أخبار دولية

مداهمة ال أف بي آي منزل ترامب، إصرار على الإتهام أم تعويم رئاسي؟

صدمت العالَم السياسي الأخبار العاجلة في وقت متأخّر من يوم الإثنين الماضي عن تفتيش مقرّ إقامة الرئيس السابق دونالد ترامب فيMar-a-Lago . لا توجد سابقة واضحة في تاريخ الأمّة الأميركية لتفتيش غير طوعي في منزل رئيس سابق كجزء من تحقيق جنائي لوزارة العدل. كان هذا تحوّلاً مفاجئاً للأحداث حتى بالنسبة إلى رجل تمكّن من اختبار العديد من تجاوز الحدود السياسية معه منذ إعلان ترشّحه للرئاسة أوّل مرّة منذ سبع سنوات.

كيف حدث هذا؟

أفادت تقارير أنّ وزارة العدل تحقِّق في سوء التعامل المحتمل من طرف ترامب، واحتفاظه غير الملائم بمعلومات سرّية في مقرّ إقامته منذ الربيع الماضي، بعدما كشف الأرشيف الوطني أنّه استعاد 15 صندوقاً من المستندات من Mar-a-Lago في كانون الثاني الماضي كان ينبغي تسليمها إلى الوكالة المعنيّة عند مغادرة ترامب البيت الأبيض. ويبدو أنّ هذا التحقيق مختلف قانونياً وواقعياً عن أعمال التحقيق الأخرى لوزارة العدل في ما يتعلّق بسلوك ترامب قبل حصار مبنى الكابيتول الأميركي في 6 كانون الثاني 2021، وخلال الحصار.

هناك في الأقلّ قانونان جنائيان قد يكونان موضع التفعيل في هذه القضية. أحدهما يحظر الإخراج غير السليم للمعلومات السرّية من المنشآت الحكومية. ويستهدف قانون آخر التدمير غير المناسب لسجلّات الحكومة، وهو موضوع حدث بالفعل وظهر إلى الأخبار هذا الأسبوع بناءً على تقارير إضافية تشير إلى أنّ ترامب ربّما يكون قد رمى وثائق البيت الأبيض في المرحاض.

بطبيعة الحال، فإنّ التحقيقات الجنائية في سوء التعامل مع المعلومات السرّية ليست غير مسبوقة على الإطلاق. فإبّان الحملة الرئاسية لعام 2016، قاد ترامب نفسه مراراً وتكراراً هتافات “إحبسها” من أجل استثمار تحقيق وزارة العدل في استعمال هيلاري كلينتون بريدها الإلكتروني الخاص عندما كانت وزيرة الخارجية في إدارة أوباما. (انتهى هذا التحقيق من دون توجيه تهم).

ومع ذلك، لا توجد سابقة واضحة لإجراء تحقيق يتعلّق بكيفيّة تعامل رئيس سابق مع الوثائق الحكومية. من الناحية النظرية على الأقلّ، يمكن أن يكون أيّ تحقيق من هذا القبيل معقّداً بسبب السلطة الواسعة التي يتمتّع بها الرئيس بشأن رفع السرّيّة عن الوثائق الحكومية. وإلى الآن، لم يقدّم ترامب أيّ سبب وجيه للاعتقاد بأنّه رفع السرّيّة بشكل صحيح عن أيّ مادة مصنّفة ربّما يكون قد أخذها إلى Mar-a-Lago.

ماذا يعني أمر تفتيش منزل شخص ما؟

من أجل الحصول على أمر تفتيش عقار مملوك لشخص ما، يتعيّن على وزارة العدل تقديم طلب إلى قاضٍ فيدرالي يوضح أنّ هناك سبباً محتملاً للاعتقاد بوجود دليل على وقوع جريمة أو أكثر في المبنى المستهدَف. وغالباً ما يكون هذا طلباً من طرف واحد، بمعنى أنّ الحكومة تتواصل مع المحكمة من دون مشاركة محامٍ يمثّل الطرف الذي سيُفتّش عقاره، حتى في التحقيقات الجنائية الروتينية. ونتيجة لذلك، تميل المعلومات إلى أن تكون أحاديّة الجانب بطبيعتها. ولكنّ القاضي مطالَب بإصدار حكم مستقلّ بشأن ما إذا كانت الحكومة قد أوفت بواجبها القانوني.

