دراما رمضان 2023: اللبنانية متلاشية وتفتقر للحضور المحلي (6)
بقلم الاعلامي والناقد الفني جهاد أيوب
هو عام تلاشي الدراما اللبنانية وفقر الحضور المحلي قبل العربي، ولا تزال مشاكلها تتكرر، كما لو كانت تعمل خارج دائرة الفن، وخارج الاستفادة مع إن التكرار يعلم ويفيد حتى من ليس له موهبة ومسؤولية إلا في الدراما اللبنانية.
هي مجرد اتفاقات بهلوانية خاوية من روح الجدية، وما عرض هذا العام لزوم ما لا يلزم، وتواجد لم يتمكن من ترك أي تأثير، لأن المشكلة الرئيسية في الدراما اللبنانية تكمن في عدم التعامل معها بمسؤولية من قبل الجميع، وكثير من جمهورها لا يثق بها لكونها غريبة عنه، والمنتج أصبح علتها.
• مشكلة منتج
للأسف المنتج في الدراما اللبنانية يتدخل بكل كبيرة وصغيرة من اختيار الممثلين، إلى تحديد المصور أو المساعد الذي يصبح بقدرة المنتج مخرجاً، إلى شراء النص بأرخص الأثمان وعدم احترام جهود الكاتب، إلى اختيار اللوكيشن.
المنتج اللبناني في الدراما اللبنانية لا يعطي الممثل كامل حقوقه. يتفق مع الممثلين على الأجر بالدولار وإن فكر أن يعطيهم تكون النتيجة الصرف على 1500 لبنانياً وبعد عدة سنوات. وهذا مرض عضال منتشر عند غالبية المنتجين الدخلاء الذين يعتبرون الإنتاج وظيفة ليس أكثر.
• العروض
عرض في هذا الموسم ثلاثة أعمال فقط، وهذا لا يعطيها حق التواجد بقدر الحضور الخافت، وباستطاعة العمل الواحد أن ينافس، ولكن للأسف الفكر الضيق والجهد الارتجالي، وعدم معرفة ماذا يحدث من تطور في لغة الدراما، إضافة لتحكم الفضائيات المحلية بإنتاج يصل إلى غرائب طائفية وسياسة عنصرية من الصعوبة أن تفرض نفسها محلياً، ومن المستحيل عربياً.
وبالتأكيد الإنتاج اللبناني الضخم ذهب إلى الإنتاج المشترك الذي حصد أكثر من عشرة أعمال توزعت بين 7 أعمال مع سورية، والباقي مشتركة عربياً.
قدم ” لحن البحر” على قناة المنار والاتحاد، تأليف محمود الجعفري، إخراج محمد الوقاف، الفكرة خفيفة واقعية قبل تحرير الأرض من العدو، لكن اختيار الكاست والمعالجة الإخراجية والدرامية لم توفق. عابه الكثير من أخطاء الأداء ومشاهد لا تصلح للعرض، هو اجتهاد لأفكار معادة من أجل تقديم نوعية درامية لا تشبه السائد ولكن…
السائد في الدراما اللبنانية “دعارة، تجارة مخدرات، عصابات، قتل، حقد دون مبرر، ونجمات عاريات…”، هذا لا ينطبق مع الواقع، ولا ينسجم مع مركز بيروت للإنتاج الفني ولا مع مشروع الفن الملتزم. لذلك المطلوب قراءة مغايرة من قبل الشركة في تقديم رسائلها والعمل على استراتيجية تنفيذية معاصرة تشبه نجاح المقاومة. فهذا العمل لا يتمكن من الانتشار والمنافسة.
– “عشرة عمر” على قناة الجديد، إنتاج مروى غروب – مروان حداد – تأليف لبنى مرواني، وإخراج أحمد حمدي، أول مرة يقوم بإخراج عمل تلفزيوني، شخصيته لم تكن حاضرة، وإدارته للممثلين لم توفق، ومن الواضح قام بتعليمات المنتج مروان حداد الذي يتدخل بكل شيء، ولم يهتم ببطلة العمل ماريتا حلاني كما يُطلب، وربما نجوميتها العالية لا تسمح بتعليمات المخرج، علماً ماريتا تحتاج إلى كثير من جهود تعليمية في علم التمثيل، فهي إلى اللحظة لا تعرف الوقوف أمام الكاميرا ولا تؤدي دورها بملامح تقنع الممثل الذي يقف أمامها قبل المشاهدين، وبعد أن سقطت في بطولة دون علم، لا نعتقد سيتحسن موقعها التمثيلي بعد ذلك، تحتاج إلى إعادة تأهيل في التمثيل.
التأليف فكرة مستهلكة لكنها مكتوبة بنص جميل، وحوارات خارج الثرثرة، المشكلة بإدارة الممثلين والكادرات، وبالنهاية العجيبة التي لا تنسجم مع طبيعة الأحداث…عمل لا يستطيع المنافسة.
– و “أسماء من الماضي” تأليف زينة عبد الرزاق، إنتاج وإخراج إيلي س معلوف، قدم فقط على قناة LBC، لم يحقق النجاح في الجزء الأول رغم الحملة الإعلامية التي تتقنها المحطة العارضة، ولا ندري سبب الجزء الثاني رغم أن العمل لا يتحمل أكثر من عشر حلقات.
