رؤية د. عكوش للخروج من الازمة الراهنة
بقلم الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش
إن الخروج من الازمة التي يعاني منها لبنان بشقيها السياسي والاقتصادي يحتاج بالدرجة الاولى الى قرار سياسي بوقف الفراغ والتعطيل. وعلى رأس هذه القرارات الذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على اتخاذ القرارات السياسية الجريئة التي يمكن ان تنقذ الوطن إقتصاديا وماليا. فهل الاحزاب جاهزة للذهاب نحو هذا الخيار أم أن الشعبوية، المزايدة، الكيدية والعمل لمصلحة الخارج ستفشل أي مبادرة وأي أصلاح مرتقب؟
إن القرار السياسي الاهم، والذي يجب أن يتخذ من قبل الاحزاب، هو الذهاب أولًا نحو الشفافية في كل مؤسسات القطاع العام وعدم إخفاء المعلومات عن المواطن ليقرر وليعلم من يسرق ومن لا يسرق حتى يتمكن من المحاسبة، والامثلة كثيرة على هذا الامر. فمن يعلم ماذا يجري في مصرف لبنان، كازينو لبنان، الريجي، الميديل إيست، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مؤسسة كهرباء لبنان، شركات الخليوي وأوجيرو؟ من يعلم كلفة هذه المؤسسات المملوكة من قبل الدولة اللبنانية؟ كيف يتم التوظيف فيها؟ الكلفة التشغيلية فيها؟ وكيف يتم تلزيم الصفقات فيها؟
وثانيا، إلغاء كل المواد الدستورية والقانونية التي تساعد على عملية التعطيل وتمنع إصدار المراسيم التطبيقية واستقلال القضاء والجامعة اللبنانية ومجلس الخدمة المدنية وهيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي. وأن يستتبع بإلغاء المؤسسات والصناديق التي أنشئت للتحاصص ولتوزيع المغانم، والعمل على إعادة هيكلة المؤسسات حتى لا يتم حشو الموظفين فيها دون طائل كي تصبح هذه المؤسسات منتجة وفاعلة.
أما رؤيتي الاقتصادية فهي بسيطة جدا وغير مربكة للاقتصاد من جهة، ودستورية تمنع الاقتطاع من الودائع وتساعد على إعادة ولو جزء من المال المنهوب من جهة ثانية. وهي تتمثل في النقاط التالية:
– النقطة الأولى: تعويم سعر الصرف الرسمي. فالإصرار على تثبيت سعر الصرف الرسمي هو طعن للإقتصاد ويجعله عاجزا عن تصحيح نفسه بنفسه. ويؤدي حتما الى مزيد من تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية ومزيد من الدعم في غير محله. ولن يستفيد من هذه السياسة الا التجار والكارتلات. وسيؤدي حتما الى تدمير العلاقة ما بين وزارة المالية والمكلفين وخلق الكثير من النقاط التي تفتح باب السمسرة والغش في الملفات والسجلات، وبالتالي باب الابتزاز او المقايضة في كل الملفات. وقد يؤدي ذلك الى محابات الكارتلات وضرب صغار المكلفين كما حصل في الودائع.
– النقطة الثانية: تصحيح رواتب القطاع العام وفقا للأرقام التي يتم تحقيقها من قبل وزارة المالية لناحية الواردات المحصلة. على ان تتم هذه العملية كل ثلاثة اشهر ما دام التخبط في معدلات التضخم قائما، وما دام سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميريكي يتحرك بشكل كبير. على أن يعاد النظر بهذه السياسة لاحقا عند الوصول الى حالة من الاستقرار النسبي.
– النقطة الثالثة: إصدار قانون الكابيتال كونترول الباب الإلزامي لأي اصلاح مصرفي ولإعادة هيكلة القطاع المصرفي والنهوض به. إذ ان عدم النهوض بالقطاع المصرفي من جديد يعني المزيد من الهدر والانحدار في الواقع الاقتصادي. فلا يمكن لأي دولة في العالم ان تنهض من دون قطاع مصرفي. كما لا بد من تنظيم العلاقة ما بين المصارف والمودعين، اضافة الى حماية ما تبقى من احتياطي عملات صعبة لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية.
– النقطة الرابعة: إعادة هيكلة القطاع المصرفي بعد إعادة تقييمها وإعطاء رخص جديدة لمصارف جديدة بعد تعديل قانون النقد والتسليف وإعادة توزيع الصلاحيات والمسؤوليات داخل المصرف المركزي بطريقة تمنع التضارب فيها، وتمنع الاشخاص من الاستفادة من مراكزهم لتحقيق مكاسب خاصة كما حصل سابقا.
– النقطة الخامسة: فرض ضريبة بمعدل ١٠ بالمئة على واردات المصارف أي على رقم أعمالها وإعفائها من ضريبة الدخل دون ضريبة التوزيع على أن يتم العمل بهذا القانون لمدة ثلاث سنوات فقط.
– النقطة السادسة: فرض الضريبة التصاعدية على الثروة والتي تشمل الأملاك المنقولة وغير المنقولة ولمرة واحدة مع إمكانية التقسيط لمدة خمس سنوات.
– النقطة السابعة: إعادة جدولة الدين العام على عشرين سنة، مع فترة سماح ثلاث سنوات في المرحلة الأولى. ان إعادة هيكلة الدين العام ضروري لضمان إعادة دفع الودائع وعدم هيكلتها وبالتالي سدادها يعني عدم تسديد الودائع بالمقابل.
– النقطة الثامنة: بخصوص تحفيز الإقتصاد اللبناني فيمكن المعالجة المبدئية بالنقاط التالية:
• رفع الرسوم الجمركية بشكل تدريجي على السلع التي يتم إنتاج بديل لها في لبنان حتى تصل نسبة الرسم الجمركي الى ١٠٠ بالمئة من قيمة البضاعة.
• رفع الرسم الجمركي عن كل المواد الأولية المستخدمة في عملية التصنيع او التجميع على أن لا تقل نسبة المواد المصنعة في لبنان عن ٥٠ بالمئة من القيمة الإجمالية للسلعة.
• تخفيض ضريبة الدخل، اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، رسوم الكهرباء، رسوم البلدية، ضريبة الأملاك المبنية، رسوم الهاتف ورسم المياه عن كل المصانع الى النصف.
• رفع الرسوم الجمركية بشكل تدريجي حتى يصل الرسم بعد خمس سنوات الى ١٠٠ بالمئة على كل السلع الزراعية، مع دراسة رفعها الى أكثر من ذلك أو منع استيراد كل أنواع السلع الزراعية المنتجة محليا.
• تنفيذ مشاريع النقل العام بطريقة التمويل الذاتي عبر القطاع الخاص أو بتمويل واستثمار من بعض الدول، وعلى رأس هذه المشاريع مشروع سكة الحديد ومترو العاصمة والضواحي.
– النقطة الثامنة: إعادة هيكلة المؤسسات العامة لتحويلها الى مؤسسات منتجة أو تلزيم إداراتها للقطاع الخاص ضمن دفاتر شروط واضحة تمنع الهدر وحشو الموظفين، وتحمل المسؤولية بشكل واضح للمؤسسات التي رست عليها إدارة هذه المؤسسات. على أن تبقى هذه المؤسسات بكل الاحوال لضمان حصة الدولة وتحت رقابة الهيئة الخاصة للرقابة والتفتيش والتي يتم تأسيسها كبديل لديوان المحاسبة أو مكمل لعملها. وأن تكون لهذه الهيئة سلطة مستقلة ترفع تقاريرها للحكومة وللقضاء المالي لاتخاذ القرار المناسب وأن يتم تعيين أعضائها من اصحاب الاختصاص في الرقابة المالية والادارية ومن ذوي الخبرة في هذا المجال.
– النقطة التاسعة: إنشاء الصندوق السيادي الذي يتم تشكيله وتوضع به كل مؤسسات الدولة المنتجة والتي يتم تخصيص إداراتها ويجري متابعتها والرقابة عليها من قبل هذا الصندوق. كما يتم ضم الاملاك البحرية والاراضي الاخرى التي يمكن تأجيرها او استثمارها من قبل القطاع الخاص. ويجب ان يشمل هذا الصندوق مصرف لبنان كونه مؤسسة منتجة أيضا وهي مؤسسة تحقق أرباحا. على ان يتم تسديد ما لا يقل عن خمسين بالمئة من مدخول هذا الصندوق لمصلحة تسديد الودائع.
– النقطة العاشرة: إنشاء هيئات رقابة مستقلة لكل نوع من المؤسسات العام، على سبيل المثال القطاع التعليمي، قطاع الاستشفاء، الجامعة اللبنانية، المصارف، شركات التأمين وكل قطاع له علاقة بحياة الناس ويدخل في الحياة الاقتصادية ويؤثر بشكل أو بآخر على حركة الاقتصاد القومي. على أن ترتبط هذه الهيئات بالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وترفع تقاريرها لها.
ان الاصلاح الحقيقي يحتاج الى قرارات جريئة ولغاية اليوم للاسف الكل غير جدي في سلوك هذا الطريق، لا بل أن البعض يطرح شعارات اصلاحية ثم يقوم بالعمل على طرح مشاريع أو انتقاد مشاريع لها صبغة إصلاحية بحجة أنها تستهدف الطوائف. وهذا المنطق للأسف لا يمكن أن يؤدي إلى أي إصلاح.