شؤون إقتصادية

اشكالية الدولار الجمركي وسعر الصرف الرسمي

بقلم الخبير المالي والاقتصادي د. عماد عكوش

 يكثر الحديث اليوم عن الدولار الجمركي وخاصة عندما يتم مناقشة موازنة العام 2022 أو الحديث عنها. وقد ربط العديد من المسؤولين ما بين زيادة رواتب القطاع العام وإقرار الدولار الجمركي، لكن لغاية اليوم لم يتم الاتفاق على تحديد سعر محدد لهذا الدولار وكيف سيتم تطبيقه، وكيف سيصدر: هل عبر مرسوم خاص، من ضمن الموازنة او من خلال خطة التعافي والتي طال انتظارها؟

الدولار الجمركي وفقا” لوصفه هو سعر الدولار الذي يتم على أساسه تقييم فواتير الاستيراد القادمة الى لبنان عبر البوابات المرفئية سواء عبر البر، البحر، أو الجو. وبالتالي يتم احتساب الرسوم الجمركية بعد التقييم على أساس سعر هذا الدولار وليس على أساس سعر الصرف الرسمي. ما سيؤدي حتما” الى زيادة الواردات وفقا” لحجم الزيادة في سعر صرف الدولار مع الاخذ بالحسبان طبعا” مفاعيل هذه الزيادة على حجم الاستهلاك لجهة انخفاض حجم الاستهلاك بعد رفع الاسعار.

بخصوص سعر صرف الدولار الرسمي فقد نصّت المادة 18 من المرسوم الرقم 7308 تاريخ 28 كانون الثاني 2002 والمتعلق بأساس فرض الضريبة على القيمة المضافة على التالي: «في حال كان ثمن الخدمة أو المال محدداً بعملة أجنبي، ومن أجل احتساب أساس فرض الضريبة، على الخاضع للضريبة أن يحول هذا المبلغ إلى الليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي المعتمد بتاريخ إتمام عملية تسليم المال أو تقديم الخدمة». وهكذا يُفهم من هذا النص وجود سعر صرف رسمي يتوجب اعتماده من أجل احتساب الضريبة واستيفائها بالعملة اللبنانية.

تمّ تثبيت سعر صرف الليرة الرسمي إزاء الدولار الأميركي اعتباراً من أواخر عام 1998، ومنذ ذلك الحين بقي السعر الرسمي الوسطي مُحدّداً بـ1507.50 ليرة من دون أي تغيير. لذلك اليوم من السهولة الطعن في أي سعر يعتمده مصرف لبنان على اعتبار ان كل الاسعار المعتمدة اليوم لم يصدر بها لا قانون ولا مرسوم أو حتى قرار من وزير المالية.

لكن الملفت اليوم انه يتم الحديث عن سعر دولار جمركي وليس سعر صرف رسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميريكي، فهل إصدار قرار ، قانون، أو مرسوم بتعديل الدولار الجمركي وفقا” لنفس الصفة سيتم تطبيقه على باقي المعاملات الرسمية ولا سيما الضريبة على القيمة المضافة، التخمينات العقارية، رسم الطابع المالي على العقود التي موضوعها او قيمتها بالعملات الصعبة؟ كل هذه التساؤلات اليوم هي تساؤلات مشروعة حتى لا نقع لاحقا” في إمكانية الطعن في هذه القرارات.

من جهة أخرى، ماذا عن تعاميم مصرف لبنان وكيفية تسديد الودائع، لأن صدور قرار بتحديد سعر الصرف سواء الجمركي او الرسمي سيكون له مفاعيله على كل التعاميم والسحوبات من الحسابات بالعملات الصعبة حيث سيلزم هذا القرار دفع الودائع وفقا” لقانون الموجبات والعقود بالسعر الرسمي بالحد الادنى، وهذا سينعكس على حجم الكتلة النقدية في السوق وبشكل كبير.

نحن ننتظر القرار الذي سيصدر عن الحكومة بهذا الخصوص، فهل سيتم تحديد سعر الدولار الجمركي ويكون بنفس الوقت سعر الصرف الرسمي؟ أم سيتم الفصل ما بين سعر الدولار الجمركي والسعر الرسمي؟ علما” ان من حدد سابقا” سعر الصرف الرسمي 1507.50 ليرة للدولار هو مصرف لبنان ولم يصدر أي قرار أو قانون يحدد هذا السعر.

وبالتالي هل سيترك لمصرف لبنان تحديد سعر الصرف الرسمي على أساس ان لبنان في الاساس يعتمد سعر الصرف العائم وان السوق الحر هو من يحدد هذا السعر؟

مصرف لبنان خالف هذا التعويم بتثبيته والوصول بنا الى هذه الحالة من التضخم الكبير الذي كان يمكن تفادي اكثر من تسعين بالمئة منه لو قام مصرف لبنان بتعويم سعر الصرف منذ البداية وبشكل تدريجي لامتصاص حجم النفقات الضخمة في القطاع العام الناتج عن زيادة الرواتب وزيادة عدد العاملين من جهة، وتزايد الدين العام من جهة أخرى.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى