من المتورط، ومن سيتراجع بعد عام من حرب شاملة في اوكرانيا !
بقلم وزير الخارجية الاسبق د.عدنان منصور
بعد قيام روسيا يوم 24 شباط 2022 بعملياتها العسكرية الجراحية في أوكرانيا، اسرعت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي “لنجدة” نظام الرئيس الاوكراني زيلينسكي،من خلال فرض حزمة كبيرة لا مثيل لها من العقوبات ضد موسكو، وتزويد أوكرانيا بكم هائل من الأسلحة النوعية ، وتقديم مساعدات مالية ضخمة لها، بلغت حتى الٱن 150 مليار دولار.
كانت واشنطن وحلفاؤها يبغون جر روسيا الى حرب استنزاف طويلة، تؤدي الى إنهيار سريع للاقتصاد الروسي ماليا، وصناعيا، وتجاريا ،ونقديا،
وبعد ذلك جر بوتين وإكراهه على الجلوس الى طاولة المفاوضات، ومن ثم فرض الشروط الصارمة عليه.
ما كان الغرب وعلى رأسه واشنطن يتوقع أن تصمد روسيا،رغم العقوبات الإقتصادية الشرسة، والحصار المفروض عليها، وتتابع عملياتها العسكرية بكل حزم وثقة عالية، وباصرار شديد على تحقيق اهداف العملية العسكرية وإحراز النصر الحاسم في الميدان.
خلال العام الاول للحرب الاوكرانية،
استطاعت روسيا أن تستوعب العقوبات الغربية وتمتصها،
وتقوم بإجراءات مرتدة مدروسة، ما مكنها من أن تصمد في وجه العقوبات،
وتخفف من تداعياتها السلبية، وتضع بالتالي المنظومة الاوروبية كلها في مأزق حرج، وحالة ارباك، ما جعلها تعيش ازمة طاقة حادة،وتضخما ماليا، وارتفاعا كبيرا في تكلفة المعيشة والخدمات.ففي الوقت الذي لم يتجاوز فيه التضخم في روسيا %4 رغم العقوبات عليها،فإن التضخم في بعض دول الاتحاد الاوروبي تجاوز ال %20،وفي البعض الٱخر أكثر من %10.
ظنت الولايات المتحدة ان العقوبات الاميركية- الاوروبية هي الفرصة الذهبية لسحق الاقتصاد الروسي، والحاق الهزيمة بروسيا، ما سيدفع بالروس للانتفاضة على النظام، وبالذات على الرئيس فلاديمير بوتين وقيادته السياسية. فإذا بالنتائج تاتي على عكس ما يشتهيه بايدن وحلفه الاطلسي، وصقور دول الاتحاد الاوروبي.
رغم ان اوكرانيا سخرت كل مواردها وامكاناتها، وطاقاتها لمواصلة الحرب ضد روسيا، الا أنها لم تستطع تحقيق تقدم على الارض يصب في صالحها.كما لم تستطع الٱلة العسكرية الضخمة التي وفرتها واشنطن والحلف الاطلسي لكييف، أن تكسر الارادة الروسية، أو تمنع موسكو من السير بخطى واثقة لانجاز ما تريده.إذ كلما زود الغرب أوكرانيا باسلحة نوعية متطورة، كلما رفعت روسيا من منسوب ترسانتها العسكرية ونوعية سلاحها الفتاك.وهي على استعداد كما قال الرئيس بوتين، لاستخدام سلاح الردع الإستراتيجي.
خلال عام من الحرب، كانت أوروبا حصان الكاوبوي الاميركي، الذي وضعها في فوهة المدفع الاوكراني، ليس للدفاع بكل تأكيد عن الديمقراطية والحرية في أوكرانيا ، وإنما للدفاع عن المصالح الاميركية في اوروبا، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة فيها، والحفاظ على القطب الاوحد في العالم كله، والتحكم في القرار الدولي،بعد تقزيم روسيا وشل دورها المؤثر على الساحة الاوروبية والعالمية..
قرار روسيا هو،أن لا عودة الى الوراء مهما كلف ذلك من ثمن.فما قبل 24 شباط 2022، ليس كما بعده.عام 2023، هو عام تغيير الجغرافيا والمعادلات في أوروبا والعالم. فلا خيار أمام موسكو الا النصر، أيا كانت الخسائروالتضحيات.
فزيارة بايدن الأخيرة لاوكرانيا لن تغير المعادلات،ولن تقوي زيلينسكي، أو تثني روسيا عن الاستمرار في حربها ضد النازيين الجدد وداعميهم في الغرب.لذلك، فإن بوتين ومن أجل حماية الأمن القومي، ووحدة اراضي روسيا، والدفاع عن مجالهاالحيوي،
وصون استقرارها، وسيادتها، سيذهب الى ابعد مدى
في مواجهة الغرب،
حتى ولو تطلب الأمر في نهاية المطاف الى استخدام الاسلحة الاستراتيجية، لالحاق الهزيمة بزيلينسكي الذي كان بحماقته ، وحساباته الضيقة، سبب دمار وخراب اوكرانيا، ورهانه الخاطئ على الحلف الأميركي -الأوروبي،
ومجازفته في مغامرته المتهورة،
والذهاب بعيدا في استفزاز ومواجهة روسيا لعدة سنوات دون أن يدرك ويأخذ بالاعتبار عواقب الأمور المحتملة.
ما ينطبق على روسيا، ينطبق ايضا على الولايات المتحدة وعلى الصين والهند، وكوريا الشمالية.فلو ان دولة من هذه الدول استفزت في عقر دارها،وهددت سيادتها وأمنها القومي بالمباشر،فلا يمكن لها مطلقا السكوت او الرضوخ للأمر الواقع، بل ستستخدم كل ما لديها من مقومات القوة العسكرية لمواجهة هذا التهديد ووأده في مهده وهذا ما فعلته روسيا في اوكرانيا.
لقد سبق للعالم ان شهد عام 1962 ازمة الصواريخ التي نصبها الاتحاد السوفياتي على الاراضي الكوبية،
وهي ازمة وضعت دول العالم ثلاثة عشر يوما على مرمى حجر من حرب نووية، بعد أن قام الرئيس الاميركي جون كيندي على الفور باتخاذ قرار حاسم بشأنها دون تردد،حفاظا على الأمن القومي
الأميركي، وعدم المهادنة أو التفريط به. واضعا السوفيات امام قرار حازم لا رجوع عنه،
يخيرهم بين اثنين: اما الحرب، واما تفكيك الصواريخ. ما كان على الاتحاد السوفياتي، وتجنبا للحرب النووية، الا ان ينزع صواريخه ويسحبها من كوبا.
حالة شبيهة تتكرر في اوكرانيا، حيث ارادت الولايات المتحدة، وأوروبا ان تتجاوز الخطوط الحمر، وهي تهدد الأمن القومي الروسي، وتستفز روسيا في عقر دارها من داخل اوكرانيا، وتجرها الى حرب غير مباشرة معها وبالواسطة لاستنزافها، فتورطت وورطت معها اوروبا ودميتها زيلينسكي.
مع بداية العام الثاني للحرب الاوكرانية،لا مجال أمام الولايات المتحدة واوروبا الا ان تنكفئ بهدوء عن أوكرانيا، مثل ما انكفأ الاتحاد السوفياتي عن كوبا، وإلا لن يكون هناك من قوة على الارض تستطيع أن تمنع موسكو من تحقيق هدفهاالاستراتيجي.فإذا كانت واشنطن تريد العالم دون روسيا، فإن روسيا بدورها ترى وبكل صىرامة،انه لن يكون هناك عالم دونها!
على المغامرين في الغرب ان يقروا بحقيقة،وهي أن عام 2023، هو عام بداية رسم خريطة جديدة للعالم، وتوزيع القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة للعب دورها على الساحة العالمية، مدعومة بقواها الإقتصادية والعسكرية النووية، من الهند والصين، وكوريا الشمالية،
مرورا بقوى إقليمية كبرى وجدت لها مكانا فاعلا بين الأمم، كالبرازيل وباكستان ،وتركيا، وإيران وغيرها.
هل يقر الغرب في نهاية الامر بهذه الحقيقة، ويعمل في ضوئها قبل ان تفتك بالعالم كارثة رهيبة،
وحربا شاملة غير تقليدية،حيث لا أحد فيه يعرف مسبقا حجمها وتداعياتها ونتائجها المدمرة؟!
فإما ان تبقى روسيا ويبقى معها العالم، وإما ان تذهب روسيا ويذهب معها العالم! فأي خيار ستختاره الولايات المتحدة واوروبا؟! الحرب الشاملة او التضحية بزيلينسكي كبش الولايات المتحدة
الذي رعته على مدى سنوات وكان وقود حربها بالوكالة ؟!