التأليف مركب، بالتأكيد المخرج شتت الفكرة والنص، وإلا ما معنى هذا الملل الذي أصابه، ومشكلته الأولى هذا الاختيار غير المقنع في غالبية الممثلين، وللأسف الأداء لم يكن بالمستوى، وكأن العمل لا ينتمي إلى العصر وتطور الدراما، ولو كان التمثيل مهنة لم يستطع هذا العمل أن يقدمها.
ولم يتمكن الممثل جو صادر والفنانة ديزي غاوي من إقناعنا بما قدماه، وأعتقد السبب زوايا المشاهد الخطأ، والأداء الافتعالي حيث أشعرنا بأن الغالبية يمثلون، وهذا يتحمله المخرج. وللأسف إيلي يستسهل التصوير والتنفيذ، ولا يشتغل على ممثله ولا على كادراته، إضافة إلى ظهور فقر الإنتاج العلني… لو أن ما صرف على الجزء الثاني تحول للجزء الأول لربما تغير وضع الانتاج. العمل لا ينافس.
•المشترك
الأعمال المشتركة اشبعت… قدمت شركة صّباح إخوان مغامرة إنتاجية في الأعمال المشتركة عربياً على حساب الدراما اللبنانية، صحيح قدمت ثمانية أعمال في إنتاج ضخم، وقدمت مساحة للفنان اللبناني دون إعطاء فرصة أكبر، واهتمت بالطبيعة اللبنانية الجميلة كبطلة تحسب لها، إلا أنه حان الوقت للإلتفات إلى اللبناني وتدعيم سوقه ومواهبه، ونمي إلينا أن أرباب الشركة يتجهون إلى إعادة إحياء الدراما اللبنانية.
شركة إيجل غروب – جمال سنان – وضع كل إمكانياته في عمل “للموت3 “، ويصر أن يشارك فيه شباب كل الأجيال السورية، المشاركة في العمل وليس في الأجزاء ” لا علاقة لجزئه بأجزائه”، يصر أن يشارك كل شباب الدراما السورية، وهذا العام يامن حجلي، ومهيار خضور وبقاء علي سكر، واطلالة القدير فايز قزق.
– ” الزند ذئب العاصي ” الإنتاج الأضخم عربياً، وضعت للمخرج سامر البرقاوي إمكانيات كبيرة، ولكنه لم يعرف استغلالها رغم أن نص عمر أبو سعدة ملفتاً، ولا يكرر حواراته، وحبكته جيدة، ولكن الرؤية الإخراحية المشتتة أضاعت الكثير، لكون المخرج يهتم فقط بالمشهد الطبيعي للأسف على حساب الحبكة. والتعامل مع كل حلقة على حدى أفضل من العمل ككل، فيه جهود واضحة، وحالة سينمائية جميلة لولا تلك الأخطاء الإخراحية.
تيم حسن هو قيمة اضافية، قد يزعج نجاحه الكثيرين، هو يدرس الشخصية حتى يتقمصها… انصحه بعدم تكرار تجارب البطل الخارق، والالتفات إلى دراما الواقع والبسطاء والكاركتيرات التي تجسد ما عنده من مكنونات موهبته المتوهجة، ليته يتذكر بداياته الخطيرة في “أسعد الوراق”، فتلك الأجواء تبرز إمكانياته أكثر، وتحتاجه الآن.
العمل كان متابعاً جداً، ومنافساً، وصورته سينمائية، والسينوغرافيا التي استخدمت والتقطتها عين المخرج تحسب له وللدراما العربية، وفيه كم كبير من الأداء الجميل ومن الدماء الكثير، إلا أن أخطاء وقع فيها المخرج أضاعت الجهود الإنتاجية الضخمة،. ولا تمرر درامياً منها إبن فايز قزق لم يكن قد ولد حينما هرب الزند “الولد” بعد محاولة قتله لفايز قزق – فرق العمر واضح! وكيف لهذا الصغير أن يعرف الزند الذي كبر، وكيف يصل إليه بلحظات، وبهذه البساطة؟ كيف تصل شمس من قصر الباشا إلى منزل الممرضة، وكيف عرفت بإصابة تسميم الزند، وكيف وصلت مرتين إلى مخبأ الزند؟ والمسافة الزمنية والمساحة الشاسعة والنهر تتطلب الأيام، بينما لحظة الأحداث لم تتغير. كما أن مشهد الكمين أكثر من مضحك وفيه عباطة، وكثير من المشاهد… والكلام السفيه لم يكن في مكانه، مقتل زعيمة النور الفنانة نادرة عمران يتطلب قراءة للمشهد من زاوية مختلفة كلياً.
أخطاء معيبة في لا مكان ولا تاريخ ولا زمام ولا مسافات، ونجد أحياناً كتابة من دون حلول درامية مخجلة في هذا العمل المكلف انتاجياً.
