كم هي هشاشة هذا البلد كبيرة !
يقلم وزير الخارجية الاسبق د. عدنان منصور
كان يكفي هذا البلد التعيس لبنان، “ساعة” حتى تفلت زمام الأمور من عقالها. ساعة بعثت من جديد تسونامي محمل بموجات عالية عاتية من الضغائن والأحقاد المدفونة في النفوس ،وكشفت التباين في المواقف، والتقاذف بعبارات من العيار الثقيل، خرجت عن المألوف، وعن الأصول، واللياقات والأخلاق.
“ساعة” ارادت منها االحكومة أن تضبط التوقيت المحلي للبنان وأي توقيت؟! وهي التي لم تستطع أن تضبط عشرات،ولا مئٱت ولا ٱلاف المواقف والتصريحات التي تقجرت دفعة واحدة
على إيقاع ونغم واحد، من هنا وهناك، من هذا الفريق أو ذاك!
كم هو معيب ومحزن الذي شهده لبنان خلال ايام معدودات، اثبت فيها شعبه انه اقرب الى الانفصال منه الى الوحدة، وأقرب الى التناحر منه الى التضامن ، وأقرب الى الانقسام والكراهية منها الى المحبة. كما ثبت بالعين المجردة أنه ابعد ما يكون عن الحوار والألفة والعيش الواحد. لم تعلمه المحن ولم ياخذ بالعبر. لم تصقله التجارب،ولا مٱسي سنواته.
ما هذه النفوس المشحونة التي تقجرت دفعة واحدة،تلفظ وتخرج ما في داخلها من مواقف يؤججها سياسيون ومسؤولون، كان الأجدر بهم ان يكونوا مثالا حيا للوعي الوطني، بدلا من ان يحركوا الجمر من تحت الرماد، ويصبوا الزيت على النار.
زعماء وسياسيون، ونواب،واحزاب، وناشطون، وكتاب،
و”مثقفون” واعلاميون، وطوابير تزاحموا وانخرطوا جميعا في سجالات عقيمة، ليسجلوا مواقف “وطنية عظيمة”على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام على انواعها، وبالذات وسائل التواصل الالكتروني، لحين ان هذه “الساعة” دفعت “بأصحاب الاحتياجات السياسية الخاصة”، من المعوقين السياسيين للذهاب بعيدا ،منتهزين الفرصة لاستخدام “عدة الشغل” لإثارة النعرات، والتراشق بعبارات مشينة غير مسؤولة،والفاظ تدل على مدى التصدع العميق الذي أصاب المجتمع اللبناني، ومدى الانحطاط السلوكي في التعاطي مع شأن شكل بالنسبة اليهم أولوية “وطنية” كبيرة، ولشعب يتقهقر، ولوطن يتحلل، وكأن البلد في احسن حالاته، ولم يعد هناك من معضلة او مشكلة او ازمة سوى “الساعة !
” ساعة” في تقديمها أو تأخيرها، ربما يرون فيها أنها ستخرج لبنان من الجحيم ،وتنقله من العوز الى النعيم! “ساعة” ستمن على شعبه ببركات حكامه وغيرتهم، وتفانيهم،
واندفاعهم الدائم ليكونوا في خدمته وخدمة “ساعته”. إذ بتقديمها سيتقدم البلد بكل ما فيه، ويضع حدا لمٱسيه وانهيار مؤسساته، وبتاخيرها قد يحل الأجل، وتقوم “الساعة”.
مهزلة من المهازل الكثيرة التي لا تتوقف، يعيشها البلد من ٱن الى ٱخر على يد حكامه ومسؤوليه، لتصبح سيرتهم على ألسنة الناس في الداخل حديث الساعة ، وفي الخارج اضحوكة وتندرا على ما يحصل في بلد العجائب والغرائب الذي يحوي على نوعية من حكام، ومسؤولين، وسياسيين لم يشهد العالم مثيلا لهم.
فلينعم اللبنانيون بتقديم الساعة أو بتأخيرها . إنها من أولويات حكامنا، وانجازاتهم الباهرة. بها سيغيب عنهم الفقر، والقهر، والبطالة،والهجرة، وانقطاع الكهرباء،
والمياه،وتعود إليهم ودائعهم المسروقة،
وخزائن الدولة المنهوبة،والقوة الشرائية لعملتهم الوطنية،وينعمون بالحياة الحرة الكريمة.
زعماء وحكام وسياسيون في لبنان يريدون ضبط “ساعته”، في حين أن الشعب بدوره
يتضرع الى الله بتقريب ساعتهم.