استنسابية فوق المعقول…
لم يشكّل القرار المصرفيّ القاضي بتحويل رواتب القضاة من السعر الرسميّ (1500 ليرة) إلى سعر صرف الدولار المصرفيّ (8 آلاف ليرة) سابقة جديدة في القطاع العام، فالاستنسابيّة تخطّت حدود المعقول، بدءاً من التدابير لصالح موظفي “أوجيرو”، وصولاً إلى الزيادة الضخمة لمقدّمي الخدمات في إدارة الجمارك، التي وصلت يومياتهم إلى الـ3 ملايين و600 ألف ليرة لبنانية.
اليوم، علت “الصرخة” في القطاع العام، فالاستنسابية لم تعد تُطاق، “كلّ مين عم يزبّط جماعته”، يُنادي أحد الموظفين الذي يأس من الوضع.
بدأت الاستنسابية في القطاع العام، عندما أخذ القضاة سلسلة الرتب والرواتب في العام 2011 دون غيرهم، وبعدها قبل الانتخابات النيابية في العام 2018. واليوم أيضاً الأمر مماثل، وفي وقت تطالب الإدارات العامة بأن تحوّل رواتبها من الدولار الرسميّ إلى دولار منصة “صيرفة”، سيحصل القضاة على رواتبهم وفق سعر صرف 8000 ليرة.
تعتبر رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر في حديث مع “النهار” أنّ “غلاء المعيشة طاول القضاة أيضاً الذين من حقهم الحصول على زيادة، لكن موظفي الإدارة العامة أوضاعهم أسوأ، ورواتبهم أقلّ”.
ووفق منطق فرّق تسد، وأعطِ واستفد، تسير الحكومة، وفق مصادر مطّلعة. ومن جهتها، تقول نصر: “هذه رشوة مكشوفة للقضاء”، وهي تسرد التجاوزات في عدم التكافؤ في القطاع العام، حيث تقول:
– صرّح وزير الاتصالات جوني القرم منذ فترة بأنّه ضاعف رواتب الموظفين في “أوجيرو”، وفي هذه الهيئة تصل رواتب بعض الموظفين إلى الـ80 مليون ليرة، ومنهم من يبلغ راتبه 30 و40 مليون ليرة، وبالرغم من ذلك ضاعف الوزير رواتبهم.
– الضمان الاجتماعي ساعد موظّفيه أيضاً.
– وكي يصل المعلّمون إلى المدارس قالوا لهم “سنعطيكم 90 دولاراً” (المنظمات الدولية)، ولاحقاً قالوا لهم 180 دولاراً، ولكن لم يدفعوا لهم هذه الأموال.
– قام وزير الداخليّة بعد فترة قصيرة من الانتخابات بإعطاء مبالغ 140 مليون ليرة و120 مليون ليرة، و80 مليون ليرة، إلى حاشيته. وأمس سمعت أنّه أعطى مبالغ مماثلة من جديد.
– وما زاد المشكلة أنّ إدارة عامّة، وهي المديرية العامة للجمارك، تفاجئنا في يوم أنّها رفعت رواتب موظّفيها بشكل جنونيّ، وذلك بموجب النصّ الذي يسمح لها بزيادة بدلات أتعاب عناصرها كمقدّمي خدمات، وبالطبع انسحبت على الباقين، وأصبحت قيمة الساعة عند مقدّم الخدمات تتراوح ما بين الـ240 ألفاً والـ300 ألف ليرة لبنانية، وتحتسب لهم 12 ساعة يوميّاً حتى لو عملوا ساعة واحدة، أيّ أنّ يوميّتهم 3 ملايين و600 ألف ليرة.
راجعت نصر وزير المال، وكأنّه لم يحصل شيء، إذ تشير إلى أنّ “هذه الأمور تتكرّر في القطاع العام، وعلى قاعدة فرّق تسد”. وتضيف: “الوزراء استباحوا الدولة، وبنفس الوقت لا يسألون عن الناس التي رواتبها مليون ليرة لبنانية في القطاع العام”.
وروت نصر أنّ “الموظفين “المعتّرين” يحصلون على راتبهم على أساس سعر منصّة صيرفة، أي أنّ العديد من الموظّفين لا يصل راتبهم إلى الـ40 دولاراً، وذلك حسب سعر “صيرفة”، مشيرةً إلى أنّ “المصرف يحصل على عمولة بالدولار”، وإلى أنّ “المشكلة مع المصارف ليست بالعمولة فقط، إنما أيضاً بالمماطلة بالموظفين الذين يذهبون إلى الفرع مرّات عدّة، مع ما يكلّفهم ذلك من راتبهم”.
وبالرغم من الزيادات المتفاوتة للقطاع، حصل جديد أمس في ملف رواتب البعثات الديبلوماسية، فرواتب هؤلاء انخفضت. وقال مصدر ديبلوماسيّ لـ”النهار” إنّه “تمّ تخفيض الرواتب بنحو 30 في المئة. وإذا أضفنا التضخّم على الأسعار في العالم، فذلك يعني أنّ التخفيض الفعليّ يصل لنحو 50 في المئة في العديد من الحالات”.
وقد نشر أمس، الخميس 7 تموز، في الجريدة الرسمية المرسوم رقم 9514، وهو ينصّ على تعديل تعويض بدل الاغتراب لموظّفي السلك الخارجي.