لا تعلقوا الأمل على وقف إنهيار لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية؟!
بقلم الوزير الخارجية الاسبق د.عدنان منصور
قبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وبعدها، كان الشغل الشاغل للقوى السياسية اللبنانية، وكل الطامحين الى الرئٱسة، هو البحث
عن رئيس جديد للجمهورية، يخرج البلد من المستنقع الذي وضعته فيه المنظومة السياسية بكل اشكالها وألوانها.
كل فريق من هذه القوى في السلطة وخارجها،يريد أن يكون الرئيس القادم مقربا منه، ومحسوبا عليه، ويرى فيه “المنقذ” الاستثنائي، الذي سيضع حدا لانحدار البلد،ووقف التحلل الذي طال كل مؤسساته ومرافقه!
هل من عاقل في هذا البلد، يتصور أن أي رئيس مهما كانت قدراته، ومواصفاته المتميزة العالية،يستطيع بصلاحياته المحدودة التي نص عليها الدستور، ان يواجه شبكة متجذرة من اصحاب النفوذ، يقبضون بكل قوة وشراسة على مفاصل الحكم،
والحياة السياسية والمالية،والمصرفية، والخدمية،بما يكفل مصالحهم ويحافظ على امتيازاتهم، ومشاريعهم،ورؤوس أموالهم؟!
هل كان إنهيار البلد مرتبط في السابق برؤساء الجمهورية دون سواهم؟! وهل كان باستطاعة أي رئيس للجمهورية مواجهة طبقة الامتيازات وأباطرتها للقيام بالإصلاحات اللازمة، وتطهير الإدارات العامة من المافيات والمفسدين لوحده، دون مؤازرة ودعم القوى السياسية الأخرى لتحقيقها، وملاحقتها قضائيا والتي كانت وراء تفكك مؤسسات الدولة،وافراغ خزينتها، وشل اقتصادها، وانهيار نقدها الوطني، ومرافقها الصحية والتربوية،والبيئية،
والخدمية؟!
هل أثبتت القوى الحاكمة يوما بسياساتها،
وسلوكياتها، وأدائها ، انها كانت فعلا على مستوى عال من المسؤولية الوطنية والاخلاقية، وكان لديها الاستعداد، والشفافية الكاملة لوقف الفساد والهدر والسرقة، وتفادي انهيار البلاد؟؛ ام أنها كانت السبب المباشر في ما وصل اليه لبنان؟!
كل اللبنانين الذين يعانون اليوم من الاوضاع السيئة القاتلة،والحياة المعيشية المريرة، لديهم انطباع سلبي أكيد لا لبس فيه ازاءحكامهم
وزعمائهم، محملينهم المسؤولية الكاملة جراء فشلهم الذريع وعدم اكتراثهم في ادارة البلد كما يجب، بمسؤولية
وشفافية كاملة.
هذا الانطباع يتوافق مع تقييم دول الخارج التي ترصد عن كثب ما يجري في لبنان،
وتتابع تطورات اوضاعه، وعبث المسؤولين بالمؤسسات الدستورية وتفريطهم بحقوق المواطنين .
ما الذي ينتظره المواطن اللبناني من “معجزات” يقوم بها أي رئيس جديد للجمهورية، بعد كل الذي جرى في لبنان على مدى سنوات طويلة ؟! وأي أمل في الاصلاح والتغيير ، وإرساء الدولة القوية العادلة المتماسكة،اذا كانت الطبقة السياسية الحاكمة هي هي، تستنسخ نفسها بسلوكها، وتسلطها،
واستبدادها،
وأدائها،ونهجها،
وفسادها،ونهمها الذي لم يتوقف لحظة عن طلب المزيد من الحصص،
والامتيازات، وجني الثروات بصورة غير شرعية!!
هل باستطاعة أي رئيس للجمهورية مستقبلا ان يتصدى بكل قوة لأخطبوط الدولة العميقة المستترة، ومافيات الدولة العائمة المكشوفة في ٱن معا، بغية إعادة ثقة الشعب بوطنه، ونظامه وحكامه ومسؤوليه وأحزابه ؟!
كيف يمكن لرئيس جديد للجمهورية مهما علا شأنه،ومهما كانت مواصفاته القيمة العالية، أن يواجه تسونامي الطبقة السياسية وأدواتها النافذة داخل الحكم وخارجه، وإن اختلفت في توجهاتها السياسية،
وهي الطبقة المتجذرة،المتحدة،
المتراصة في داخلها لحماية امتيازاتها،
ومصالحها ونفوذها، واحتكاراتها؟!
هل باستطاعة الرئيس القادم القيام بالإصلاحات العاجلة المطلوبة،وانتشال البلد من المستنقع الذي هو فيه، وفتح ملفات الفساد دون قيود ، وملاحقة كل من ارتكب جريمة بحق الشعب، ومد يده الى الخزينة والمال العام،وظل بفعل أسوار السلطة وحصونها،محميا من ملاحقة القضاء له؟!
