المولد المنزلي.. مضارب “وقت القطعة”
تناولت الزميلة وفاء ناصر موضوع المولدات المنزلية الذي يتنامى استعماله دون اي قيود، فكتبت في موقع جنوبيات ما يلي:
بات طبيعيا أن تدخل كهرباء الدولة بيوتنا في المناسبات وأن تختار الزمان الذي لا يكلفها خسارة. أمست ضيفا عزيزا ننتظره بفارغ الصبر في ظل سيناريو يتكرر دون أن نتّخذ العبرة من تفاصيله.
سيناريو مقيت أضفى على القطاع سمة مميزة تتجلى ب”التوقيت الخاطف”، وساهم عن قصد أو دون قصد في تلاشي هاجس اللامساواة واللاعدالة في التغذية بين منطقة على حساب أخرى وصَهَرها الى حد ما في بوتقة الحرمان المتوازن.
وفي ظل تقصير الدولة، “ركّ” المواطن على بديل ما لبث أن كبّله حد الإفلاس ووضعه تحت مقصلة الحرمان من الضوء. وإذا ما اعتمدنا مبدأ المفاضلة بين الخيارات يتجلى الأنسب بالبقاء في سجن صاحب مولد يُهندس حياتنا وفق مزاجه ومصلحته وتوقيته، على أن نجلس في الظلام ونكبّل أمورنا الحياتية بتوقيف عجلة الايام.
وللسخرية فقد تحوّل المولد بفعل الظروف المريبة إلى مضارب رئيسي، نتأفف من غلاء تسعيرته وأوقات وضعه في الخدمة متناسين ان اللوم الأكبر يقع على مؤسسة حري بها أن تؤمن الكهرباء للمواطنين لكنها تقاعست عن القيام بالمطلوب منها لأسباب إدارية، بنيوية، سياسية،…
وفي ظل المنافسة غير المتكافئة بين هذين المضاربين يتسلّل مضارب آخر، يرتبط تعاظم دوره المحدود باستحقاقات معينة، وتبرز أهميته “وقت القطعة”. يتمثل في المولد المنزلي الخاص الذي يعود بفائدة حصرية و يتسبب بضريبة مجتمعية نتيجة التلوث الذي ينشره سواء البيئي او التلوث بالضجيج.
فمن ناحية أولى، يؤثر تلوث الهواء، الناجم عن استخدام البنزين/المازوت لتشغيل المولدات وما ينتج عن احتراقه، في صحة الانسان ويؤدي الى أمراض تصيب الجهاز التنفسي، العيون، الجهاز العصبي، الجلد… كما يؤثر على الحيوان والنبات والبيئة.
ومن ناحية ثانية، يبرز إلى الواجهة التلوث بالضجيج أو التلوث الضوضائي الذي يؤثر على الصحة النفسية والعصبية للإنسان وبالتالي البدنية، فيسبب ضعف السمع (او الصم) والأرق وأمراض القلب والأورام ونقص المناعة وغيرها.
والملفت أن انتشار هذه الظاهرة ترافق مع تقنين أصحاب المولدات لساعات التغذية، فعمد أرباب المنازل وأصحاب العمل إلى زيادة استهلاك مولداتهم الخاصة لتعويض النقص دون أي إكتراث لأضراره الجانبية على الإنسان والحيوان والبيئة.
إذًا هو انتشار يتفلت من حدود الرقابة والمتابعة بسبب تقصير الجهات المعنية.
فمن المعروف أن السلطة الإدارية المتمثلة بالبلدية أو المحافظ تسهر على راحة وأمن سكانها، وبالتالي يحق لها أن تفرض عدة شروط، كعدم السماح لصاحب المولد أن يبقي مولده يعمل ليلا أكثر من التوقيت الذي حدده القانون، وتشترط أن يضع كاتما له، وأن لا يكون المولد في مكان مكشوف يزعج الآخرين…. إذ خلاف ذلك يمكن رفع دعوى إزعاج وإقلاق راحة يعاقب عليها القانون اللبناني.
ويبقى السؤال، هل تقوم السلطات المعنية بدورها وتراقب عمل هذه المولدات المصدرة للتلوث البيئي والضجيج؟ أم أن الأزمة ترخي بظلالها على المشاعر وتُمسي الأفعال رهينة الظروف؟