معقول هذا الذي يحدث من تغييب الذاكرة والمسؤولية في الكتابة الدرامية؟! بعد الحلقة السادسة العمل ليس كما بدأ، وهنا لا بد أن نشير بإبداعات مصممة الأزياء رجاء مخلوف، كانت شريكة في البطولة.
– “النار بالنار” إخراج محمد عبد العزيز، فكرة جريئة، وعولجت من خلال الشاشة بطريقة ذكية رغم أن الكاتب والسيناريست رامي كوسا رفض العمل ونصه المقتبس من مسرحية “تاجر البندقية ” وليم شكسبير.
قدم العمل وجبة متميزة من أداء الممثلين على رأسهم كاريس بشار وجورج خباز وعابد فهد والمجاميع، وعابه غياب الأحداث عن الحلقة، واتخم العمل بالسرد والتطويل.
– ” للموت3″ ، تأليف نادين جابر وإخراج فيليب اسمر. لا خلاف على أن غالبية الممثلين تميزوا في هذا الجزء، وغالبية المشاهد مقنعة رغم أن أحداثه مقحمة، ولا تبريرات للثنائي ماغي بو غصن ودانييلا رحمة، اشبعا معاً، وكل تبريرات عودتهما غير مقنعة، وأصبحت مملة، والعمل لا يصلح للشهر الفضيل وللعائلة، وينصح بمشاهدته في مستشفيات الطب النفسي المختص بمرضى التطرف الجنسي والانتقام.
-” وأخيراً” تأليف ورشة كتابة مع المخرج أسامة عبد الناصر… واضح مشروع الورش لم يوفق، والكل كتب ما يرغب، ومع إن الفكرة متخمة في السينما الغربية، لكن المعالجة بواسطة الورشة أضاعتها، وجعلت الحلقات الأربع الأولى تمهد للوصول إلى الحدث الأساسي والمافيات والخطف والدعارة ضمن قصة حب مشتتة، وكأن فريق العمل لا يعرف أن المسلسل 15 حلقة.
العمل غير مقنع، وجهود ممثلين اتقنوا أدوارهم ذهبت مع الارتجال في دراما النجوم والتشويق.
كنت اعلق الكثير من الأمال على هذا العمل خاصة فكرة 15 حلقة، ولكن الذي أعاق النص الورشة، ولم يقنعنا اصرار المخرج تقليد غيره دون التفكير برؤية ودراسة مشاهده، وما أكثر المشاهد المركبة غير المقنعة خاصة في مكان الخطف.
قصي خولي متميز ولا جديد اضافه الدور له، وندين نجيم اجتهدت، وتحتاج إدارة مخرج.
•العلة
يوجد علل كثيرة تعيق انتشار الدراما اللبنانية عربياً ومحلياً، وأصبحت تعنى بإطلالة تحسب على فضائية معينة، وغالبية فضائيات لبنان شاشات للإيجار، ولمن يدفع أكثر، وهي متاريس جاهزة للحروب، لذلك تصيب الدراما بفقر المتابعة رغم وجود وجوه فنية متمكنة، وإن وجدت في الأعمال المشتركة تكون الغلبة والتميز لها، ومن عللها نذكر:
– هجرة المنتج اللبناني، أو ابتعاده عن الإنتاج المحلي لأسباب اقتصادية وفنية وليست تمثيلية.
– هجرة قسم كبير من الممثلين اللبنانيين إلى تركيا للبحث عن أرزاقهم خارج وطنهم.
– رفض بعض القنوات الفضائية اللبنانية إنتاج دراما محلية، رغم أنها تتحدث في الليل والنهار بعنصرية وفوقية عن اهتمامها بالفن اللبناني، والنتيجة عكس عنصريتها.
– المنتج اللبناني لا يعير أي اهتمام بالنص اللبناني وبواقعيته، ولا يتحمس لشراء النصوص الجيدة، ويتدخل بكل فواصل الخطوط الدرامية، لا بل يلغي فكرتها.
– أكبر الشركات الإنتاجية العربية، والأكثر سخاء على الفنان العربي وليس اللبناني هي شركات لبنانية. الأهمية للأعمال المشتركة.
– عدم الاهتمام بتسويق واكتشاف الفنان اللبناني رغم محبة المحيط العربي له.
– غياب النصوص المحلية، وغالبية ما يعرض يقتبس كفكرة، ويعالج كسيناريو بحجة التأليف الكذبة.
– إلى الآن يأتي المنتج بشخصية لا علاقة لها بالتمثيل، وتفرض فرضاً، والشواهد كثيرة.
– كل ما عرض في السنوات الماضية عبارة عن مجتمع وبيئة عصابات ومخدرات وتسويق الدعارة.
– انفصام الصورة مع الواقع مع البيئة، وإنفصام الممثلين عن طبيعة ما يقدمونه من أدوار ومشاهد.
– غياب المخرج.
• الحل
بكل بساطة، وخارج النعرات الطائفية والفوقية، الحل يكمن بالإيمان بالوطن، والباقي مجرد كلام واجتهادات وثرثرات عنصرية. وبعدم إلغاء الفنان اللبناني لزميله بل العمل على صداقات متينة في مهنة الكار الواحد.