غالبا ما تشهد البلدان بعد إجراء الانتخابات الرئٱسية فيها، تغييرا في النهج، والسياسة،
والسلوك ،والأداء، وتحولات لافتة على الارض، أكانت ايجابية أو سلبية . لكن في لبنان يختلف واقع الحال، ويصعب بالتالي في ظل النظام الطائفي الرجعي الحالي، الحديث عن تحولات ايجابية يطمح اليها اللبنانيون.وهذا ليس بسبب رئيس الجمهورية وحصر صلاحياته المحدودة، وإنما بسبب كونه اسير التوازنات السياسية الطائفية،والمناطقية وسائر القوى السياسية داخل السلطة وخارجها، وشبكة حيتان المال وامتيازاتهم الاحتكارية الذين يشكلون الدولتان العميقة والعائمة. فإن خرج الرئيس عن هذه القاعدة،من أجل بناء دولة القانون،وتحقيق الاصلاح الحقيقي،
وملاحقة ومحاكمة
الفاسدين، تصدى له الجميع بوسائلهم الخاصة، لأجهاض أي اصلاح سياسي او اداري او قضائي يطالهم من قريب أو بعيد.
ليس المهم بعد اليوم للبنانيين، انتخاب رئيس للجمهورية، إنما الأهم لهم،هو كيفية انقاذ الوطن من براثن قتلة الوطن الذين كبلوا قضاءه، وقوضوا آركان اقتصاده،وافلسوا شعبه، ونهبوا خزينته، وهجروا ادمغةخيرة شبابه.
كيف يمكن لرئيس جديد للجمهورية،أن يصون وحدة الشعب والوطن، في ظل الظروف الحساسة والخطيرة التي يشهدها لبنان،ومن ثم يحافظ على الدستور نصا وروحا فيما اصوات قوى في الداخل ترتفع وتطالب بمراجعة أتفاق الطائف، وإعادة النظر في المحاصصة وحقوق الطوائف،وعقد مؤتمر تأسيسي،
واصوات أخرى تدعو الى الفدرالية، والحياد والتدويل؟!
هل هذه الاصوات تعزز من فرص نجاح مهام الرئيس القادم، ام أنها تكبل وتعيق مسبقا مسيرته ، وتشل حركته، خاصة وأن كل فريق سياسي يريد رئيسا منسجما مع أفكاره،
وأهدافه؟!
لم يعد إخراج لبنان من أزمته المستعصية على الجميع في الوقت الحاضر، يكمن فقط في انتخاب رئيس للجمهورية، لأن الرئيس الجديد، ولنقلها بصراحة، لن يكون العصى السحرية لانهاء أزمة الحكم وفشل حكامه ومسؤوليه . إذ أن الأهمية القصوى تكمن في كيفية التخلص من نظام طائفي مهترئ عفن،تخطاه الزمن لم ينجب سوى الازمات والفوضى،
وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي،
والاقتصادي، والمعيشي،وتصدع المؤسسات، واهتزاز وحدة الشعب والعيش الواحد.
أي رئيس جديد يريده ملوك الطوائف في لبنان وزعماؤه السياسيون؟! هل سيسهلون مهمته لإنجاحها، وتحقيق الإصلاح المنشود، وبناء لبنان الجديد ودولة القانون؟!
الأكثر أهمية في الوقت الحاضر، هو ان يبقى لبنان، وان لا يذوب على ايدي من ذوبوا مؤسساته،
واقتصاده، ونقده،
وخزينته، وقضاءه.
إذ بتحكمهم وقبضتهم على مفاصل الدولتين العميقة والعائمة، يسهل عليهم تذويب وطن،وأخذه الى الهاوية!
إن معضلة لبنان وازمته لا تحل مطلقا بانتخاب رئيس للجمهورية، مقيد الصلاحيات، ومحكوم بالتوازنات الطائفية،وتجاذبات وضغوط القوى السياسية في الداخل والخارج.
فهذا الواقع المر الذي نعيشه جعل لبنان على الدوام، يعيش ازمة وراء ازمة وفراغا وراء فراغ،فيما شعبه المحبط المقهور يظل يبحث عن الخلاص دون بصيص أمل.
لا يريد اللبنانيون رئيسا يحمل برنامجا رئٱسيا غير قابل للتطبيق،ويظل معطلا، ومعلقا في الفضاء حتى نهاية عهده، بل يريدون ترجمة عملية فعلية للبرنامج بحذافيره الكاملة على الارض.
فأي رئيس “كاميكازي” للجمهورية اللبنانية ينتظره اللبنانيون،
وأي لبنان ينتظرنا وهو منقسم على نفسه،تسود فيه التناقضات ،تلسعه الرياح الساخنة،فيما ضغوط الدول إلاقليمية والدولية تمارس علينا، وهي تعمل لصالحها،في الوقت الذي يعمل فيه اللبنانيون لصالح الٱخرين؟!