متفرقات

الانهيار افضل من التسوية؟!

تناول الكاتب الصحفي نبيه البرجي مستقبل اللبنانيين الذين يعيشون في وطن سيمضي الى الانهيار الكبير ووصفهم براقصي الروك في عربة الموتى، وكتب؛

 

هذا الرأي السوداوي نقل الينا من باريس، تردد أنه لبرنار ايميه، رئيس الاستخبارات الخارجية والسفير السابق في بيروت، «لندع لبنان يمضي الى الانهيار الكبير أو الى الخراب الكبير، وحتى الى الفوضى الكبرى، كسبيل وحيد لاندثار المنظومة السياسية بكل مكوناتها».

الرأي يعتبر أن ذلك أفضل من الذهاب نحو تسوية حكومية ومن ثم تسوية رئاسية، تكرس سياسات الاجترار والدوران العبثي حول الأزمة. تالياً، الموت البطيء للدولة ولرعايا هذه الدولة، وقد أثبتت أحداث السنوات الأخيرة عجز تلك المنظومة، وسقوطها الأخلاقي والسياسي، دون أن يكون لديها من هدف سوى البقاء على رأس سلطة هي مثال للهلهلة وللتعفن وللتبعية.

استكمالاً، لا مجال للرهان على الدور الذي يمكن أن تضطلع به ثلة من النواب الذين أنتجهم «المجتمع المدني» كمصطلح فضفاض وضبابي، اذا ما أخذ بالاعتبار مدى التصدعات البنيوية في الحالة اللبنانية، دون اغفال امكانية ابتلاع «الفيلة» لتلك الثلة من النواب الذين أخذتهم بعيداً، وبعيداً جداً، الشعارات الطوباوية…

أيضاً وأيضاً لصاحب الرأي اياه « يفترض، جدلياً، بطريق الجلجلة أن يصل الى القيامة. ولكن ما نراه أمامنا يشي بأنه يفضي فقط الى قيامة الطبقة السياسية التي أودت بالبلد الى التهلكة، وجعلت منه ورقة في مهب رياح اقليمية تحكمها ثقافات وايديولوجيات قرون غابرة».

داخل الادارة الفرنسية من يرصد بدقة مدى التدخلات الخارجية التي تتوخى توظيف التشققات الداخلية في تأجيج الصراعات السياسية والطائفية، ودائماً فوق جثث اللبنانيين كوقود للتجاذبات الجيوسياسية، دون ادراك ما يحدث في العالم، وأي تداعيات لهذه الأحداث على المشهد العام في الشرق الأوسط، بعدما كان أوبير فيدرين قد تساءل «أي إله أعمى يقود هذه المنطقة»؟

ايمانويل ماكرون الذي يتوجس من تحوّل قواعد اللعبة الى قواعد الاشتباك، والبدايات ظاهرة للعيان، يبدو الآن في حال التريث عشية انتخابات برلمانية قد تحمل الكثير من المفاجآت. محللون سياسيون لا يستبعدون، بعد حزيران المقبل، حصول المساكنة بين الاليزيه (مقر رئاسة الجمهورية) والماتينيون (مقر رئاسة الحكومة).

اليساري جان ـ لوك ميلانشون الذي ولد في طنجة، وعمل صحافياً، حل ثالثاً، وبنسبة لا يستهان بها في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، يتمتع بديناميكية سياسية مذهلة، ويتطلع الى الفوز بكتلة وازنة تمكنه من تشكيل الحكومة العتيدة، واعادة تجربة المساكنة بين الاشتراكي فرنسوا ميتران والديغولي جاك شيراك (1986 ـ 1988)، وان اختلفت التسميات والاتجاهات الآن.

وللعلم فقط، ميلانشون اعتبر أن الحرب في سوريا مبرمجة. لا ثورة ولا ثوار، بل مرتزقة ويعملون في اطار الصراع حول أنابيب الغاز…

لا مبادرة حالية حيال لبنان. أفكار على طاولة المستشار الديبلوماسي في الاليزيه ايمانويل لوبون وتحتاج الى التسويق في الرياض، وفي طهران، لبلورة تصور لمؤتمر سياسي، لا لمؤتمر تأسيسي يجمع الأفرقاء اللبنانيين، وفي قصر فرساي بالذات، حيث ولدت فكرة «دولة لبنان الكبير» عام 1919.

حتى لو تشكلت حكومة من المعارضة، دستور الجمهورية الخامسة أناط برئيس الجمهورية صياغة السياسات الخارجية، ومع اعتبار أن التجارب أظهرت كم أن اللبنانيين عاجزون عن حل مشكلاتهم بأيديهم، وهو ما لاحظه الوزير البريطاني دبليو طومسون عام 1860 في مؤلفه «الأرض والكتاب»!

أكثر من أي وقت مضى، لبنان في حالة من التيه، ومن الهذيان أيضاً. شخصية سياسية مخضرمة رأت في غالبية نواب «التغيير» شيئاً من شريط قصير لسام باكنباه «راقصو الروك اند رول في عربة الموتى». هنا الدولة اللبنانية هي عربة الموتى. في أي لحظة قد تطبق براثن الذئاب على أولئك النواب الذين وجدوا أنفسهم فجأة داخل تلك المتاهة.

باريس ليست متفائلة. حين يكون لبنان، وباصرار اللبنانيين، حلبة للصراعات الخارجية على أنواعها، كيف يمكن حل الأزمة، الأزمة الوجودية، في ظل التشابك (بل الاشتباك) الداخلي والاقليمي والدولي الراهن؟ كلنا راقصو الروك في عربة الموتى…

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى