متفرقات

اندثرت “عيب” وضاعت أصول التربية

وجّه الكاتب والمحلل السوسيوبوليتيكي الثائر جوزيف يونس تحياته لكلمة مؤلفة من ثلاثة أحرف رددها الآباء والامهات حتى أضحت أكاديمية خرّجت زوجات صابرات صنعن مجتمعات الذوق والاحترام، وتخرّج منها رجال قادة في الشهامة والرجولة.

فكتب:

كانت المرحومة “عيب” قائدة ورائدة في زمن الآباء والأجداد، حكمت العلاقات بالذوق ووضعت حجر الأساس لأصول التربية السليمة. تقبلناها بحب وتعلمنا أنها ما قيلت إلا لتعديل سلوكنا، فاعتبرناها مدرسة مختزلة في أحرف.

أبجدياتها تمثّل جامعة بحد ذاتها وحروفها المجانية تضاهي ألف دورة مدفوعة التكاليف.

بحروفك يا كلمة “عيب” قدَّر الصغير الكبير، تربى الصغار على صون سر الجار والدار، احترم الجار جاره وتداولنا صلة الأرحام بمحبة وشوق.

كان يقال للبنت “عيب” لا ترفعي صوتك، عيب لا تلبسي كذا… وللشاب عيب لا تنظر للنساء ولا ترفع صوتك بوجه أستاذك ولا تهزأ من المسن…  فتربت البنات على الحشمة والستر والأدب، وتربى الشباب على غض البصر والقيم الأخلاقية والمجتمعية. كما وتربى الصغار على عيب لا تنقلوا سر الجار والدار

“عيب” كانت منبراً وخطبةً يرددها الأهالي بثقافتهم البسيطة، لم يكونوا خطباء ولا دعاة أو مُفتين، وإنما هي كلمتهم لإحياء فضيلة وذم رذيلة.

ثُرنا على كلمة “عيب” ذات يوم عندما قلنا عَلَّمُونا العيب قبل “الحرام” وتمردنا عليها ظناً منا أننا سنعلم الجيل بطريقة أفضل. فأخذنا الحرام سيفًا بدون عيب، ونشأ جيل جديد لم نفلح في غرس كلمة “عيب” ولا شقيقتها الكبرى “حرام” في التفاهم مع سلوكياته أو مع التطوير والتزوير المستمر في العصر والمفاهيم والقيم حتى ماتت الكلمة وانتهت من قاموس التربية.

تحية من القلب للمرحومة كلمة “عيب” ولكل الأجداد والآباء الذين استطاعوا أن يجدوا كلمة واحدة يبنوا بها أجيالاً تعرف الأدب والتقدير والاحترام في الوقت الذي أخفقت محاولاتنا بكل أبجديات التربية المتطورة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى