي لا يُمكن لـ «الإسرائيلي» والأميركي دحضها رغم تهديداتهما له وللشركات العالمية النفطية، فيعود لتكريس الخط 29 خط حدوده البحرية. وقد أكّدت «جبهة الدفاع عن الخط 29» لـ «الديار» توضيحاً لما ذكرته عن أنّ موقفها ضعيف كون القرار ليس بيدها، أنّ موقفها ليس الأضعف، بل هو الأقوى، وذلك للأسباب الآتية:
اولاً- لقد فضحت الجبهة الصفقة التى كانت نائمة لأكثر من عشر سنوات، وكانت جاهزة للتوقيع في أيار الماضي بعد زيارة الوسيط الاميركي، كونها لا تعتبره حتى الآن وسيطاً بل طرفاً لأنّه لا يتمتع بالمعايير التى تُمكّنه أن يكون وسيطاً عادلاً، لأنّه ما زال هو وأصدقاؤه اللبنانيين يخدمون المشروع «الإسرائيلي». والجميع يذكر مؤتمره الصحافي الأول عندما قال : «ليس عندي غير هذا المشروع « الخط المتعرج» اما ان تقبلوا به اما ان تقضوا أيامكم بدون غاز وكهرباء وتعودوا الى العصر الحجري «. وعندما قال في احد جلساته موجّهاً كلامه الى قائد الجيش: «لا يهمّ أن تكون صاحب حقّ، ويقصد حقّ لبنان في الخط 29، بل الاقوى هو من يفرض»، وقد اعتبرت الجبهة كلامه تهديداً وإهانة لكلّ اللبنانيين، ولهذا لا تعترف لا بوساطته ولا بمديح أصدقائه اللبنانيين له ولمهمته، وهذه الوساطة يجب أن تسقط هي وممثليها في لبنان.
ثانياً- إنّ الجبهة بما قدّمت من معلومات وواثق تثبت حقوق لبنان في حدوده البحرية، والتي تمتد حتى جنوبي الخط 29 ، استطاعت ان تقنع الكثير من الاحزاب الفاعلة والضاغطة في تغيير مسارها بالنسبة للحدود، كما أنّ تحرّك الجبهة ليس مقتصراً على الداخل اللبناني فقط.
ثالثاً- لم تكتفِ الجبهة بالتحرّكات الإعلامية والشعبية بل لها تحرّك قانوني لكلّ متواطىء ومشترك وفاعل في صفقة العار.. صفقة التنازل عن حدود الوطن وثرواته.
الديار