مخلفات الزلزال: ضحايا بريئة ومأساة فكرية
تناول البروفيسور في العلوم الاجتماعية المتقاعد من الجامعة اللبنانية رشيد شقير ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أن الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وأثر على لبنان ناتج عن مؤامرة ما، مصوّبا على غياب العقلية العلمية التي سمحت بانتشار مثل هذه التفسيرات، ومشددا على ان العلم هو الاقرب الى الحقيقة من الدعاية.
فنشر على حسابه الفيسبوكي منشورا جاء فيه:
“قرأتُ أكثر من مقالة في إحدى مجموعات الواتساب حول الزلزال العظيم الذي ضرب تركيا وسورية ولبنان بدرجات قوة متفاوتة أن هذا الحدث ناجم عن ضربة نووية ما، وخصوصاً أنه جاء بعد ثلاثة أيام من نشر عالِم هولندي تغريدة يتنبأ فيها به في وقت تشهد المنطقة تحركات عسكرية أميركية وروسية.
ومع كل الأسى والألم والحزن على الضحايا البريئة للزلزال، فإن المرء لا بد أن تلفته المأساة المعرفية التي تعكسها تلك المقالة، فهي أقرب إلى النكتة التي ينتجها مخيال العقل المؤامراوي الذي يفسر الوقائع والأحداث (بمافيها الظاهرات العلمية والطبيعية، كالزلازل والبراكين المتفجرة) بأفعال وقوى خفية يقوم بها “العدو” خلسةً، أو القوى الخارقة من خارج “الطبيعة”…
تُرى ماذا كان رأي هذا المخيال في “تسونامي” الذي ضرب اليابان في العام 2011، وماذا عن تنبؤات ميشال حايك التي سبقت العالِم الهولندي، وهل تحدّث هذا العالِم عن “مؤامرة” أميركية؟!
ليست الأحداث المصادفة للزلزال دليلاً على المؤامرة التي أين منها اجتماع باريس في ما يتعلق بلبنان، والذي لعله كان جزءاً من المؤامرة أيضاً…!
إن المرجع العلمي (الجيوفيزياء في هذه الحالة مثلاً) في تفسير ما حدث ويحدث هو الأصلح الذي يدحض الهلوسات الماورائية التي تشوّه الوقائع ومعرفتها، ومنها التعليقات السياسية المؤدلَجة التي تنتقي من التقارير الإعلامية ما يبرر مواقفها المسبقة من القوى والسياسات…
هل في هذا الكلام دفاع عن أمريكا أو غيرها، وخصوصاً أنها في علاقة متوترة مع تركيا منذ ما قبل الزلزال، ناهيك عن سورية؟ كلا بالتأكيد، وإنما هي محاولة لتصويب النظر بالاتجاه العلمي الذي يبقى الأقرب إلى الحقيقة من الدعاية في الحرب “الناعمة” بين الدول.”