توفّر المذكّرة أساساً قانونيّاً للبحث، لكنّها ليست بالضرورة دليلاً على سلوك المالك. من الناحية الفنّية، لا يحتاج الشخص الذي يجري تفتيش سكنه إلى أن يكون هدفاً أو حتى موضوع تحقيق جنائي، على الرغم من أنّ هذا هو الحال. كما أنّ عبارة “السبب المحتمل” تؤدّي أحياناً إلى حدوث ارتباك مفهوم. هذا لا يعني أنّ الحكومة الأميركية قد أظهرت أنّ من المرجّح وجود دليل على وقوع جريمة.

بالطبع، هذه ليست حالة عاديّة. نحن نتحدّث عن رئيس سابق ومرشّح محتمل لعام 2024. لذلك من الإنصاف الافتراض أنّ الحكومة سعت إلى توفير أساس أكثر قوّة لإصدار أمر تفتيش، ممّا لو كان مالك العقار حرفيّاً أيّ شخص آخر باستثناء ترامب. بالضبط هذا ما كان يجب رؤيته، لكنّه الآن أحد أهمّ الأسئلة في السياسة الأميركية.

صاعقة أم فرصة؟

بالمقابل، كان تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي مكان إقامة الرئيس السابق ترامب في فلوريدا بمنزلة صاعقة سياسية جعلت عدداً من الجمهوريين يعتقدون يوم الثلاثاء الماضي أنّ هذا يمكن أن يعزّز مكانته في السباق الرئاسي في المستقبل. كما أنّ ترامب نفسه انتهز مداهمة الـ”إف بي آي” لحشد مؤيّديه، في حين قدّم الجمهوريون من مختلف ألوان الطيف السياسي الدعم للرئيس السابق، بما في ذلك المنافسون المحتملون لانتخابات عام 2024.

نهاية مرحلة ترامب؟

شاول أنوزيس Saul Anuzis، وهو مستشار جمهوري قديم ورئيس سابق في الحزب الجمهوري في ولاية ميشيغان، اعتبر إنّ مداهمة فلوريدا يمكن أن تساعد ترامب في إعادة تحقيق النجاح الذي شهده خلال محاولته الوصول إلى البيت الأبيض عام 2016، عندما حشد الناخبين حول رسالة مفادها أنّه الشخص الوحيد الذي يمكنه تطهير واشنطن من الفساد المنتشر وإساءة استخدام السلطة. ومن جهة أخرى، جادل بعضهم يوم الثلاثاء الماضي أنّ المداهمة يمكن أن تقدّم في الواقع فرصة لمنافسي ترامب. وهنا يقول دان إبرهارت Dan Eberhart، وهو متبرّع جمهوري، إنّ “مأزق المرشّحين الجمهوريين الذين ينتظرون لمعرفة ما إذا كان ترامب سيترشّح قد انفجر للتوّ. فليس هناك حاجة إلى الانتظار بعد الآن. مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي للمنزل المفضّل لترامب فتحت أبواب الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2024 على مصراعيها. لقد انتهى عهد ترامب، وباتت الفرصة متاحة للجميع”.

لكنّ كبار المسؤولين الجمهوريين سعوا أيضاً إلى ثني ترامب عن الترشّح مرّة أخرى قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، خوفاً من أن تشتّت حملة رئاسية ما خطط الحزب الجمهوري للتركيز على القضايا الاقتصادية مثل التضخّم هذا العام.

بالمقابل، اعتبر الديمقراطيون أنّ الأخبار دليل إضافي على أنّ ترامب غير لائق للحكم. لكنّهم يدركون أيضاً أنّ غارة الـ”إف بي آي” على المقرّ الخاصّ للرئيس السابق يمكن أن تأتي بنتائج عكسية. وحذّر أحد الاستراتيجيين الديمقراطيين القدامى من أنّه إذا فشلت المداهمة في الحصول على أيّ دليل على جريمة خطيرة، فقد تنشط قاعدة الحزب الجمهوري الأكثر محافظة، ويُحتمل أن يؤدّي ذلك إلى تآكل دعم الديمقراطيين بين المعتدلين القلقين من تجاوزات الحكومة. وخلص إلى القول: “أعتقد أنّه وضع سياسي خطير للغاية في ما يتعلّق بحدوث نتائج عكسية بين جمهور أوسع.”

مع ذلك، بينما يقف الجمهوريون مرّة أخرى وراء ترامب، يدرك البعض في الحزب مخاطر ترشّح ترامب للمرّة الثالثة، خاصة إذا كان تحت سحابة تحقيق أو لائحة اتّهام ناجمة عن مداهمة يوم الإثنين.

 

 

 

 

أساس ميديا

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى