الواقعية تقتضي عدم المغالات بالانتصار
قد يكون مفهوماً أن يستعجل بعض الفرقاء اللبنانيين إطلاق الاستنتاجات في شأن انعكاسات التطورات الإقليمية المتسارعة على لبنان وعلى عملية إنهاء الفراغ الرئاسي فيه. يتوزع المستعجلون في إسقاط تمنياتهم كل لسببه ولهواه الرئاسي والإقليمي على الجبهات كافة.
داعمو رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية يرون أنّ استمرار التواصل الفرنسي – السعودي حول الضمانات التي نقلها مستشار الرئاسة الفرنسية السفير باتريك دوريل عن فرنجية خلال زيارته باريس، إلى الرياض، وجواب الأخيرة بأنها ستدرسها، يصب لمصلحته.
وينسب مريدو فرنجية إلى الجانب الفرنسي اعتباره هذا الموقف بأنه تطور إيجابي لمصلحة الخيار الذي تحبّذه الدوائر الفرنسية الرئاسية. كما أنّ هؤلاء يصنفون الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق ولقاءه الرئيس بشار الأسد، بأنها تصب في مصلحة خيار فرنجية للرئاسة. وفي كل الأحوال، فإنّ أوساط الممانعة تعتبر أنّ محورها انتصر في الاتفاق السعودي – الإيراني في 10 آذار برعاية الصين، وهذا ما يردده الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله وقادة «الحزب» منذ ذلك الحين…
في المقابل يعتبر خصوم فرنجية أنّ الجانب الفرنسي لم يحصل على موافقة السعودية على هذه الضمانات بل إنّ رد فعل المسؤولين في الرياض عبر الوعد بدرسها، تقتضيه أصول العلاقة بين دولتين تتبادلان الآراء والتنسيق حول لبنان، من دون أن يعني ذلك إشارة إلى احتمال قبولهم بفرنجية. والدليل إلى ذلك بيان الخارجية الفرنسية الذي صدر أمس بأنّه ليس لدى فرنسا مرشح للرئاسة اللبنانية، لكثرة التسريبات في بيروت حول الجهود التي تبذلها منذ شهرين لتحقيق المعادلة التي طرحتها من باب الواقعية السياسية لإنهاء الفراغ الرئاسي.
وهي المعادلة التي تقول إنّ ميزان القوى وقدرة «حزب الله» على التعطيل يقودان إلى التسليم بمرشحه مقابل الإتيان برئيس للحكومة يرضى عنه خصوم «الحزب»، ما تسبب بحملة على المقاربة الفرنسية في أوساط لبنانية يفترض أنها صديقة للأم الحنون.
أمّا في شأن انعكاسات تطبيع العلاقات السعودية – السورية، وتحديداً لمصلحة فرنجية، فيعتبرها بعض خصومه وحتى بعض الحياديين المتابعين للتطورات الإقليمية بأنّها مبالغة ومن باب التمنيات. فعلى رغم أنه يمكن اعتبار فرنجية متقدماً في حظوظه، فإنّ هذا لا يلغي الوقائع التي تشير إلى أنه لا يتمتع بموافقة خارجية ولا سيما سعودية وخليجية، مثلما أنه ليس هناك أي فيتو مرفوع ضده.
في كل الأحوال ليس هناك أي مؤشر إلى أن خطوات الانفتاح التي تشهدها المنطقة تناولت الأزمة اللبنانية حتى الآن. حتى نصر الله الذي قال في خطابه الأخير أثناء تناوله اتفاق بكين في خطابه الأخير إنّ «الحرب على إيران وتشكيل محاور ضد إيران، سقطت، وهذه تطورات مهمة في المنطقة تخدم محورنا»، عاد فاعتبر أنّ الاتفاق السعودي – الإيراني، الذي بدأت انعكاساته على المنطقة تظهر أسرع مما كان يتوقع الكثيرون وفي أكثر من ساحة وفي أكثر من ميدان، نأمل أن تصل إلى لبنان أيضاً».
أي أن الواقعية اقتضت أيضاً من قيادة «الحزب» عدم المغالاة في ترجمة الترويج لـ»انتصار» محوره، لبنانياً. فهذه القيادة تدرك جيداً أن خطوات الانفتاح منذ اتفاق بكين تتناول في شكل أساسي العلاقات الثنائية بين الرياض وكل من طهران ودمشق، وأن الانعكاس العملي الوحيد الذي يحصل خارج العلاقات الثنائية، هو ذلك الذي يحصل في اليمن، بينما الوضع اللبناني ما زال في آخر الاهتمامات.
أما في ما خصّ العلاقة مع دمشق فإنّه يصعب تصور أي تفاهم سعودي – سوري حول الرئاسة اللبنانية أمام جدول الأعمال المثقل في العلاقة الثنائية، من استعادة العلاقات الدبلوماسية، إلى متابعة تنفيذ التعهدات السورية باتخاذ إجراءات جدية لوقف تهريب الكبتاغون وسائر أنواع المخدرات إلى المملكة وسائر دول الخليج.
هذا فضلاً عن أنه بات معروفاً موقف الأسد في شأن الرئاسة في لبنان وهو ترك الأمر لحليفه «حزب الله» أن يقرر الموقف المناسب.
لبنان على رغم الآثار السلبية اليومية لاستمرار الفراغ الرئاسي على أوجه الحياة اللبنانية اليومية كافة، ما زال في مرتبة متأخرة من الاهتمام. وفي كل الأحوال فإنّه إذا كان ثمة احتمال لإدخال ملء الفراغ الرئاسي إلى جدول أعمال التطورات الإقليمية، فإنّ البحث الجدي في ذلك سيكون محصوراً بالعلاقة السعودية – الإيرانية، التي وإن كانت وتيرة الأحداث التي تنتجها سريعة كما يحصل في اليمن، فإنّ إنجازاتها تحتاج مزيداً من الوقت قبل أن تتطرق لأزمة لبنان.
نداء الوطن